العدد 1681 /17-9-2025
بكر صدقي
بدا لافتاً للنظر حجم
الوفد الروسي الذي زار دمشق مؤخراً وكأن الأمر يتعلق بدولتين حليفتين، في وقت
يستعد فيه أحمد الشرع للسفر إلى نيويورك حيث من المتوقع أن يلقي كلمة أمام قادة
العالم في الاجتماع السنوي للأمم المتحدة.
وفي تصريحات أدلى بها
إلى قناة الأخبارية السورية الرسمية كشف الشرع عن اتصالات جرت بينه وبين روسيا حين
وصلت قوات حملة «ردع العدوان» إلى مشارف مدينة حماة في طريقها إلى العاصمة دمشق.
يراد لهذا التصريح، في هذا التوقيت، أن يشكل نوعاً من تبرير إقامة علاقات قوية مع
موسكو أمام جمهور السلطة الذي لا يرى في روسيا إلا حليف الأسد الذي أطال في عمر
نظامه عشر سنوات على الأقل، وأمطر المدن السورية بالقنابل التي قتلت عشرات الآلاف
من سكان البيئات المعارضة للنظام.
ومن جهة أخرى يشكل هذا
التصريح تعبيراً عن الامتنان لروسيا واعترافاً بدورها في سقوط نظام الأسد ووصول
هيئة تحرير الشام إلى السلطة، ولا يستبعد أن يكون الروس قد طالبوه بهذا الاعتراف.
ولكن ما الذي تريده
سلطة دمشق حقاً من هذه العلاقة؟
من المحتمل أنها
الرغبة في موازنة العلاقة مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى التي تكثر من
الطلبات والاشتراطات والضغوط على السلطة، سواء فيما خص الشؤون الداخلية السورية
(حماية الأقليات، تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254) أو في الموقف من إسرائيل. بخصوص
إسرائيل بالذات ربما تعلق سلطة دمشق آمالاً على موسكو للتدخل لدى حكومة نتنياهو
لوقف اعتداءاتها المستمرة على رغم وجود مفاوضات معها بهدف الوصول إلى اتفاق أمني
على ما قال الشرع في مقابلته المشار إليها على الأخبارية السورية. فلروسيا علاقات
جيدة مع تل أبيب يمكن من خلالها أن تمارس تأثيراً عليها في الاتجاه الذي تأمله
سلطة دمشق، مع العلم أن روسيا ليست داعماً لإسرائيل بصورة مطلقة على طريقة
الولايات المتحدة.
وتتحدث بعض التقارير
الصحافية عن أن تركيا هي التي شجعت سلطة دمشق على التقارب مع موسكو، ولعبت دوراً
في ترتيب الزيارة التي قام بها أسعد الشيباني إلى موسكو، أواخر شهر تموز الماضي،
حيث التقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الواقع أن لتركيا
مصلحة في هذه العودة الروسية إلى سوريا الجديدة لسببين: الأول هو موازنة الثقل
الأمريكي في سوريا ما بعد الأسد، لأن تحالف واشنطن مع قوات سوريا الديمقراطية يمنع
أنقرة من تنفيذ تهديداتها لقسد لدفعها للرضوخ لحكومة الشرع وتسليم سلاحها على ما
كرر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أكثر من مرة. العدوانية
الإسرائيلية المنفلتة تمنع أنقرة من المضي في تعزيز نفوذها العسكري في سوريا على
ما كانت تأمل بعد سقوط نظام الأسد
والسبب الثاني أن
العدوانية الإسرائيلية المنفلتة تمنع أنقرة من المضي في تعزيز نفوذها العسكري في
سوريا على ما كانت تأمل بعد سقوط نظام الأسد. فقد رأينا كيف قصف الطيران
الإسرائيلي كل نقطة عسكرية حاولت أنقرة أن تجعل منها منطقة نفوذ.
ولم تنفع العلاقة
الجيدة بين أردوغان وترامب في لجم هذه الهجمات الإسرائيلية. لعل القيادة التركية
تأمل في استعادة أجواء إطار آستانا مع موسكو (بعد إخراج إيران منه) للحصول على
مظلة روسية لتوسيع مجال نفوذها الحيوي في سوريا إلى ما هو أبعد من حلب وإدلب.
وبصورة مفارقة فإن
لإسرائيل أيضاً مصلحة في عودة روسيا إلى سوريا، وذلك لأنها في غياب نفوذ روسي
محتمل ستكون أمام تمدد في النفوذ التركي الذي ستضطر لمنعه بالضربات العسكرية
المباشرة، وهذه عملية مكلفة سياسياً بالنسبة لإسرائيل وقد لا تحظى دائماً بغطاء
أمريكي لعدوانيتها، وقد لا يمكنها السيطرة على تداعياتها المحتملة كاشتعال حرب
مباشرة مع تركيا نفسها.
لا شك أن الغرب ليس
مغتبطاً بهذا الدفء المستجد في علاقة دمشق بموسكو، وبخاصة الدول الأوروبية التي
طالبت سلطة دمشق علناً، قبل بضعة أشهر، بوجوب طرد الوجود الروسي في سوريا وتفكيك
قاعدتي حميميم وطرطوس.
أما إدارة ترامب فينصب
اهتمامها أكثر على إبرام اتفاق سوري ـ إسرائيلي وعدم السماح بعودة أي نفوذ إيراني،
ولم تبد أي استياء من التقارب المشار إليه. غير أن زيارة قائد القوات المركزية
الأمريكية (سنتكوم) براد كوبر لدمشق ولقائه «الدافئ» بأحمد الشرع يمكن قراءته على
أنه نوع من التذكير بأن لواشنطن اليد العليا في سوريا تحت حكم الشرع.
فقد كان لافتاً التقاط
تلك الصورة التذكارية التي ظهر فيها كوبر والشرع مع زوجتيهما! وبحدود علمي لا توجد
سوابق لهذا النوع من البروتوكولات الدبلوماسية: عسكري أجنبي برفقة زوجته مع رئيس
دولة برفقة زوجته!
أين السوريون من كل
ذلك؟
لا أحد يكترث بما
يريدون، بدءًا من سلطة دمشق «الانتقالية» ومروراً بالأتراك والأمريكيين والروس
والإسرائيليين والعرب والأوروبيين. السلطة الانتقالية التي تتعامل بمرونة
مع كل الضغوط الدولية، تفشل في ممارسة مرونة مماثلة مع السوريين بكل مكوناتهم، أو
الأصح أنها ترفض ذلك وكأنها قادرة على إخضاع الداخل بالاستناد إلى احتضان الخارج.