العدد 1645 /1-1-2025

يتجدد الحلم التركي في إحياء ما يعرف تاريخياً بـ"الخط السككي الحجازي" الذي كان يربطها بدول الخليج العربي عبر دمشق، إذ أبدت اهتماماً كبيراً بمشروعات النقل في سورية، ضمن حزمة من مشروعات إعادة الإعمار التي تضعها نصب أعينها، وهو ما قد يقوّض أو يلغي مشروعات إيرانية وإسرائيلية لإنشاء ممرات إقليمية ودولية عبر سورية.

وثمة مشروعات اقتصادية وخدمية بدأت تظهر، بعد التعليمات المباشرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال آخر اجتماع للحكومة "للمساهمة في إعادة إعمار سورية، بناء على احتياجات البلاد"، لتقدم كل وزارة الدعم في مجالها لإعادة تشغيل المؤسسات والمنظمات العامة في سورية، وإعادة تأسيس نظام الدولة.

وربما وزارة النقل أكثر من التقطت رسالة أردوغان، لتأتي تصريحات الوزير، عبد القادر أورال أوغلو، خلال مؤتمر صحافي، أخيراً، حول خطط تركية متعددة لإعادة تأهيل البنية التحتية في سورية، من ضمنها تحسين الطريقين السريعين M4 وM5، وبناء الجسور المدمرة عبر منظمات تركية، مثل "تيكا" و"آفاد"، إضافة إلى وضع خطة عمل عاجلة تشمل استئناف خدمات النقل الجوي، وتحسين شبكات الاتصالات، وإعادة تشغيل المطارات، إلى جانب إبرام اتفاقيات ترسيم حدود المناطق البحرية.

ويعد ترميم أجزاء من خط السكة الحديدية الحجازي التاريخي في سورية، وإعادة ربط خطوط السكك الحديدية التركية بدمشق، من المشاريع المنتظرة، بحسب المحلل التركي سمير صالحة، لما له من منافع للدولتين، واختصار للزمن والتكاليف، والأهم برأي صالحة، أنه قد يمتد ليصل إلى السعودية، فيعاد تاريخ الخط السككي الوحيد في المنطقة أيام بنته الدولة العثمانية "سكة حديد الحجاز" التي ربطت إسطنبول بالمدينة المنورة، عبر دمشق، مع وجود خط إضافي نحو مدينة حيفا، تمتد فروعه إلى كل من عكا ونابلس، فيتحول الحلم الجديد، أو استعادة الخط القديم لمشروع استراتيجي للمنطقة، بعد ربط أوروبا عبر تركيا وسورية بمنطقة الخليج العربي.

لكن الحلم، كما يقول صالحة لـ"العربي الجديد"، طويل ويحتاج إلى تمويل واستقرار أمني وسياسي، لكن تركيا، على ما يبدو، جاهزة لإعادة الربط المرحلي من غازي عنتاب إلى حلب ومن ثم إلى دمشق. ويكشف أن بلاده "باشرت فعلياً" دراسة مشروع لإعادة ربط الأراضي التركية والسورية بسكك حديدية، حيث ستكون البداية بين ولاية مرسين ومحافظة حلب، فيما ستمتد لاحقاً إلى العاصمة دمشق.

الأمر ذاته أكده مدير النقل السابق في محافظة إدلب والمقيم في تركيا، محروس الخطيب، لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى بدء بحث إعادة تفعيل خط قطار مرسين ـ حلب، بعد توقفه خلال الحرب على الثورة السورية قبل 13 سنة. وقال الخطيب إن وزارة النقل والبنية التحتية التركية "بدأت وفق ما علمنا" بمراجعة الجزء التركي من الخط الذي يمتد 175 كيلومتراً، بينما سيجري تقييم حالة السكة الحديدية في سورية بعد موافقة الحكومة السورية الانتقالية، ليجري إصلاح الجزء المتبقي في سورية بسرعة لاستئناف حركة القطارات لنقل البضائع والمسافرين.

وكانت تركيا وسورية قد افتتحتا في 22 ديسمبر/كانون الأول 2009 الخط الحديدي بين حلب شمالي سورية وولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا، بحضور وزير النقل السوري وقتذاك يعرب بدر، ووزير النقل التركي بن علي يلدريم، بحسب ما يقول المدير العام للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية السابق، جورج مقعبري، لـ"العربي الجديد"، مشيراً خلال اتصال إلى أن مؤسسة الخطوط الحديدية السورية وضعت وقتذاك، أفضل قطارات الركاب على هذا الخط الذي بلغت كلفته الإجمالية 380 مليون ليرة (الدولار كان يساوي 50 ليرة آنذاك) بطول 209 كيلومترات، ليجري تسيير رحلتين أسبوعياً، تستوعب كل رحلة 277 راكباً، وتستغرق ثلاث ساعات.

ويضيف مقعبري أن أهمية النقل السككي، للركاب والبضائع، تزداد بواقع التحكم والحروب على الممرات المائية والمضائق، مبيناً أن الخط الذي افتتح عام 2009 أسهم في نقل 50 ألف راكب وأربعة ملايين طن من البضائع سنوياً، مع إمكانية التوسع والزيادة لتصل البضائع إلى 10 ملايين طن، وزيادة عدد الركاب والمسافرين، هذا إن لم نتطرق للحلم الكبير، وإعادة تأهيل خط الحجاز الواصل للسعودية.

