العدد 1645 /1-1-2025
في مواجهة ما
يوصف بأنّها تحديّات آخر التطورات في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، قامت
إسرائيل، بادئ ذي بدء، بخطواتٍ عسكريةٍ ميدانيةٍ عدّة، أبرزها احتلال جبل الشيخ
السوري، ونقاطٍ أُخرى على امتداد الحدود في المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية،
بحجة "الدفاع عن الجولان الإسرائيلي" (يُشار إلى أنه في 31 مايو/أيار
1974، وُقع اتّفاقٌ بين إسرائيل وسورية بشأن وقف إطلاق النار، وفصل القوات، وإطلاق
سراح أسرى الحرب، والانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال حرب
أكتوبر/تشرين الأول 1973، بمساحةٍ عرضها نحو 20 كيلومترًا ومساحتها نحو 400
كيلومتر مربع، في مقابل هذا الانسحاب، حصلت إسرائيل على تعهّدٍ بإنشاء منطقةٍ
عازلةٍ بمساحةٍ تقارب 235 كيلومترًا مربعًا، تديرها قواتٌ أجنبيةٌ تابعةٌ للأمم
المتّحدة، تُعرف باسم "أوندوف"، انتشرت على الجانب السوري من الخط).
فضلًا عن ذلك، أعلنت إسرائيل، فور سقوط نظام الأسد، أنّ سلاحها الجوّي
"سيمرّ" على كلّ ما ينطوي على قدرةٍ عسكريةٍ تتجاوز المستوى التكتيكي
ويدمرها، من: طائراتٍ ودباباتٍ وسفنٍ وقدراتٍ بحثيةٍ وتطويرٍ وإنتاجٍ. وفقًا
للبيانات الإسرائيلية المتواترة، سيجري تدمير كلّ شيءٍ "يتجاوز مستوى
الكلاشينكوف والآر بي جي"، ويشمل ذلك أيضًا محاولة ضرب مخازن السلاح
الكيميائي والمتقدم الذي تركه الجيش السوري وراءه.
بحسب التقديرات
السائدة في إسرائيل، تهدف العمليات الأخيرة إلى الحؤول دون استيلاء "جهاتٍ
جهاديةٍ" على قدرات عسكرية لا ينبغي السماح لها بالسيطرة عليها. وثمة إجماعٌ
في أوساط المحللين العسكريين والأمنيين على أنّ هذا يعتبر بمثابة درسٍ مهّمٍ في
نظريةٍ أمنيةٍ إسرائيليةٍ آخذةٍ بالتبلور، تقارب المطلوب منذ ما بعد 7 أكتوبر
2023، وعملية "طوفان الأقصى". كما أن أحدّ الدروس المهمّة من
"طوفان الأقصى" هو أن المبدأ الناظم لـ"العقيدة الأمنية"،
التي يجب على إسرائيل انتهاجها، بسيطٌ وفحواه: عندما يقف في مواجهتها خصمٌ مسلمٌ
دينيٌ- أصوليٌ، فإنّ أيديولوجيتها الأساسية هي تدميره.
كذلك، ثمّة من
خلص إلى استنتاجٍ آخر، لا يقل دلالةً، برهنت عليه الوقائع، مؤداه: كانت إسرائيل
راضيةً بالهدوء الذي ساد على طول منطقة الحدود مع الجولان، طوال نصف قرن ونيّف،
منذ انتهاء حرب 1973، ولم يبهظها/ يرهقها بقاء نظام الأسد في سدّة الحكم. ما عدا
ذلك ينبغي أن نشير إلى ما يلي:
أولًا، ثمّة
تركيزٌ إسرائيليٌ على أنه نظرًا إلى أنّ روسيا وإيران هما الخاسرتان المباشرتان في
الوضع الناشئ والمستجدّ، فإنّ التطورات الجديدة في سورية تُعدّ نتيجةٌ مُرحَّبٌ
بها من قبل الولايات المتّحدة، التي تمنح من ناحيتها إسرائيل غطاءً لكلّ ما تُقدم
عليه، بمسوّغ "حقّ الدفاع عن النفس".
