ماجد أبو دياك

كشف إلغاء محكمة العدل العليا الانتخابات البلدية التي كانت مقررة في الثامن من هذا الشهر عن أزمة تعيشها السلطة الفلسطينية، وعلى الأخص رئيسها محمود عباس في ظل ضغوط إسرائيلية وعربية لوراثته وتراجع شعبيته عند الفلسطينيين، بعد تعزيته بالرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز.
فقد جاء قرار المحكمة بعد معارضة للانتخابات في أوساط قيادات حركة فتح، وقبول المحاكم المحلية في قطاع غزة لطعون قدمتها حماس ضد مرشحين من فتح، الأمر الذي أدى إلى إضعاف موقف هذه الحركة في ظل صراعات داخلية فيها، وافتقادها لمرشحين أقوياء في مواجهة مرشحي حماس أو القوائم التي تدعمها.
كما جاء أيضاً في ضوء تمكن حماس من دعم قوائم قوية في الضفة، ولجوء أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية لتهديد مرشحي هذه الحركة ومنعهم من الاستمرار في الترشح في بعض المدن مثلما حصل في الخليل، الأمر الذي كشف ضعف موقف فتح في الضفة أيضاً بسبب الفساد في أجهزة السلطة، وفشل مفاوضات التسوية السياسية في تحقيق أي إنجاز للفلسطينيين.
ضغوط الرباعية وفشل فتح
ولا شك أن قرار المحكمة العليا جاء بأوامر من عباس، لا سيما أن المتقدمين بالطعن هم من فتح. وكان دور الرباعية العربية في هذا الأمر واضحاً بدءاً بإقناع عباس بإبراز قائمة واحدة للحركة، تضم مرشحي خصمه اللدود محمد دحلان، وصولاً إلى قبول المحكمة العليا الطعن المقدم من أحد كوادر فتح؛ متعللاً بعدم شمولها للقدس، وأن غزة أصبحت خارج ولاية السلطة إثر عملية الحسم عام 2007.
ولم تفلح الإجراءات التي اتخذتها السلطة بما فيها التهديد بقطع رواتب المنتمين إلى فتح إن هم لم يصوتوا لها، في تحسين موقف فتح التي بقيت تعاني من التشرذم والتشتت، وتتمسك ببرنامج أمني للتعاون مع الاحتلال، وهو برنامج غير مقبول ولا مستوعب فلسطينياً.
وكان عباس حاول تسويق مقولة مفادها أنه يستطيع حتى آخر لحظة التحكم بنتائج الانتخابات، ولن يسمح لحماس بتحقيق انتصار فيها، إلا أن ذلك لم يفلح، خصوصاً أن حماس نجحت بحملتها في غزة لوقف ترشيح بعض رجالات فتح في ضوء سجلهم العدلي، وتحقق بالتالي ما كان يتخوف منه الجميع بتعزيز حماس لمواقعها في النظام الفلسطيني استعداداً للانتخابات التشريعية والرئاسية.
قيادة لمواجهة حماس
وهكذا سقطت السلطة الفلسطينية في أول اختبار ديمقراطي، كما فشلت في استدرار مساعدات أوروبية، حيث لا تسمح سياسات هذه الدول بتقديم المساعدات إلا لبلديات منتخبة!
إلا أن ما أقدمت عليه السلطة الفلسطينية لم يكن نهاية المطاف، فقد فتح ذلك الباب واسعاً أمام تدخل الرباعية بشكل أكبر في فرض قيادة بديلة عن عباس حين رأت أنه استنفد دوره ولم يعد قادراً على تقديم تنازلات أكبر لإسرائيل.
ونجحت الرباعية في إلزام عباس بإعادة عدد من المفصولين والمقربين من دحلان إلى حركة فتح، وذلك في ضوء رؤية تنطلق من ضرورة توحيد الصف الداخلي للحركة في مواجهة حماس، إلا أن عباس ما زال يماطل في قبول مطالب الرباعية التي لجأت إلى استدعاء شخصيات حوله لإقناعها بالمصالحة مع دحلان، دون أن يسفر ذلك عن أي شيء حتى الآن.
كما أن مشاركة الرئيس الفلسطيني في جنازة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز أكلت أيضاً من رصيد عباس، حيث عمت الضفة الغربية مظاهرات منددة بالمشاركة اضطرت الأجهزة الأمنية للتعامل معها، في واحدة من أندر الاحتجاجات في الضفة ضد عباس. 
الخيارات والبدائل
قد لا يكون دحلان هو الخيار الأمثل حالياً في خلافة عباس، ولكنه قد يستظل بشخصيات فلسطينية قوية قد ترث عباس، ومنهم مروان البرغوثي المعتقل لدى إسرائيل حالياً، وناصر القدوة (الذي حرصت دوائر عربية على إظهاره كبديل قادم) وغيرهم.
وهكذا يواجه عباس تحديات داخلية في تنظيم فتح وفي الشارع الفلسطيني الساخط على مشروع التسوية الذي لم يحقق نتائج، إلا التعاون أمنياً مع الاحتلال واعتقال المعارضين والمقاومين وتقديم المعلومات عنهم للاحتلال.
وفي ضوء هذه الأوضاع والتدخلات، فإن الشعب الفلسطيني لا يزال يشكل الرقم الصعب في المعادلة، إذ يستمر في فرض خياره المقاوم وتعزيز إمكاناته وضرب خيارات الآخرين ومحاولاتهم إنهاء القضية بثمن بخس، لا يتجاوب مع الثوابت الوطنية ويفرط بالقدس واللاجئين وبمعظم الأراضي الفلسطينية.
الغلبة في نهاية المطاف لن تكون إلا لهذا الشعب، وليس أمام الجميع إلا التجاوب معه والكف عن اللعب بقضيته؛ لأن ذلك ببساطة هو خيار فاشل لا محالة.