العدد 1406 / 25-3-2020
السبت 26 رجب 1441ﻫ 21-3-2020م159
وجه
مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج الاتي نصها: الحَمْدُ
للهِ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِه لَيْلاً من المَسجدِ الحَرامِ إلى المَسجدِ الأقصى
، ثم عَرَجَ بهِ إلى السَّمواتِ العُلا والمَقَامِ الأَسْنَى ، والصَّلاةُ والسَّلامُ
على سيِّدِنا ونبيِّنا مُحَمَّد ، صَاحِبِ الشَّفَاعةِ العُظْمَى ، الذي تَجَلَّى
عليهِ رَبُّه بِمَا لا يُحْصَى ولا يُعَدُّ مِنَ الآياتِ الكُبْرَى ، وَعَلَى
آلِهِ وأصْحَابِه وأَتْبَاعِهِ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُعْجِزةِ الإسراءِ
والمِعْراَج، ولم تُصِبْهم فِتْنةٌ ، بل ازْدَادُوا إيِمَاناً وَهُم
يَسْتَبْشِرُون ، وبعد :
أيها
المسلمون : يقولُ المَوْلى تَعَالى في مُحْكَمِ تَنْزِيلِه :
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ
مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
في
ذِكرى الإسراءِ والمِعراج ، يتجَدَّدُ لدى المسلمينَ الإحساسُ والوَعْيُ بِعِنايةِ
اللهِ عزَّ وجَلّ ورَحمتِه . ويتجَلَّى ذلك بِبَعثةِ ورِسالةِ محمدٍ صَلواتُ اللهِ
وسلامُهُ عليه ، الذي أرسلَهُ اللهُ سبحانَهُ رحمةً للعالمين ، قالَ تعالى :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ، وأرْسَلَهُ شَاهِداً
وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ، قَالَ تَعَالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ
بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ
اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً﴾. ومَعَ البَعْثةِ ، ولإحقاقِ الرسالةِ ، كانت آياتُ
اللهِ سُبحانه ومُعجِزاتُه ، للتَدليلِ على صِدْقِهِ عَليْه الصَّلاةُ والسَّلام،
ولإيضاحِ مُرتكزاتِ الدِّينِ وثَوابِتِه . فَفي الإسراءِ خارِطةٌ قُدْسِيَةٌ
لِتَنَزُّلِ الوحيِ والرَّحَمَات ، فيما بينَ البيتِ الحَرَام، والمسجدِ الأقصى .
وفي الـمِعراجِ تثبيتٌ لعَلاَقِة المُصْطفى بربِّه ، ربِّ العَالَمين ، حيثُ رأَى
مِنْ آياتِ ربِّه الكُبرى . وهَكَذَا ، فإنَّ في هاتَين الواقعتَين الكبيرتَين فِي
حَياةِ رَسولِ الله ، وحَياةِ الدِّينِ والمُسْلِمين، نوراً هادياً ، وسِراجاً
مُنيراً ، بالوظائفِ الثلاثِ لِبَعْثَتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلام: الشهادةُ
والتبشيرُ والإِنذار . فهو عليه الصَّلاةُ والسَّلام يُبَشِّرُ بالخيرِ والأَمنِ
والسِّلمِ والسَّلام ، ويُنذِرُ الـمُعْرِضينَ عَنْ دَعوةِ الخير ، ويَظَلُّ
شَاهدَ صِدْقٍ على مَسارِ أُمَّةِ المؤمنين ، وما وَرَاءَ ذَلكَ مِمَّا يتعلَّقُ
بِمَصَائِرِ الأُمَّةِ في العالم . وفوقَ ذَلكَ كُلِّه ، عنايتُهُ عزَّ وجلَّ ،
وهو السميعُ البصير.
