العدد 1685 /15-10-2025

تتواصل لليوم الثالث عودة مئات آلاف النازحين الفلسطينيين من وسط وجنوبي قطاع غزة إلى ما تبقّى من مدينة غزة ومحافظة الشمال، وسط مزيجٍ من الفرحة والغصّة، جرّاء مشاهد الدمار الواسع وانعدام شتّى مقوّمات الحياة. ومع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، تحرّكت أعداد كبيرة من النازحين الفلسطينيين باتجاه غزة، في محاولة للعودة إلى منازلهم التي هُجّروا منها تحت وطأة القصف والدمار.

لكن ما كان يُفترض أن يكون بداية للتهدئة ولمّ الشمل، تحوّل سريعاً إلى أزمة إنسانية جديدة، إذ إنّ العودة محفوفة بمعاناةٍ لا تنتهي يفاقمها الواقع المعيشي المُزري، والبُنى التحتية المتصدّعة، والمؤسّسات الخدماتية المتدهورة، إلى جانب انقطاع المياه والتيار الكهربائي في مختلف أنحاء قطاع غزة، علاوةً على حجم الدمار الهائل الذي يكسو المدينة المنكوبة.

يقول الفلسطيني، سعيد اصليبي، من سكان مخيّم الشاطئ شمال غربي مدينة غزة، إنّه صُدم من هول الدمار الشاسع، ويتابع لـ"العربي الجديد": "كانت المدينة مدمّرة إلى حدّ كبير قبل الإخلاء الأخير، لكنّها تحوّلت بعد بضعة أسابيع إلى كومةٍ من الردم والمعاناة"، ويلفت إلى أنّ مشاهد الدمار ليست الأزمة الوحيدة أمام العائدين الذين ذُهلوا كذلك من أزماتٍ عديدة تمسّ أدقّ تفاصيل حياتهم، جراء انعدام مختلف مقوّمات الحياة، وفي مقدّمتها خدمات المياه والكهرباء، ما يبقيهم في دائرة المعاناة المتواصلة.

ويوضح اصليبي أنّ عودة النازحين إلى غزة لا تعني انتهاء مأساتهم، بل تُنذر بمرحلة جديدة من العذاب والشقاء، وتكشف هشاشة الواقع والآثار الكارثية للحرب الدامية التي استمرّت عامين.

وتسبّبت العودة الجماعية لعشرات آلاف النازحين الفلسطينيين إلى قطاع غزة، بأزمةٍ مرورية حادّة على الطرق والمفترقات والمداخل الرئيسية، ما فتح المجال أمام استغلال حاجة الأهالي للوصول إلى مناطقهم، وسط الطلب المرتفع على وسائل النقل ونُدرتها.

وعن ذلك، يكشف الفلسطيني، أدهم أبو سيدو، الذي عاد من النزوح القسري في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، أنّ أجرة النقل من مناطق النزوح إلى قطاع غزة شهدت ارتفاعاً جنونيّاًو يعاني فيه معظم النازحين من فقدان مصادر دخلهم بالكامل، بعد أن دُمّرت منازلهم وأماكن عملهم، أو اضطرّوا إلى بيع ممتلكاتهم لتأمين الحد الأدنى من البقاء خلال النزوح". ولا يقلّ ألم ما بعد القصف عمّا قبله، إذ لا يجد الفلسطينيون العائدون إلى غزة سوى الأنقاض والطرقات المزدحمة بالألم والدمار، في ظل غياب تامّ لملامح الحياة الطبيعية، وسط آمالٍ بتحقيق الوعود والبنود التي تشملها خطة وقف إطلاق النار في غزة.