العدد 1418 / 24-6-2020

تعيش الصحافة المصرية أسوأ عصورها في الوقت الحالي، فمنذ تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد، سعى بطرق عدة، إلى السيطرة على الصحافة وتقييد حرية الإعلام، وكان آخر هذه الطرق هو شراء شركات مملوكة لأجهزة حكومية للعديد من المنصات الصحفية والإعلامية ، إلى جانب حجب ما يزيد عن 500 موقع من المنصات الباقية. ومع بداية انتشار فيروس كورونا في مصر، أعلنت الحكومة عن اتخاذها لمجموعة من تدابير وإجراءات الصحة العامة التي من المفترض أن هدفها الحد من تفشي فيروس كورونا، وبالتوازي سعت السلطات إلى وضع مزيد من القيود على الصحفيين لمنعهم من تداول أي معلومات أو أي نقاش حر حول سبل الخروج من الأزمة الحالية، بل وضعت عددًا منهم على ذمة قضايا أمن دولة بسبب قيامهم بعملهم، ليصل عدد الصحفيين المقيدة حريتهم إلى ثمانية على الأقل بعد مرور 3 أشهر تقريبًا على بداية أزمة الكورونا في مصر، ذلك إلى جانب تهديد عدد من المراسلين الأجانب، في محاولة لإخفاء حقيقة الوضع الحالي.

مزيد من القيود على حرية الصحافة والحق في إتاحة المعلومات

وفي السياق ذاته، قرر المجلس الأعلى للإعلام برئاسة مكرم محمد أحمد "توجيه عقوبة "لفت نظر”إلى 16 موقعًا إلكترونيًا وصفحة على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن نشر أخبار حول وقوع إصابات بفيروس كورونا في مصر على غير الحقيقة”، وأكد في البيان نفسه على "ضرورة التزام جميع الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي بالبيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة عند نشر أو بث أي مواد تتعلق بحدوث إصابات بفيروس كورونا فى مصر”. ونتيجة لحصر العمل الصحفي في نشر بيانات الدولة فقط، تم توقيف صحفية أثناء تأدية عملها وتواجدها أمام أحد المعامل المركزية لوزارة الصحة لتغطيتها حشود الراغبين في إجراء تحليل فيروس كورونا، وتم اقتيادها إلى قسم الشرطة ومنه إلى مقر تابع للأمن الوطني، ثم أُطلق سراحها بعد أن تم تهديها.

وليكتمل التعتيم، أغلقت الهيئة العامة للاستعلامات برئاسة الصحفي ضياء رشوان مكتب جريدة الجارديان في مصر وذلك على خلفية ما نشرته عن احتمالية أن يكون فيروس كورونا منتشر في مصر بأضعاف ما أعلنت عنه وزارة الصحة رسميًا، كما ووجهت الهيئة في بيان صحفي”إنذار أخير” إلى مراسل صحيفة نيويورك تايمز في القاهرة وطالبته بالرجوع إلى"المصادر الرسمية في الأخبار التي يتم بثها عن مصر والالتزام بالقواعد المهنية

صحفيون متهمون

حبس الصحفيين في مصر ووضعهم على ذمة قضايا أمن دولة ليس وليد اللحظة، فمصر”أكبر سجن للصحفيين بعد الصين” حسب منظمة مراسلون بلا حدود، وفي أخر تصنيف عالمي لحرية الصحافة 2020 تراجعت مصر ثلاث درجات لتحتل المركز 166. ومنذ بداية انتشار فيروس كورونا في مصر تم حبس تسعة صحفيين على الأقل على ذمة اربع قضايا أمن دولة، ويواجهون تهمًا من بينها الانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، كما تم تدوير صحفيين اثنين بإدراجهم على ذمة قضايا جديدة، رغم أنهما كانا محبوسين احتياطيًا بالفعل منذ عامين، إلى جانب القبض على رئيسة تحرير موقع مدى مصر أثناء تأديتها لعملها ، قبل إخلاء سبيلها في ما بعد.

وفي 21 أبريل 2020 ألقي القبض على الصحفي والمعد التليفزيوني أحمد علام، 33 عامًا، وظهر أمام النيابة في 27 نيسان، بعد 7 أيام من الاختفاء القسري قضاها في مركز شرطة العياط ومقر الأمن الوطنى بالشيخ زايد، وذلك على خلفية عمله الصحفي وعلاقته بإعداد برنامج يتم إذاعته على قناة الجزيرة.أما مذيع برنامج المشاكس بقناة مصر الحياة خالد حلمي غنيم، 58 عامًا، فقد ألقي القبض عليه في 13 أبريل وظهر أمام النيابة في 28 أبريل أي بعد مرور 15 يوم قضاها بمقر جهاز الأمن الوطني بمنطقة سموحة بالإسكندرية

في نيسان تم حبس مصطفي صقر الصحفي الاقتصادي ومؤسس شركة بيزنس نيوز وصحيفةDaily News Egypt على ذمة القضية ١٥٣٠ لسنة ٢٠١٩ أمن دولة، ووجهت له نيابة أمن الدولة اتهامات بالانضمام إلى جماعة محظورة، نشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. ويأتي هذا الإجراء تجاه صقر بعد أكثر من ثلاثة أعوام من صدور قرار من لجنة التحفظ على أموال جماعة الإخوان بتجميد أرصدته وحساباته في أغسطس ٢٠١٧، كما أوكلت إدارة الجوانب المالية والإدارية لهذه المواقع لمؤسسة أخبار اليوم الحكومية. وذلك رغم قيامالرئيس السيسي بنشر مقالين في هذه الجرائد عامي ٢٠١٤، ٢٠١٥.

وفي 15 مايو ألقت قوات الأمن القبض على الصحفي الحر سامح حنين ليواجه الاتهامات نفسها، وتجدر الإشارة هنا إلى إذاعة وزارة الداخلية فيديو لسامح وآخرين يوم 22 مايو يقول فيه أنه تلقى «تكليفات من قيادات إخوانية بتركيا لتصوير فيديوهات ضد الدولة المصرية لصالح قناة الجزيرة مقابل 3 آلاف دولار للفيديو». وذلك بالمخالفة لنص الدستور الذي يفترض براءة المتهمين ما لم يصدر ضدهم حكم نهائي ونص المادة 75 من قانون الإجراءات الجنائية.

وفي سياق متصل، تجدر الإشارة إلى واقعة إلقاء القبض على رئيسة تحرير موقع مدى مصر لينا عطا الله من محيط سجن طرة أثناء تأدية عملها في 17 ايار حيث كانت تجري مقابلة مع الدكتورة ليلى سويف والدة الناشط علاء عبد الفتاح، ونُقلت لينا إلى قسم شرطة المعادي ثم عُرضت على النيابة، وأخلي سبيلها بكفالة ألفي جنيه، على ذمة القضية 8009 لسنة 2020 جنح المعادي.

بدلًا من أن تقوم السلطات المصرية باحترام وحماية حقوق الصحفيين، تقوم بالإمعان في تضييقالخناق على الصحافة والإعلام في هذه الظروف العصيبة التي تمر بمصر في ظل تفشي وباء يتطلب إدارة رشيدة وعقلانية، وعليه، تحمل الجبهة المصرية لحقوق الإنسان السلطات المصرية وعلي رأسهم النيابة العامة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مسؤولية ملاحقة الصحفيين وحبسهم ما جعل مصر في هذا الترتيب المخزي لمؤشر حرية الصحافة على مستوى العالم.