وكَمَا
في كُلِّ عَام ، يَحْتَفِي المُسلِمونَ بِذِكرَى وَوَاقِعَةِ الِإسْرَاءِ
وَالمِعرَاج . وَيَقولُ المُفَسِّرُون: إنَّ الإِسْرَاءَ بِرَسُولِ الله ،
صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عليه ، مِنْ مَكَّةَ إلى بَيتِ المَقْدِس ، الذي
ذَكَرَهُ القُرآنِ فِي مَطلَعِ السُّورَةِ التي سُمِّيَتْ بِاسْمِه ، كَانَ
شَاهِداً عَظِيماً عَلى إِكْرَامِ اللهِ لِرَسُولِه ، وَقَد كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ
في السَّنَوَاتِ الأُولَى لِلْبَعْثَةِ النَّبَوِيَّة ، أَيْ قَبلَ الهِجْرَة ،
لِكَي يَعرِفَ المَكِّيُّونَ الطَّبِيعَةَ التَّوحِيدِيَّةَ لِلإِسْلام ، أمَّا
المِعرَاجُ ، وَهُوَ عُرُوجٌ بِرَسُولِ اللهِ إلى السَّمَواتِ العُلَى ، وَقَد
ذَكَرَهُ القُرآنُ الكَرِيمُ في سُورَةِالنَّجْم ، وَهِيَ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ أَيضاً ، وَالنَّصُّ القُرآنِيّ،
قَالَ تَعَالى : ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى *
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ
شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى *
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى
إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ
عَلَى مَا يَرَى * ) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ
الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا
يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ
الْكُبْرَى﴾ ، والآياتُ الإلهِيَّةُ الكُبْرَى التي اخْتُصَّ الرسولُ صَلواتُ
اللهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِ بِرُؤْيَتِها هي مَا نَقصِدُهُ بِإعزَازِهِ عِندَ
رَبِّهِ بالاصطِفاء ، وَعِظَمِ المَقَام ، ثُمَّ التَّبشِيرُ بانتصَارِ الدِّين ،
وَظُهُورِ الأُمَّة.
في
آياتِ الإِسرِاء ، كَمَا في آياتِ المِعرَاج ، يَتَكَرَّرُ ذِكرُ آياتِ اللهِ ،
وَآيَاتِ اللهِ الكُبرَى. وَيَتَكَرَّرُ ذِكرُ الرُّؤيَةِ بِالعَينِ وَبِالقَلبِ
وَالعَقْل : قَالَ تَعَالى : ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ ، وقَالَ تَعَالى : ﴿مَا
كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ . وَهَكَذَا فَإِنَّ المَقصِدَ النِّهَائِيَّ
لِلحَدَثَين ، أَوِ الحَدَثِ المُتَّصِلِ بَينَ الأَرضِ وَالسَّمَاء، هُوَ نَشْرُ
اليَقِينِ بِرَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ ، بِالبَصَرِ وَبِالقَلبِ وَالعَقل ،
وَهُوَ اليَقِينُ النَّاجِمُ عَنِ الإِيمَانِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلّ ، وَالثِّقَةِ
بِوَعْدِهِ للمؤمنين ، أَنَّهُمْ سَائرُونَ إِلى النَّجَاةِ وَالفَرَج ، إِنْ
تَطَلَّعُوا إلى رَبِّهِمْ بِالدُّعَاء ، وَهُمْ يَشْهَدُونَ آيَاتِهِ في الأَرضِ
وَفي السَّمَاء.
أيها
المسلمون، أيها اللبنانيّون :
نَحنُ
في حَالَةِ بَلاءٍ وَابْتِلاءٍ وَاخْتِبَار . اِخْتِبَارِ قُدرَتِنَا عَلى
الصُّمُود ، وَعَلى اجْتِرَاحِ الحُلُولِ وَالمَخَارِج . لَقَدِ اعْتَدْنَا القَول
: إِنَّ الأَزَمَاتِ تَحْفِلُ بِالصُّعُوبَات ، لكنَّها أيضاً تَعْرِضُ فُرَصَاً
