بقلم: وائل نجم
يوم الاثنين الماضي (5 شباط 2018)، فتحت وزارة الداخلية اللبنانية أبوابها أمام المرشحين للانتخابات النيابية، للتقدّم بأوراقهم الرسمية التي تخوّلهم خوض الاستحقاق. الأيام الأولى كانت عادية، وهو أمر متوقّع، حيث لم نشهد إقبالاً كثيفاً على الترشّح، ويعود ذلك إلى قانون الانتخاب الجديد الذي اعتمد النسبية على مستوى الدائرة، والصوت التفضيلي على مستوى القضاء الإداري، وهذا يحتاج إلى خوض التنافس وفق نظام اللوائح، وهنا قد لا يجد بعض المرشحين مكاناً لهم في اللوائح، وهو ما يضطرهم إلى الانسحاب، مع التذكير بأن القانون، هذه المرّة، لم يلحظ إعادة المبلغ المالي الذي يدفعه المرشح إذا ما انسحب خلال المهلة المحددة للانسحاب، أو إذا لم يجد لائحة يدخلها، وبالتالي فإن ذلك جعل الكثيرين يتريثون في تقديم ترشّحهم بانتظار جلاء الصورة أكثر، لذا من المتوقع أن يبدأ الإقبال على الترشح خلال الأيام المقبلة بالازدياد وصولاً إلى الأيام الأخيرة المحددة في نهاية الأسبوع الأول من آذار المقبل.
الإسلاميون في لبنان، على تنوّعهم، قرّروا خوض السباق الانتخابي، كما كل مرّة. ولكن هذه المرّة تختلف عن المرّات السابقة. في المرّات السابقة كان القانون الأكثري هو الذي يحكم الاعتبارات كافة. من الترشح إلى التحالفات، إلى احتساب النتائج إلى غيرها. أما اليوم فالقانون اعتمد النظام النسبي، وهذا بالطبع يعطي فرصة لأغلب القوى السياسية لتتمثّل في الندوة النيابية. وربما يعطي فرصة أكبر للمناورة والتحالف وسعة مروحة الخيارات.
الواضح إلى اليوم، أن الإسلاميين أكدوا خوض المعركة الانتخابية في بعض الدوائر، ويدرسون إمكانية خوضها في دوائر أخرى. فما هي هذه الدوائر؟ وما هي التحالفات التي يمكن أن تُنسج فيها؟ وما هي فرص الوصول إلى الندوة النيابية؟ وهل للظروف الحالية في لبنان والمنطقة دور في كل هذه المعركة الانتخابية؟
إذا اعتبرنا أن «الجماعة الإسلامية» هي العمود الفقري للإسلاميين في لبنان، فإن المعطيات تشير إلى أن الجماعة، وبشكل غير رسمي حتى اللحظة، رشّحت نائبها عماد الحوت عن دائرة بيروت الثانية، ونائب رئيس مكتبها السياسي بسام حمود، عن دائرة صيدا - جزين، ورئيس مكتبها السياسي، النائب السابق أسعد هرموش، عن مقعد الضنّية في دائرة طرابلس المنية الضنيّة، والدكتور وسيم علوان عن مقعد طرابلس، والدكتور يوسف جاجية عن مقعد المنية من الدائرة ذاتها، والأستاذ محمد شديد عن دائرة عكار. وهي تدرس عدة خيارات وأسماء للترشّح عن المقعد السنّي في دائرة الشوف – عاليه، وتربط ذلك بشكل المعركة الانتخابية في هذه الدائرة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى دوائر البقاع الثلاثة، الشمالي والأوسط والغربي، وكذلك بالنسبة لدائرة حاصبيا ومرجعيون، وتؤكد أوساط الجماعة أن هذه الدوائر قد تشهد ترشيحات لإسلاميين من خارج الجماعة، ولكن بالتنسيق الكامل معها.
أما بالنسبة إلى التحالفات التي يمكن أن ينسجها الإسلاميون في الدوائر التي ترشّحوا فيها، أو تلك التي يمكن أن يترشّحوا فيها بعد، فقد أكدوا أن أجواء الحوار والنقاش والمفاوضات مفتوحة مع كل الأطراف السياسية، وما من «فيتو» في النقاش والحوار والتفاوض مع أية جهة. ويؤكدون أيضاً أن مسألة التحالف مع أي من الأطراف السياسية لم تُحسَم حتى اللحظة، وإن كانت هناك لقاءات مع معظم الأطراف. ويؤكدون أيضاً أن الأولوية في التحالفات هي لتقديم وتغليب الجانب السياسي ونظرتهم إلى لبنان، والحلول التي يرونها للأزمات القائمة، ومن ثم الشراكة والتحالف مع من يتقاطع معهم في نظرتهم لهذه الأمور، ولكن ذلك لا يعني مطلقاً أو أبداً تغييب دورهم بشكل كامل أو حتى جزئي، فهم يريدون تقديم النظرة السياسية للواقع اللبناني، ولكن بمقدار ذلك يريدون أن يكونوا جزءاً مساهماً ومشاركاً في بناء الدولة وفي إصلاح الخلل القائم في أكثر من مسألة، وبالتالي إذا شعروا بأنّ التوازن بين هذين الأمرين سيكون مفقوداً، أو مختلّاً، فإنهم قد يذهبون إلى التحالف مع أية جهة أخرى يشعرون أنهم يحققون معها بعضاً من هذا التوازن بين حفظ الدور من ناحية، والحفاظ على التوازن بين المكوّنات في الداخل من ناحية أخرى. ولعلّ هذا الاعتبار بات معروفاً عند الجميع، وبات التواصل يتم معهم على أساسه.
لا شكّ أن الظروف الداخلية والخارجية، وحملة «شيطنة» التيار الإسلامي بشكل عام، أو بالأحرى إظهاره «مشيطناً» (تهمة الإرهاب مثلاً) تلقي بثقلها على دور وأداء وفرصة الإسلاميين في الانتخابات، ولكن ذلك لن يحول دون وصولهم إلى الندوة النيابية، أو على الأقل التأثير بشكل كبير في نتائجها. وهنا يمكن القول إن الإسلاميين بما يملكونه من تنظيم دقيق، وانتشار واسع في معظم المناطق اللبنانية، وفي أغلب الدوائر، وبما يقدمونه من خدمات كبيرة، وبما يملكونه من قدرة كبيرة على التواصل مع الناس، قادرون على التأثير بشكل كبير في نتائج الانتخابات، حتى لو لم يكن لحساب مرشحيهم، خاصة أن الصوت التفضيلي هذه المرّة سيكون له دوره وأثره الكبير. ولذلك فإن دورهم في بعض الدوائر سيكون مؤثراً بشكل كبير، وهو ما يفتح الأبواب أمامهم للتفاوض مع القوى الأخرى للتحالف المركزي الكلّي، أو المناطقي الجزئي، وفي مطلق الأحوال سيكرّسهم قوة تأثير وحضور لا يستهان بها في المرحلة المقبلة.}