بدوره، قال القنصل السوري الفخري في تركيا وقتذاك، عام 2009، عبد القادر صبرا والحاضر الافتتاح السابق، لـ"العربي الجديد" إن إحياء الخط، ولو الجزئي بين عنتاب وحلب ومن ثم إلى دمشق، سيخفض من تكاليف النقل، وبالتالي أسعار المواد الأولية وتكاليف الإنتاج، إضافة إلى السلع على المستهلكين، وسيزيد، بلا شك، من حجم التبادل التجاري بين سورية وتركيا الذي وصل لنحو 3 مليارات دولار قبل الثورة، ويمكن أن يتضاعف اليوم بواقع التوافق التركي مع الحكومة الجديدة، وتطلعات تركيا لدور أكبر بالإعمار ودعم استقرار سورية.

ويلفت صبرا إلى أهمية مدينة حلب، كونها عاصمة الاقتصاد السوري وأكثر مدينة تحوي منشآت صناعية، ولو تم إيصال الخط الحديدي إلى المدينة الصناعية بحلب، فذلك سيقلل التكاليف، ويزيد الاستثمارات المشتركة، ويسرّع بنقل المواد الأولية والمنتجات من وإلى حلب.

وحول تكاليف المشروع الجديد، ومن سيتحملها، بواقع الضائقة التي تعانيها سورية بعد تهديمها وسرقة النظام السابق الأموال واحتياطي المصرف المركزي، يقول القنصل الفخري السابق: أذكر حين جرى افتتاح الخط عام 2009 أن وزير النقل التركي، بن علي يلدريم، قال إن قيمة البضائع التي سينقلها سنوياً تزيد عن 500 مليون دولار، فأمام هذه المنافع المتبادلة، قد لا تكون تكاليف إعادة تأهيل وفتح الخط عائقاً حقيقياً. غير مستبعد أن تدفع تركيا التكاليف وتعيد الخط للجانب السوري بعد الاستثمار، وفق مبدأ "بي أو تي" أي بناء وتشغيل لمدة معينة، وفق زمن يُتفق عليه بين الجانبين، ويجري بعد ذلك إعادة الأمر إلى الدولة السورية، أو يُفتح الخط بتمويل عربي خليجي، خاصة إن كان الخط الحالي بداية لإحياء الخط الطويل من إسطنبول إلى مكة المكرمة.

وأمر التمويل الخارجي، أو وفق "بي أو تي"، لم يستبعده مدير مؤسسة السكك الحديدية السابق، جورح مقعبري، لـ"العربي الجديد". وفي السياق، قال مدير النقل السابق، محروس الخطيب، إن إحياء الخط الحجازي الحديدي طرح مرات ومرات، وكان يصطدم بمعارضة، وإن غير معلنة من الرئيس الأسبق لسورية، حافظ الأسد، وأحياناً من السعودية.

ويضيف الخطيب أن تكاليف الخط الحجازي باهظة، ومن الصعب تقديرها، ولكن إن جرى التوافق بين السعودية والأردن وسورية وتركيا، فالمشروع واعد ويعود بالنفع وحتى الأرباح على جميع الأطراف. وأما إن وسعنا الحلم لربط أوروبا عبر تركيا وسورية بدول الخليج، فوقتذاك يمكن الحديث عن قرض أو تمويل مشترك.

ويبتعد المحلل التركي، سمير صالحة، برؤيته إلى أن المشروع الحديدي الحجازي ينافس وربما يلغي مشروع الخط الحديدي الإيراني العراقي "الشلامجة الإيرانية ـ البصرة العراقية" والذي كان يتطلع الطرفان لإيصاله إلى سورية "ميناء الخميني عبر البصرة فكربلاء وصولاً إلى ميناء اللاذقية السوري على البحر المتوسط". وبإحياء الخط الحجازي عبر سورية، استبعاد أيضاً لمشروع سكك حديدية إسرائيلي جرى طرحه عام 2018، يربط الأراضي الفلسطينية المحتلة بدول الخليج العربي عبر الأردن.

لكن إحياء الحلم التركي ليس بالأمر السهل، وفق القنصل السابق، عبد القادر صبرا، الذي أوضح أن الوضع الأمني في سورية، ربما يكون في مقدمة التحديات، لأن سلامة السكك الحديدية والمسافرين والبضائع تأتي في المقدمة، و"لاحظنا التعدي وسرقة السكك قبل سنوات"، كما أن التكاليف العالية تعتبر عقبة، ولكن يمكن تجاوزها عبر تمويل مشترك، أو قرض خارجي، أو تتعهد تركيا ببنائه وتشغيله واستثماره لفترة، من ثم تعيد عائدات الجانب السوري والتجهيزات للحكومة السورية.

وكان الخط الحجازي قد أنشئ في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني عام 1900، واستمر العمل فيه ثماني سنوات، ليربط بين دمشق والمدينة المنورة، مع وجود خط إضافي نحو مدينة حيفا، تمتد فروعه إلى كل من عكا ونابلس، وامتاز بكونه المشروع الاستراتيجي الوحيد الذي موّل بتبرعات عثمانية وإسلامية. وربط المشروع الأقاليم العثمانية بشكل أكبر بإسطنبول، واختزل على الحجاج مسافة كانت تستغرق ثلاثة أشهر، لكنه تعرض للتخريب إبان الثورة العربية بتحريض من بريطانيا، ولم يستكمل مشروع الخط إلى مكة، ومنذ ذلك الحين لم تفلح محاولات إعادة تشغيله أو تطويره.