لِمَنْ يَستَطِيعُ اقْتِنَاصَهَا ، وَصُنعَ شَيءٍ جَدِيدٍ مِنْ خِلَالِهَا ،
سَوَاءٌ في الحَالاتِ الفَردِيَّةِ أَوِ العَامَّة. لَدَينَا الأَزْمَةُ
الاقْتِصَادِيَّةُ وَالنَّقدِيَّة ، وَلَدَينَا أَزْمَةُ الوَبَاءِ النَّازِل،
وَلَدَينَا الأَزمَةُ السِّياسِيَّة . وَأَهَمُّ مَظَاهِرِ الأَزمَةِ
السِّيَاسِيَّة ، هِيَ الثِّقَةُ المُتَضَائلَة ، أَوِ المُفْتَقَدَةُ بَينَ
السُّلُطَاتِ وَالنَّاس . إِذْ إِنَّ مُعظَمَ اللبنانِيِّينَ لَيسُوا
مُتَأَكِّدِينَ مِنْ سَلامَةِ الإِجرَاءَاتِ التي تَتَّخِذُهَا السُّلُطَات،
سَوَاءٌ في الجَانِبِ الاقْتِصَادِيِّ وَالنَّقْدِيّ ، أَو جَانِبِ مُكَافَحَةِ
الدَّاءِ وَالوَبَاء . وَيَرجِعُ ذَلِكَ في اعْتِقَادِهِمْ إلى ثَلاثَةِ أَسْبَاب
: أَنَّ السِّيَاسَاتِ الاقْتِصَادِيَّةَ وَالمَالِيَّة ، مَا كَانَتْ سَلِيمَةً
وَلا مُتَبَصِّرَة . وَالسَّبَبُ الثَّانِي : أَنَّ ضَرُورَاتِ الِإصْلاحِ التي
قَالَ الجَمِيعُ إنَّهُمْ مُقْتَنِعُونَ بِهَا، لم تُحَقَّقْ . وَالسَّبَبُ
الثَّالِث : أَنَّ كُلَّ مَا تَمَّ القِيامُ بِه، كَانَ مُتَأَخِّراً أَو
مُتَأَخِّراً جِدّاً . وَلِذَلِك ، نَرَى أَنَّ أَوَّلَ الوَاجِبَاتِ عَلى
السُّلُطَات ، اِسْتِعَادَةُ ثِقَةِ النَّاس ، مِنْ طَرِيقِ السَّيرِ في تَحْقِيقِ
الإِصْلاحِ بِالفِعْل ، لِاسْتِعَادَةِ الثِّقَةِ مِنْ جَانِبِ المُوَاطِنِينَ
بِالدَّاخِل ، وَمِنْ جَانِبِ المُجْتَمَعِ الدَّولِيِّ وَالعَالَمِ المُعَاصِر .
وَاسْتِعَادَةِ الثِّقَةِ مِنَ الحِرصِ بِالفِعل ، عَلى مُجَابَهَةِ الوَبَاءِ
الذِي نَزَلَ بوَطَنِنا . أيها المواطنون :
إِنَّ
وَطَنَنَا الصَّغِيرَ جُزْءٌ مِنْ هَذَا العَالَم ، الذِي صَارَ قَريَةً
كَونِيَّةً كَمَا يُقَال . وَقَدْ كَانَ لُبنانُ على صِغَرِه ، طَلِيعَةً في
إِقامَةِ دَولَةٍ حَدِيثَة ، وَطَلِيعَةً في اهْتِمَامِ العَالَم ، بِسَبَبِ
نُبُوغِ أَبْنَائه ، وَعَالَمِيَّةِ اهْتِمَامَاتِهِم . وَمَا عَادَ الأَمْرُ
كَذَلِكَ في السَّنَوَاتِ الأَخِيرَة . كُنَّا مُسْتَشْفَى الشَّرق ، وَكُنَّا
جَامِعَتَه ، وَكُنَّا مَنَارَةً في المَنْطِقَةِ وَالمُحِيط.
وَيَكُونُ
عَلينَا بِالفِعل ، أَنْ نَتَسَاءَل : لِمَاذَا هَذَا الفَشَلُ في الِإدَارَةِ
السِّيَاسِيَّةِ وَالاقْتِصَادِيَّة، وَالمَصْرِفِيَّةِ وَالاسْتِشْفَائيَّة ؟
وَكَيفَ حَدَثَتْ عُزْلَتُنَا عَنِ العَالَم ؟ وَكَيفَ صِرْنَا نَعتَقِدُ أَنَّنَا
وَحْدَنَا ، وَأَنَّنَا ضَحَايَا ، وَأَنَّ العَالَمَ يَتَخَلَّى عَنَّا أَو
يُحَاصِرُنَا ؟
إِنَّ
هَذِهِ التَّسَاؤُلات ، هِيَ الشُّغُلُ الشَّاغِلُ لِلبنانِيِّينَ الآن، وَقَدْ
نَزَلَ بِهِمُ الفَقْرُ وَالعَجْزُ ،
وَتَصَدُّعُ
مُؤَسَّسَاتِ العِنَايَةِ وَالرِّعَايَةِ في شَتَّى المَجَالات . وَهَكَذَا ،
فَإِنَّهُ إِذا كَانَ وَاجِبُ
السُّلُطَاتِ
الأَوَّل ، اِسْتِعَادَةُ ثِقَةِ المُوَاطِنِينَ بِالجِدِّيَّةِ وَالجَدْوَى ؛
فَإِنَّ وَاجِبَهَا الآخَر ،
العَودَةُ
لِلانْفِتَاحِ عَلى العَرَبِ وَالعَالَم ، وَالصِّدْقِ مَعَهُمْ ، لِكَي نَعُودَ
إلى خَرِيطَةِ العَالَمِ المُعَاصِرِ كَمَا كُنَّا ، تَبَادُلاً وَمَوَدَّةً
وَاهْتِمَاماً مُتَبَادَلاً وَمُشَارَكَةً في الجَدِيدِ وَالمُتَقَدِّم.
