العدد 1516 /15-6-2022

يعزز النظام السوري مواقعه في الشمال السوري، استعداداً لمواجهة عسكرية محتملة مع استمرار التسريبات عن قرب إطلاق العملية العسكرية التركية، والتي تستهدف، بحسب التصريحات الرسمية للمسؤولين الأتراك، تل رفعت ومنبج في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي.

ومن الواضح أن النظام يريد تحقيق مكاسب على الأرض على حساب "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي وُضعت مرة ثالثة في مواجهة "غضب" الأتراك، بعد عملية "غصن الزيتون"، التي انتزعت خلالها تركيا السيطرة على منطقة عفرين، وعملية ما سمي بـ"نبع السلام"، التي طردت فيها "قسد" من منطقة تل أبيض إلى رأس العين. وتخطط تركيا حالياً للقضاء على هذه القوات في غرب الفرات.

وأكد مصدر مطلع في "الجيش الوطني" المعارض، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن الأرتال من قوات النظام "تتوافد تباعاً إلى ريف حلب الشمالي منذ عدة أيام".

وأوضح أنه وصلت وحدات قتالية لقوات النظام من الفرقة الثالثة دبابات، ومن الفرقة 11، والفرقة الرابعة، والخامسة، واللواء 16، بالإضافة إلى مجموعات من "الفيلق الخامس" التابع للروس.

وبيّن المصدر أن "هذه الأرتال توزعت داخل مدينة تل رفعت، ومحيطها في قرى مرعناز، وكفرنايا، وأم الحوش، الوحشية، وفي منطقة منغ، وعين دقنة والشيخ عيسى".

وأوضح المصدر أن قوات النظام أرسلت وحدات إلى منطقة منبج، مشيراً إلى أنها تمركزت في العريمة، وأم عدسة، وخربة ماضي. وأشار إلى أن الأرتال، التي جاءت إلى شمال حلب، ترافقها دبابات "تي 72"، و"تي 55"، و"تي 62"، بالإضافة إلى مضادات، ومدفعية، ومتطلبات التمركز.

ولفت إلى أن عدد القوات التابعة للنظام في محيط تل رفعت "تصل إلى نحو 1500 عنصر، وفي منبج ألف عنصر". وقال إن "دخول الأرتال كان يتزامن مع تحليق لطائرات روسية في أجواء المنطقة. هناك حركة دائمة لهذه الطائرات في الأجواء لرفع معنويات قوات النظام".

في هذه الأثناء، نفى مسؤول المركز الإعلامي لـ"قوات سورية الديمقراطية" فرهاد شامي علمهم بوجود غرفة عمليات مشتركة مع قوات النظام ومليشيات تابعة لإيران، باسم "صاعقة الشمال"، بإشراف روسي. وأكد، لـ"العربي الجديد"، أنه بالنسبة للعملية التركية المحتملة فإن "طريق الأتراك لن يكون معبداً بالورود في حال قيامهم بأي هجوم".

وكان موقع "باسنيوز" الإخباري، والذي يبث أخباره من أربيل في إقليم كردستان العراق، قد نقل أمس الأحد عن "مصدر كردي مطلع" تأكيده "تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الوحدات الكردية (الثقل الرئيسي في قسد)، ومليشيات إيران وتشكيلات من قوات النظام السوري باسم "صاعقة الشمال"، بإشراف روسي في ريف حلب الشمالي".

وحول قدرة قوات النظام السوري على مواجهة الجيش التركي وفصائل المعارضة المرتبطة به في شمال حلب، أوضح المحلل العسكري النقيب عبد السلام عبد الرزاق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحشود التي يستقدمها النظام جعجعة إعلامية لا أكثر. عندما تبدأ المعركة تعود من حيث أتت".

وأشار إلى أن النظام حاول الحشد مطلع عام 2018 إبان العملية العسكرية التركية في منطقة عفرين. وقال: "حاول الشبيحة التقدم برتل من بلدتي نبّل والزهراء فتم تدميره على الفور". وأشار إلى أنه "لم يعد هناك مؤسسة عسكرية وجيش، إنما مليشيات متعددة الولاءات".

ولفت إلى أن تركيا تملك ثاني أقوى جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، و"الجيش الوطني السوري" المعارض منظم ولديه عقيدة عسكرية. وأشار إلى أن تركيا تتفوق على أقوى ترسانات العالم بالمسيّرات، التي يمكنها حسم معارك، بالإضافة إلى مدفعية دقيقة الإصابة وبعيدة المدى.

