العدد 1688 /5-11-2025
حسان قطب
المقاومة، مصطلح شائع،
وحالة عامة وطبيعية، اذ طالما هناك احتلال نرى ان فعل المقاومة موجود ومطلوب، في
اي وطن واي دولة وكيان.. كرد فعلٍ طبيعي وعملي على ظاهرة الاحتلال والاعتداء
والهيمنة والاستعمار، والشواهد كثيرة، في مختلف القارات والدول والشعوب..
لا يمكن ان نرى او نسمع
بأن اي سلطة او شعب او مكون وطني يرضى بالاحتلال، ويوافق على ممارساته، ويستسلم
ويخضع لسلطة احتلال جاءت لتسلخ منه حريته وتتلاعب بهويته وثقافته وتمارس عليه سلطة
القهر والتغيير الديموغرافي والسياسي تنزع عنه سلطته الوطنية..
المقاومة لها اشكال
متعددة، تبدأ من المقاومة المسلحة وهي الاساس الى الثقافية، الى الدبلوماسية وصولا
الى الاقتصادية والتجارية، حتى ان المقاطعة شكل من اشكال المقاومة، كما ان تفعيل
وتعميق ثقافة الرفض لثقافة الاحتلال، وممارسات الاحتلال والخضوع لسلطة الاحتلال
وجه من اوجه المقاومة الشعبية التي سبق ان تمت ممارستها..تعزيز الروح الوطنية
والانتماء للوطن والتمسك بالهوية الوطنية اساس العمل المقاوم.. كما ان زرع
الانسجام والتفاهم بين مختلف مكونات الوطن يشكل العامود الفقري للمقاومة مهما كان
شكلها..
في لبنان، الوضع معقد
بنسبة كبيرة، والبحث في عمقه يتطلب واقعية بالغة، اذ لا خلاف بين اللبنانيين على
ان مقاومة الاحتلال امر طبيعي ومطلوب، ولكن الخلاف هو على شكل وطبيعة المقاومة،
وعلى هوية المقاومة..!!
هل هي مقاومة وطنية او
مقاومة دينية..؟؟
هل هي رد فعل وطني، ام
انها جزء من محور اقليمي..؟
هل انطلقت على اسس وطنية
ام قومية..؟؟
عندما نستمع لبعض
الاعلاميين والسياسيين، نرى ان هذا الخلاف والاختلاف له اسبابه، التي ينطلق منها
من يقدم نفسه على انه هو المقاومة، واعني هنا حزب الله..؟؟
فهو يعتبر ان مقاومته ضد
الاحتلال تقوم على اسس دينية..وهذا ليس اتهاماً او مجرد تحليل، بل هناك من قادة
حزب الله من يقدم سلاحه على انه سلاح يخدم وجود الطائفة ودورها على الساحة
اللبنانية والاقليمية بل وحتى الدولية، تحت عنوان مقاومة الاحتلال، حتى ان احدهم
قال بأن الطائفة الشيعية هي طائفة المقاومة منذ 1400 عام..؟؟؟
احد قادة حزب الله يقول
يأن سلاح حزب الله لن يسلم للدولة اللبنانية، بل هو وديعة يتم تسليمها للامام
المهدي المنتظر الذي هو الامام الثاني عشر عند عودته من غيبته، بحسب عقيدة الشيعة
الامامبة..؟؟
واحدهم قال بأن هذا
السلاح لا يمكن تسليمه الا بضمانات سياسية يتم بموجبها تعديل النظام الدستوري
اللبناني..
وآخر بأن تسليم السلاح قد
يؤدي الى مذبحة تستهدف الطائفة الشيعية..؟؟
ومسؤول آخر قال بأن هذا
السلاح لمواجهة التمدد الاموي الجديد في بلاد الشام..؟؟
البعض من قادتهم واتباعهم
يؤكد مراراً وتكراراً على مصطلحات ومفردات تشير الى ان هذا السلاح في خدمة طائفة
وليس وطن وشعب بالقول (بيئة المقاومة، طائفة المقاومة، جمهور المقاومة) ثم ترفع
شعارات دينية مذهبية وطائفية تؤكد هذا الولاء والانتماء والمزاعم ايضاً..
