العدد 1650 /5-2-2025
بسام غنوم
تعيش الساحة السياسية اللبنانية
حالة من التخبط السياسي ان صح التعبير بشكل غير مسبوق ، أولا بسبب تعثر تشكيل
الحكومة اللبنانية الجديدة ، وثانيا بسبب المواقف المتناقضة التي يطلقها الرئيس
المكلف نواف سلام مع كل حديث عن قرب ولادة حكومة العهد الاولى.
هذا الجو المشحون طائفيا ومذهبيا
الذي يحيط بعملية تشكيل الحكومة الجديدة سببه الرئيسي تردد الرئيس المكلف نواف
سلام وتراجعه المستمر عن مواقفه التي أعلنها بعد تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة ،
فهو اعلن اكثر من مرة أن حكومته لن تكون بأي شكل من الأشكال على شاكلة الحكومات
السابقة ، واستخدم تعبير أنها " لن
تكون مجلس نيابي مصغر " في اشارة واضحة وصريحة منه الى رغبته بتشكيل حكومة
بعيدة عن هيمنة الأحزاب السياسية.
لكن واقع المشاورات التي يجريها الرئيس
المكلف نواف سلام بعد أكثر من عشرين يوما على تكليفه يشير الى انه كل ساعة برأي ،
فهو أعلن انه يرفض اعطاء طائفة وزارة معينة كحق حصري في اشارة منه الى وزارة المال
، لكنه في نفس الوقت دخل في مفاوضات ماراتونية مع حركة أمل وحزب الله حول تمثيلهم
في الحكومة ، ورضخ مجبرا أمام اصرار الرئيس نبيه بري وحزب الله على إعطاء وزارة
المالية للنائب السابق ياسين جابر ، وقبل أيضا بتسمية الثنائي الشيعي لاربع وزارات
أخرى ، وفي محاولة منه لحفظ ماء الوجه قال
انه سيختار الوزير الشيعي الخامس في الحكومة بالتوافق بينه والرئيس جوزاف عون لكن
بعد موافقة الثنائي الشيعي على هذا الاختيار.
هذا الجو أثار حفيظة القوى الاخرى السنية
والمسيحية التي رأت في الأمر عودة للوراء الى سياسة تشكيل الحكومات السابقة والتي
كانت تخضع دائما لفيتوات الثنائي الشيعي على المرشحين لباقي الوزارات من باقي
الطوائف والمذاهب اللبنانية.
في هذا الإطار سألت «القوات اللبنانية»: إذا
كان مفهوماً الحظر في المرحلة السابقة على وجود «القوات» في الحكومة وعلى نيلها
حقائب محدّدة تحديداً خشية من دورها السيادي والإصلاحي، فليس مفهوماً على الإطلاق
استمرار هذا الحظر في المرحلة الجديدة التي يجب أن تكون سيادية واصلاحية بامتياز؟
وغير بعيد عن موقف القوات اللبنانية يقف
التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل منتظرا ما سيقوله له الرئيس المكلف نواف
سلام حتى يبنى على الشيء مقتضاه ، وهو ما يعني بروز مشكلة واضحة في التمثيل
المسيحي في الحكومة الجديدة في ظل السياسة التي يتبعها الرئيس المكلف في المشاورات.
أما على صعيد التمثيل السني فيبدو ان الرئيس
المكلف يتصرف وكأنه يختصر التمثيل السني بشخصه ، ولا يقيم اي اعتبار لتمثيل النواب
السنة والقوى السياسية السنية في الحكومة ، وهو ما خلق مشكلة كبيرة مع تكتل
الاعتدال الوطني، مما حدا بالرئيس جوزاف عون للتدخل شخصيا بالموضوع واستقبل لذلك
عضو التكتل النائب أحمد الخير لمناقشة الملف الحكومي معه بعد تسريبات اعلامية عن
اختيارات نواف سلام للوزارات التي سيتسلمها السنة في الحكومة الجديدة ، وفي هذا
الأطار أيضا كتب نائب "الجماعة الإسلامية" عماد الحوت عبر منصة
"اكس": "ما يمر به لبنان من أزمات متشعبة تستدعي تضافر الجهود ولا
يمكن علاجها بطريقة تقليدية أو استنسابية أو إقصائية.
وأضاف : ليس من المنهجية الصحيحة
أن يتم التفاوض مع أحزاب وكتل وإعطاءها ما تطالب به وتجاهل كتل نيابية أخرى تحت أي
شعار. ليس من المنهجية الصحيحة تجاوز تمثيل عدد من المناطق تمثيلاً عادلاً وعلى
رأسها تمثيل العاصمة بيروت بأحد أبنائها وهي المليئة بالكفاءات وليس مقبولاً تجاوز
هذا التمثيل".
هذا على الصعيد الداخلي فيما يخص المشاورات
الجارية لتشكيل الحكومة ، أما على الصعيد الخارجي فالأمور تبدو صعبة أيضا وهناك
أكثر من اشارة أميركية سلبية تلقاها الرئيس المكلف نواف سلام على اللوائح التي
يعمل عليها في الكواليس لإنضاج تشكيلته الحكومية، وقد بادر وسطاء على نقلها الى
سلام داعية اياه الى أخذ النصائح الاميركية على محمل الجد والابتعاد عن مراضاة
الثنائي حزب الله حركة أمل لأن هناك من يرفض في إدارة الرئيس دونالد ترامب رفضا
قاطعا تمثيل الثنائي في حكومة ما بعد حرب السابع من أكتوبر.
بالخلاصة المشاورات التي يجريها الرئيس
المكلف نواف سلام لتشكيل الحكومة الجديدة هي أقرب الى طبخة بحص بكل مافي الكلمة من
معنى ، واذا لم يتم حل الأمور العالقة من قبل الجهات العربية والدولية الراعية
للبنان ، فلن يتم تشكيل حكومة لبنانية جديدة في القريب العاجل او يمكن ان تتشكل
حكومة على شاكلة الحكومات اللبنانية السابقة ، وهو ما يعني استمرار الأزمات
السياسية والاقتصادية والامنية في لبنان.
بسام غنوم