من جهته، أكد العميد عبد السلام حميدي، وهو قائد غرفة العمليات في "الفيلق الثالث" التابع إلى "الجيش الوطني" المعارض، لـ"العربي الجديد"، جاهزية هذا "الجيش" لكل الاحتمالات. ولفت إلى استعدادهم "لخوض المعركة بكل جدية وتصميم وقوة، بغض النظر عن نوايا العدو، سواء اختار الانسحاب أو المقاومة".

وتوقع حميدي مقاومة "في بعض الجيوب والبلدات"، مقللاً من أهمية تعزيزات قوات النظام التي جاءت إلى الشمال خلال الأيام الماضية، ومذكراً بما حدث في عفرين قبل 4 سنوات "حين هربت هذه القوات وتركت فلول حزب العمال الكردستاني خلفها".

وتشي التطورات المتلاحقة في الشمال السوري بأن الجانبين التركي والروسي لم يتوصلا بعد إلى تفاهم واضح حول أبعاد العملية العسكرية التركية.

وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة الوطن، التابعة للنظام، عن السفير الروسي في سورية ألكسندر يفيموف قوله، أمس الأحد، إن "غياب موافقة الحكومة الشرعية للجمهورية العربية السورية على أي عمل عسكري تركي سيشكل انتهاكاً مباشراً لسيادة سورية وسلامة أراضيها، وسيؤدي إلى تصعيد إضافي للتوتر في البلد"، وفق تعبيره.

وأمل يفيموف أن "تمتنع أنقرة عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهور خطير للوضع في سورية"، مشيراً إلى أن "ضمان الأمن الثابت على الحدود السورية – التركية يتم فقط من خلال نشر القوات الحكومية السورية في المنطقة المجاورة لها"، وفق قوله.

وتأتي تصريحات السفير الروسي لتعزز الاعتقاد بأن موسكو ربما تريد تسلّم قوات النظام منطقتي تل رفعت ومنبج من "الوحدات" الكردية، لتفادي العملية العسكرية التركية، والتي من المرجح أنها لن تبدأ قبل انتهاء الجولة المقبلة من مباحثات مسار أستانة، والمفترض أن تعقد غداً الثلاثاء في العاصمة الكازاخية نور سلطان.

وكان رئيس النظام بشار الأسد قد قال، في تصريحات تلفزيونية قبل أيام، إن قواته "ستقاوم أي غزو تركي لأراضيها"، زاعماً أنه "ستكون هناك مقاومة شعبية بالمرحلة الأولى في الأماكن التي يوجد فيها الجيش التركي، وعندما تسمح الظروف العسكرية للمواجهة المباشرة سنفعل هذا الشيء".

وفي السياق، أعرب الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات، فراس الفحام، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أن "تركيا تضغط باتجاه تنفيذ عملية عسكرية في شمال سورية بسبب فشل تنفيذ اتفاق سوتشي، المبرم بين الروس والأتراك في أكتوبر/ تشرين الأول 2019".

وقال إن تركيا تطالب بإفساح المجال لها في شمال سورية لإخراج عناصر "قسد" بالقوة من الشريط الحدودي بين سورية وتركيا، فالوساطة الروسية لم تثمر في النهاية عن إبعاد هذه القوات عن الحدود.

ورأى الفحام أن "روسيا تحاول إقناع تركيا بعدم شن هذه العملية، من خلال الضغط على قسد لإدخال قوات النظام إلى مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب (كوباني)، لنزع الذرائع لتنفيذ العملية العسكرية، لكن قسد تسمح لقوات النظام بالانتشار على خطوط التماس فقط ولا تسلّم إدارة هذه المناطق، وهذا الأمر يُصعب من مهمة موسكو بإقناع الأتراك بصرف النظر عن تدخل عسكري جديد.

وأشار الفحام إلى أن "فرص العملية التركية كبيرة، لأنه حتى اللحظة لم تخرج قسد من المناطق المستهدفة، وهي تحاول المناورة"، مضيفاً: ربما يتكرر سيناريو عفرين في 2018، حيث رفعت روسيا الغطاء السياسي والعسكري عن "قسد".

عدنان الإمام