الامين العام السابق
الراحل قال من يريد نزع سلاح المقاومة ننزع روحه..؟؟ واظن ان الامين العام الحالي لحزب الله قد اعاد
التأكيد على هذا المصطلح والعنوان بل التهديد..؟؟
والامين العام الحالي
نعيم قاسم، قال ان حزب الله لم يدخل معركة الاسناد الا بعد ان اخذ الاذن من الولي
الفقيه (الخامنئي) لان قرار الحرب وبذل الدم والتضحيات لا يتم الا بإذن المرجع
الديني الاعلى..؟؟
اسباب ومبررات كثيرة
يطلقها هذا وذاك، من القادة والاعلاميين والسياسيين والمقربين من حزب الله ويمكن
من خلالها ان نقرا التالي:
ان مصطلح مقاومة، الذي
يستخدمه حزب الله، قد خرج عن سياقه الطبيعي والمألوف والمتعارف عليه.. واصبح هذا
السلاح في خدمة طموحات طائفية، انطلقت قبل 1400 عام كما قال احدهم، او انها تهدف
لتحقيق تعديلات دستورية ضمن النظام السياسي الحالي كما قال بعضهم..
إن المقاومة كما اشرنا هي
لمواجهة احتلال، وحماية وطن وشعب، ولكن لم نفهم مبررات تورط حزب الله وجمهوره في
الحرب على الشعب السوري والعراقي واليمني والعداء للعالم العربي والاسلامي..؟؟؟
الا لاسباب دينية وترسيخاً لحالة الانقسام التي لا يمكن تجاوزها مهما ارتفعت اصوات
تتحدث عن الوحدة والانسجام ورأب الصدع ولم الشمل ومواجهة العدوان..؟؟
إن المزيد من رفع
الشعارات الدينية والمذهبية يرفع من وتيرة العزل والانعزال عن باقي المكونات
الوطنية، ويؤكد حالة الانقسام الداخلي بين جمهور اللبنانيين، ويزيد من حالة عدم
اليقين بمشروعية هذا السلاح، الذي يأخذ قراره من طهران قبل اي مكان آخر وهذا ما
اكده لاريجاني في تصريحه الاخير..( قال علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن
القومي في إيران إن المبعوث الأمريكي توم باراك أدرك صعوبة نزع سلاح حزب الله في
لبنان، الأمر الذي دفعه لإطلاق تهديدات صريحة..).. اذا قرار سحب السلاح هو ايراني
وليس حزبي او قرار تتخذه قيادة حزب الله..؟؟ وبالتالي فإن الحرب في لبنان او على
لبنان هي قرار ايراني وحزب الله صامت لا يقدم تفسيرا او تبريراً.. لما قاله
لاريجاني..؟؟
كذلك فقد قال القائد
العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي إنه لو اجتمع كل شياطين العالم لما
تمكنوا من الانتصار على "حزب الله" اللبناني. وأضاف سلامي: "إذا
تعاونت أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكل الجبهات المتحالفة مع شياطين العالم، فلن
يتمكنوا أبدا من الانتصار على إرادة حزب الله المجاهد في شرق البحر المتوسط. وبإذن
الله تلك الدول محكوم عليها بالفشل".
وايضاً أعلن وزير
الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن طهران تدعم "حزب الله" و"لن تقف
مكتوفة الأيدي" إذا شنت إسرائيل حربا واسعة النطاق في لبنان.
الخلاصة..
سلاح حزب الله هو في خدمة
مشروع اقليمي، ولا يشكل ضمانة وطنية، وكل كلام حول مشروعيته وضرورته واهميته
تنقضها تصريحات القادة الايرانيون..؟؟والحل يكمن في تسليم السلاح للدولة اللبنانية، ووقف الحملات الاعلامية
التخوينية، وعدم استعمال المفردات الدينية، والمصطلحات الدينية التاريخية، والدخول
في ترسيخ الهوية الوطنية والانتماء الوطني والالتفات الى اقامة علاقات طبيعية مع
العالم العربي والدولي للنهوض بالوضع الاقتصادي والانمائي والاجتماعي واعادة
الاعمار بعيدا عن المؤتمرات الاستعراضية والعمل على تضليل جمهور المواطنين الذين
فقدوا منازلهم واعمالهم وارزاقهم وتم تهجيرهم من قراهم بقرار صدر من طهران وليس من
لبنان..
لذلك فإن مفهوم المقاومة،
لا يجب ان يكون مادة للتجاذب او للتضليل او للتغطية على مشروع اقليمي او ديني..
المقاومة مشروع وطني يحقق اهداف وطنية ويحمي شعب ووطن وليس نظام اقليمي او لتحسين
شروط التسلط في الداخل..
حسان القطب