العدد 1647 /15-1-2025
محمد خليل برعومي
لم تتوقّف حملات الاعتقال في تونس منذ انقلاب
الرئيس قيس سعيّد على السلطة في 25 يوليو/ تموز 2021، لعل أبرزها أخيراً عملية
اعتقال المرشح الرئاسي، العياشي زمال، والمتطوّعة في حملته الانتخابية الشابة سوار
البرقاوي، إذ تختلف وتيرة الحملات من دون أن يكفّ النظام عن ملاحقة المعارضين السياسيين
والنشطاء والإعلاميين والصحافيين والمدوّنين، بعضهم جرى إيقافه والاحتفاظ به بعد
إحالة ملفه على محكمة الإرهاب في تهم تتعلق بالتآمر على أمن الدولة، وبعضهم سُجنوا
وفق مرسوم رئاسي أصدره سعيّد في سبتمبر/ أيلول 2022، (يهدف إلى مكافحة المعلومات
والشائعات المضللة، وتنص المادة 24 منه على السجن مدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة
تصل إلى 50 ألف دينار)، الذي تحوّل إلى سيفٍ مسلّط على رقاب الجميع، وآخرين جرى
اعتقالهم في قضايا مختلفة ومفتعلة، تستند إلى وشاياتٍ مفبركةٍ أو ملفات مالية
وجبائية أو غيرها من التهم التي تجيد السلطة ترتيبها وتلفيقها حسب شخصية كل متهم.
ليست هناك أرقام دقيقة عن عدد معتقلي الرأي في
تونس منذ الانقلاب، فيما تعدهم هيئات الدفاع بالمئات، وسط تعتيم من السلطة وتقييد
لتحرّكات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وإصدار قراراتٍ قضائية بتحجير
التناول الإعلامي في بعض القضايا، إلى جانب محاولة سحب الصفة النضالية عن العديد
من المعتقلين بتلفيق تهم جنائية.
يدرك كل من زار السجون التونسية أو له داخلها قريب
أنها، إضافة إلى ما تمثله من سلب للحرية، تنتهك أيضا كرامة الآدميين، بسبب ظروفها
المزرية واكتظاظ المساجين داخل غرف لا تحتمل عدد القابعين فيها، ما يدفعهم أحيانا
إلى النوم بالتبادل، مع غياب التهوية والنظافة وأبسط المرافق التي يحتاجها الإنسان
لقضاء حاجاته الأساسية، ما تنتج عنه أمراض عدة ترافق بعضهم مدى الحياة، زد على ذلك
عندما يكون السجين معتقلا سياسيا تتضاعف الأزمة.
يواجه معتقلون عديدون الموت البطيء في سجون تونس،
بسبب أمراضهم الخطيرة وما يتعرّضون له من إهمالٍ صحّي، ناهيك بأن وضعهم الصحي
يستوجب عدم وجودهم في السجون من حيث المبدأ، على غرار وضعية النائب السابق راشد
الخياري، المصاب بمرض خبيث، والذي أنهى فترة عقوبته وأفرج عنه في أغسطس/ آب 2024،
ليُفاجأ بعد أقل من يومين بإعادة القبض عليه والاحتفاظ به مجدّدا في قضية أخرى،
ووضعية الصحافية شذى الحاج مبارك، وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، ووزير العدل
الأسبق نور الدين البحيري الذي تغيب عن جلسته أخيراً، بسبب تردي حالته الصحية
ومكوثه في المستشفى، والصحافي محمد بوغلاب الذي حسب وصف محاميه يفقد سمعه وبصره مع
مرور الأيام، والقاضي بشير العكرمي وكيل محكمة تونس السابق وقطب الإرهاب، الذي
يُراد له أن يصبح مجنونا لكي لا ينطق بحقيقة الملفات المتعلقة بجرائم الإرهاب في
عشرية الديمقراطية، بفعل الأدوية التي يجبرونه على تناولها، وفق ما تخبر به زوجته.
وآخرون كثر يتعرّضون لتعذيبين، نفسي وصحي، عبر عملية اعتقالهم، ويُعرّضون للموت في
ظروف غير إنسانية مخالفة كل قوانين حقوق الإنسان المحلية والدولية، منهم من قضى
سنوات طويلة في سجون بن علي وبورقيبة، خلفت لهم أضرارا جسيمة. ولا يختلف وضع رئيس
البرلمان السابق وحركة النهضة، راشد الغنوشي، كثيرا عن هؤلاء وغيرهم، وهو تجاوز
الثمانين من العمر، ويوضع في سجن مغلق رغم أمراضه المزمنة، بتهم مفبركة.
بعد ما يقارب الخمس سنوات على سطوه على السلطة
واستعمال جهاز القضاء لسجن المعارضين السياسيين، لم يستطع قيس سعيّد إثبات قضية
فساد واحدة كما ادّعى ضد المعتقلين، ولم تكشف المحاكمات الجائرة اختلاس أحدهم
فلساً واحداً من أموال الدولة والشعب، غير بعض التهم ذات الخلفية السياسية
والمغلفة بعناوين كيدية، يحاول النظام من خلالها استرضاء دوائر إقليمية لم تقدّم
شيئا يذكر في مقابل ذلك لهذا النظام، غير بعض وعودٍ ومهاتفاتٍ مناسباتية.
لقد قتل نظام قيس سعيّد الحياة السياسية في تونس،
ولكنه عبر الإيغال في التشفّي بالمعتقلين والتمديد التعسفي في الاحتفاظ بهم وتأجيل
الجلسات باستمرار، يمر إلى مرحلة قتل السياسيين ببطء، خوفاً من خروجهم والتعبير
مجدّدا عن موقفهم من الانقلاب، وما تعرّضوا له هذه السنين، أو أن يكون تسريحهم
دافعاً لإحياء بعض الأمل في إنعاش الحياة السياسية. ولذلك يخنق كل نفس حر ويغلق كل
باب يمكن أن تهب منه رياح تهزّ عرشه المهترئ نتيجة الفشل الشامل في إدارة شؤون
الدولة ومصالح الناس.
إثر سقوط نظام الأسد في سورية وانتشار الصور من
داخل السجون، خاصة سجن صيدنايا، هبّ العالم الغربي، بحكوماته ومنظّماته، للتعبير
عن هول صدمته من المشاهد المفزعة التي تؤكد وحشية النظام وساديّته، بينما يتجاهل
تقارير ومعطيات عما يحدث في سجون دول أخرى مثل تونس، ويتغاضى عنها في سبيل تثبيت
هذه السلطة الحارسة حدوده مقابل بقشيش.