أيها
اللبنانيون :
الدَّولَةُ
لا بُدَّ لَهَا مِنْ أَنْ تَتَحَمَّلَ مَسؤولِيَّةَ وَمُوَاجَهَةَ مَا نَحنُ فِيهِ
اليومَ ، مِنْ فَقْرٍ وَجُوعٍ وَبِطَالة ، فالنَّاسُ أَموَالُهَا مُحْتَجَزَةٌ
وَرَهِينَةٌ لَدَى المَصَارِف ، والمُؤَسَّسَاتُ العَامَّةُ وَالخَاصَّةُ في
حَالَةِ تَرَهُّلٍ وَانْهِيَار ، والشَّرِكاتُ تُقفِلُ أبوابَهَا الواحِدَةُ
تِلْوَ الأُخرى ، والعُمَّالُ يُصرَفونَ مِنْ أَشْغَالِهِمْ بِسَبَبِ الإِفْلاس ،
وتنتشرُ الأَزَمَاتُ في شَتَّى المَجَالات .
اِنْطِلاقاً
مِنْ هذا الوَاقِعِ المُؤلِم ، نَدُقُّ اليَومَ نَاقوسَ الخَطَر ، لِهَولِ مَا
نَحنُ فِيهِ مِنْ وَضْعٍ مَأْساوِيّ ، وَلا يَسَعُنَا إلا أنْ نَكُونَ مَعَ الدَّولةِ
وإلى جَانِبِها ، لِلعَمَلِ مَعاً مِنْ أجْلِ لبنانَ وَاللبنانِيِّين ، الذينَ
أَصبَحُوا فِي حَيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ في عَيشِهِمْ ، وصِحَّتِهِم ،
وَمُستَقْبَلِ أَوْلَادِهِم وَبَلَدِهِم . إنَّنَا ندعو إلى تَحصِينِ وَحْدَتِنَا
بِالتَّعَاوُنِ والتَّكافُلِ وَالتَّضَامُن ، لإنقاذِ مَا تَبَقَّى مِنْ لبنان.
وهنا
نَسْأَل : أَمَا آنَ الأَوَانُ لِإطلاقِ سَرَاحِ المَوقُوفِينَ الإسلامِيِّين
وغَيْرِهم ، وَإِغلاقِ هذا المَلَفِّ نِهَائيّاً ؟
لا
بُدَّ مِنْ رفعِ الظُّلمِ عَنِ المَظْلومِين ، وإِطلاقِ سَرَاحِ المَسْجُونين،
بإصدارِ العَفوِ العَامِّ الشَّامِل ، وَإلا سَنُوَاجِهُ مَأْسَاةً في ظِلِّ
تفشِّي وَبَاءِ فيروس كورونا ، الذي لا يَزَالُ جَوَّالاً في سَمَاءِ بَلَدِنَا ،
رُغمَ كُلِّ الإِجْرَاءَاتِ الاحْتِرَازِيَّة . وَالتَّعقِيمِ الذي تَقُومُ بِهِ
وَزَارَةُ الدَّاخِلِيَّةِ مَشْكُورَة ، وَاتِّخاذِ كُلِّ التدابير، لِعَدَمِ
دُخُولِ هذا المَرَضِ الخَبِيثِ إلى السُّجُون.
وَيَا
لَلْمُفَارَقَة ! عُمَلاءُ العَدُوِّ الإسْرائيلِيِّ يُطْلَقُ سَرَاحُهُمْ خِلالَ
أشْهُرٍ، والموقوفون الإسلاميون لا يُبَتُّ بِأَمْرِهِمْ حتى الآن؟!
بِالفِعل،
أَصْبَحْنَا في زَمَنٍ عجيبٍ غَرِيب ، وَلِمَ العَجَب؟ فقد أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ – صلى اللهُ
عليه وسلَّم – وَهُوَ الصَّادِقُ المَصدُوق ، بأنَّهُ في آخِرَ الزَّمَانِ
سَتَنْقَلِبُ المَقَاييس ، يُخَوَّنُ الأَمِينُ وَيُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ.