ثانيًا، ما زالت
التحليلات التي تحاول استشراف الاتجاهات التي ستنحو إسرائيل نحوها، في إثر سقوط
نظام الأسد، تتوالى، ومعظمها يتوقع نشوء "شرق أوسطٍ جديدٍ" ملامحه آخذة
بالتشكّل. وعلى المدى المباشر برز على السطح، أكثر من أيّ شيءٍ آخر، تقييمٌ ذهب
إلى أنّ التقديرات السائدة في أروقة المؤسستين الأمنية والسياسية في إسرائيل، في
أعقاب إضعاف الجماعات التابعة لإيران في الشرق الأوسط، وسقوط نظام الأسد، ترى أنّه
هناك فرصةٌ استثنائيةٌ الآن لضرب المنشآت النووية الإيرانية، لذلك يزيد سلاح الجو
الإسرائيلي استعداداته وجهوزيته لمثل هذه الضربات المحتملة في إيران. تقف أسبابٌ
عدّةٌ وراء الدعوة إلى انتهاز مثل هذه الفرصة، لعل أهمّها الاعتقاد بأنّ إيران،
التي باتت معزولةً إلى حدٍّ كبيرٍ، بعد سقوط نظام الأسد، وإضعاف حزب الله في
لبنان، قد تمضي قدمًا في برنامجها النووي، وإنتاج سلاحٍ نوويٍ يمثّل داعمًا بديلًا
لقوتها الرادعة.
ثالثًا، تُجمع
التحليلات كلّها على أنّ إيران هي أكبر الخاسرين من سقوط نظام الأسد، وإضعاف حزب
الله، إذ فقدت محورًا أنشأته وتعزّز بالتدريج، يمتد من طهران إلى البحر المتوسط،
مرورًا بالعراق وسورية (تعتمد عليه من أجل بقاء النظام)، ولبنان، حيث يسيطر حزب
الله الذي بنته ومولته وسلحته. وفق التحليلات ذاتها، دمّر المحور، وستواجه إيران
صعوبةً في تسليح الحزب، الذي أُضعفَ في لبنان. كما فقدت عمليًا، قدرتها على تكبيد
إسرائيل الأذى عبر حدودها الشمالية، وهو ما يتركها مكشوفةً أمام مواجهةٍ مباشرةٍ
مع إسرائيل، من دون أيّ دعمٍ من وكلاءٍ قريبين من إسرائيل (دمّر كذلك جزء آخر من
قدرتها على إيذاء إسرائيل في غزّة)، وتلاشى حلمها في محورٍ شيعيٍ يصلها بالبحر
المتوسط.
هشاشة
"الامتيازات" الممنوحة من الاحتلال الصهيوني
رابعًا، بموجب
قراءاتٍ إسرائيليةٍ متطابقةٍ تنبئ المستجدّات في سورية بصعود نجم تركيا في الشرق
الأوسط، وبخصوص تركيا تتمحور التحليلات الإسرائيلية حول الاستنتاجات التالية: 1-
الرئيس أردوغان إسلاميٌ سنّيٌ على النمط التركي، يحلم بإعادة مجد الإمبراطورية
العثمانية. 2- على الرغم من أنّ تركيا تُعتبر جزءًا من حلف الناتو الغربي رسميًا،
فإن سياستها الخارجية غالبًا ما تتعارض مع سياسات الغرب، إذ سعت إلى الانضمام إلى
مجموعة البريكس، وهي عبارةٌ عن تكتّلٍ مناهض للغرب. 3- ساعد أردوغان إيران على
تجاوز العقوبات الاقتصادية الغربية، ويدعم حركة حماس، التي صنّفها الغرب منظمةً
"إرهابيةً". 4- سبق لجنرالاتٍ أتراك مقربين من أردوغان أن عبّروا عن
رؤيةٍ تصف جيشًا إسلاميًا يهاجم إسرائيل.
أخيرًا (وليس
آخرًا)، إنّ ما يسود لدى إسرائيل حاليًا مفاده أنّها تبدو قويةً مرّةً أُخرى، ونحن
بالأساس على أعتاب دخول إدارةٍ أميركيةٍ وديةٍ إلى البيت الأبيض.