العدد 1664 /21-5-2025
في خضمّ الانتخابات البلدية الأخيرة في مدينة
بيروت، برز اسم النائب بولا يعقوبيان كأكثر الأصوات صخبًا، ليس بسبب برنامج
انتخابي محكم أو رؤية إنقاذية للعاصمة الغارقة في الفوضى والفساد والإهمال، بل
بسبب حملة تحريضية نارية شنّتها ضد لائحة "بيروت بتحبك" التي يرأسها
العميد المتقاعد محمود الجمل، المدعومة من الجماعة الإسلامية والنائبين، نبيل بدر
وعماد الحوت.
يعقوبيان،
التي لطالما قدمت نفسها على أنها صوت التغيير و"اللاطائفية"، قررت فجأة
أن الجماعة الإسلامية تشكل خطرًا وجوديًا على بيروت، وقالت في فيديو متداول إن
الجماعة "ذهبت إلى الجنوب إلى جانب حزب الله دعمًا لغزة" ، مضيفةً
بصوتها المتهكم: "ما تعطوهم صوتكن، بيروت بخطر!"، كأنما العاصمة باتت
تحت الاجتياح الإسلامي، لا على وشك انتخاب مجلس بلدي جديد..
ولكن
ماذا كانت النتيجة؟ لائحة "بيروت بتحبك"، التي شنّت عليها حملة شعواء،
نجحت في خرق المجلس بمقعد واحد فقط . وقد يبدو الرقم بسيطًا، لكنّه يحمل دلالة
رمزية لافتة: خرق واحد فقط كفيل بتحويل تحذيرات بولا يعقوبيان إلى مجرّد نداء
هستيري في الفراغ. بل إن البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، رأى أن الحملة
العنيفة التي قادتها النائب يعقوبيان ساهمت في رفع أسهم الجمل ولائحته، لا العكس.
أما
الطامة الكبرى، فكانت أن لائحة "بيروت مدينتي"، المدعومة من بولا
يعقوبيان ونواب ما يُعرف ب " قوى التغيير". هذه اللائحة التي طالما
تغنّت بـ"البديل الثوري" سقطت سقوطًا مدويًا، ولم تتمكن من حصد مقعد
واحد، في نتيجة وصفها كثيرون بأنها "أكبر هزيمة سياسية لقوى 17 تشرين في
بيروت منذ 2019"
وفي
الجهة المقابلة، استطاعت لائحة "بيروت بتجمعنا" المؤلفة من تحالف أكثر
من 10 أحزاب متناقضة التوجهات والأفكار أن تحصد 23 مقعدًا من أصل 24، متذرعة
بالمناصفة الطائفية في العاصمة، ومدعومة برعاية خارجية وعربية واضحة المعالم، ما
يطرح أكثر من علامة استفهام حول من يحكم بيروت فعليًا؟
يعقوبيان
حاولت التخفيف من وطأة الفشل، متحدثةً عن "إخفاقات تنظيمية" و"موجة
عاطفية" أثرت على خيارات الناخبين. لكنها لم تجب عن السؤال الحقيقي: كيف
تنهار لائحة مدعومة من "الثورة" ولا تنجح في إقناع البيارتة بعد سنوات
من الوعود والتنظير؟ وهل يكفي التهجم على خصومك لتصير زعيمًا للشارع البيروتي؟
الأوساط
السياسية والإعلامية رأت في أداء يعقوبيان نموذجًا صارخًا لما يمكن أن نسميه
"الشعبوية المتأخرة" ، صوتٌ عالٍ، اتهامات بالجملة، تحذيرات من عدو غير
مرئي، ثم... لا شيء. لا مشروع حقيقي، لا قدرة على الحشد، ولا حتى مقعد رمزي يُسند
به الكتف. أما العميد الجمل، فبمقعده الوحيد، يبدو اليوم أكثر ربحًا من كل نواب
التغيير مجتمِعين.
الآن،
ومع اقتراب انتخابات 2026 النيابية، فالصورة بدأت تتضح. فالبيارتة، ومن خلفهم
اللبنانيون، بدأوا يستعدون لفرز جديد. فرز لا مكان فيه لأشباه نواب، ولا مساحة فيه
لمن يخلط بين السياسة والمسرح.
فإلى
النائب بولا يعقوبيان نقول: نعم، "ابكي بترتاحي"... واللقاء في 2026 ،
حيث تشير كل المؤشرات إلى أن المجلس النيابي المقبل قد يشهد انقراض تلك النسخة
الصاخبة من "نواب التغيير" والتعتير، الذين أضاعوا صوت الناس... بسوء
الاستخدام.
وسام حجار