أيُّها
المسلمون ، أيُّها اللبنانيون :
نَحْتَفِي
كُلَّ عَام ، وَفي مِثلِ هَذِهِ الأَيَّامِ بِالإِسْرَاءِ وَالمِعرَاج ، وَهُمَا
حَافِلانِ بِالمَعَانِي وَالدَّلَالَات ، مَعَانِي التَّرَابُطِ بَينَ المَسَاجِدِ
الثَّلاثَة، في مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ وَبَيتِ المَقدِس ، وَقَبْلَ ذَلِكَ
وَبَعدَه ، مَعَانِي اليَقِين ، وَالثِّقَةِ بِالبَصَرِ وَالقَلبِ وَالعَقْل ،
بِاللهِ عَزَّ وَجَلّ ، وَرَحْمَتِهِ وَفَضلِه، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى : ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ . فَنَحْنُ نَتَوَجَّهُ إِليهِ
سُبحَانَهُ بِالدُّعاء ، لِكَيْ يَرْحَمَنَا، وَيَتَفَضَّلَ عَلَينَا بِرَفْعِ
البَلاءِ فِي الشِّدَّةِ وَاللَّأْوَاء ، وَالرَّحْمَةِ وَالتَّفَضُّلِ تُجَاهَ
الفُقَرَاءِ وَالمُعْوَزِينَ وَالمَرضَى بِهَذَا الدَّاءِ الوَبِيل ، وَرَحْمَتَهُ
وَتَفَضُّلَهُ عَزَّ وَجَلَّ بِوَطَنِنَا وَإِنْسَانِنَا ، وَحَاضِرِنَا
وَمُسْتَقْبَلِنَا. فَيَا رَبَّ العَالَمِين ؛ كَمَا أَرَيْتَ رَسُولَكَ الكَرِيمَ
آيَاتِكَ الكُبْرَى فِي مِعرَاجِه ، نَسْأَلُكَ لِلبِلادِ وَالعِبَادِ آيَاتِ
الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَة ، وَرَفْعَ الشِّدَّةِ وَالبَلاء.
أيُّها
المسلمون ، أيُّها اللبنانيون :
إِنَّ
المَقْصِدَ الرَّئيسِيَّ لِلشَّرْعِ الحَنِيف ، مَقْصِدُ حِفْظِ النَّفْسِ أَوِ
الحَيَاة . وَلِذَلِك ، وَلِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلى الظَّنِّ حُدُوثُ الِإيذَاء ،
نَتِيجَةَ الاجْتِمَاعِ لِلصَّلَوَاتِ في المَسَاجِد ؛ فَإِنَّ مَقْصِدَ حِفْظِ النَّفْسِ
يَتَقَدَّمُ في هَذِهِ الحَالَة ، فَلا بُدَّ مِنْ تَجَنُّبِ التَّجَمُّعِ في
المَسَاجِد ، مِنْ أَجْلِ السَّلامَةِ وَالحَيَاة . أَمْرَان من الدِّين : دَفْعُ
المَفَاسِد، وَجَلْبُ المَصَالِح . وَفِي الأَزَمَاتِ يَتَقَدَّمُ اعْتِبَارُ
دَفْعِ المَفْسَدَة ؛ وَلِذَا ، فَالرَّأْيُ بِالفِعلِ اتِّبَاعُ مَا دَعَتْ
إِليهِ السُّلُطَاتُ مِنَ البَقَاءِ في المَنَازِل ، لِكَي لا يَعُمَّ الوَبَاءُ.
اللَّهُمَّ
ربَّ المستَضعَفين ، لقد استَغاثَ بِكَ رَسولُنا الأكرَم ، ونحن نَستَغيثُ بِك في
هذا الهَول بِدُعاءِ رسولِ اللهِ إيَّاك : اللَّهُمَّ إِنّا نعوذُ بِنُورِ وَجْهِك
الذي أَشرقَتْ به الظُّلُمات ، وصَلَحَ عَليْهِ أَمرُ الدُّنيا والآخِرة ، مِنْ
أَن تُنْزِلَ بِنَا غَضَبَك ، أو يَحِلَّ عَلَيْنا سَخَطُك ، لكَ العُتْبَى حتى
تَرضَى ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَليِّ العَظِيم.
وأخْتِمُ
بِدُعَاءٍ قُرْآنِيّ :
﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا.
رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِنَا . رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِه. وَاْعْفُ عَنَّا
، وَاْغْفِرْ لَنَا ، وَاْرْحَمْنَا ، أَنْتَ مَوْلانَا فَاْنْصُرْنَا عَلَى
القَوْمِ الكَافِرِين﴾ . صَدَقَ اللهُ
العَظِيم
والسَّلامُ
عَلَيْكُم ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه