العدد 1648 /22-1-2025

أقرّت وزارة البيئة العراقية في نهاية العام الماضي بارتفاع نسب التلوّث إلى مستويات قياسية في نهر دجلة الذي يقسم العاصمة بغداد إلى جانبي الكرخ والرصافة، لكن أي تغيير ملموس لم يحصل في ملف التلوّث البيئي في أنهار العراق عموماً ونهر دجلة خصوصاً.

تؤكد المسؤولة في شعبة الأمراض الانتقالية بوزارة الصحة العراقية، خالدة الكناني، لـ"العربي الجديد"، رصد عينات تحمل أمراضاً انتقالية خلال الفحص الدوري. وتقول: "اكتشفت الفرق المكلفة بمراقبة مياه الصرف الصحي أخيراً وجود العديد من الأوبئة والحشرات وبيوض القمل والديدان المعوية داخل الأنابيب، وهي تتفاوت بين شبكة وأخرى بحسب الصيانة والتبديل ومدى قوة البنى التحتية".

توضح: "العينات تُرسل مع التقرير الرسمي إلى أمانة العاصمة تمهيداً للتحرك، وتكثر الأمراض الانتقالية في مناطق عشوائيات بغداد بسبب الحفر غير القانوني لأنابيب الصرف الصحي الذي يزيد اختلاط المياه الصالحة للشرب مع مياه المجاري. فرقنا الصحية توزع حبوب التعقيم للحدّ من ارتفاع التلوّث، وفي حال رصد مرض معدٍ انتقالي يجري توزيع الحبوب على كل سكان المنطقة".

من حي المعلمين في جانب الرصافة، تقول فوزية محمود "أم شاكر" لـ"العربي الجديد": "تصل مياه الشرب إلى منازلنا غير صالحة حتى للاغتسال أحياناً، فلونها غريب ورائحتها كريهة، ونخشى استخدامها حتى إذا جرى غليها. نضطر إلى شراء مياه الشرب لاستخدامها، وهذا أمر مزعج مادياً، ويحمّلنا أعباءً كبيرة، لذا نطالب بإيجاد حل لتصفية المياه وتعقيمها".

ولا تقتصر مخاطر تلوّث مياه الأنهار على انتشار الأوبئة، إذ تسببت في أمراض منها التهاب الأمعاء، وجرثومة المعدة. يقول أخصائي أمراض السرطان، أوس إبراهيم، لـ"العربي الجديد": "نسبة المياه الملوّثة عالية، وبالتالي لها تأثير مباشر على إتلاف خلايا الجسم بحسب الفحوص التي أجريت على المرضى".

ويقول عضو لجنة الصحة النيابية باسم الغرابي لـ"العربي الجديد": "ترمي غالبية دوائر الدولة نفاياتها الصناعية والطبية في الأنهار التي تعاني من انخفاض واضح في المنسوب، ما يزيد تأثير التلوّث. مع عدم وجود دراسات وخطط لمعالجة هذه المشاكل".

ويرى خبير السياسات والاستراتيجيات المائية، أسعد الخفاجي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "معالجة تلوّث المياه تبدأ بتغريم الأشخاص والجهات التي ترمي المخلفات في الأنهار، ومنع المنشآت الصحية وغيرها من تصريف المياه التي تستخدمها خلال عملها في الأنهار مباشرة، وتدوير المياه ومعالجتها قبل ذلك". ويطالب بتطبيق قوانين البيئة، وإفساح المجال أمام المتخصصين للعمل على استعادة الأنهار سلامتها على غرار دول العالم المتحضرة.

بدوره، يوضح مدير قسم التخطيط في دائرة بيئة بغداد، حيدر يوسف محمود، أن "مياه الصرف الصحي تُطرح في نهر دجلة من دون معالجتها، أو قد تخضع لمعالجة بنسبة تصل إلى 50% فقط بسبب تلف أنابيب المعالجة أو تعرّضها لضغط كبير بسبب الكثافة السكانية. فرق الدائرة تقيس نسب التلوّث في الأنهار، والتي تختلف بحسب المواد العالقة والعناصر الثقيلة ونوعية مياه الصرف التي تلقى في النهر. تعاني كل الأنهار من مختلف أنواع الملوّثات، وأصبحت مياهها غير صالحة للاستهلاك. ما بين 500 ألف إلى مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي تطرح في نهر دجلة يومياً، وهذه كميات كبيرة".

وتضع زارة الموارد المائية اللوم على دوائر المجاري التي تلقي كميات كبيرة من المياه في نهري دجلة والفرات من دون أي معالجة. ويقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، لـ"العربي الجديد": "تتعرض مياه الأنهار لأخطار كبيرة حذرنا منها مرات، والأمر يقع على عاتق جهات عدة، فغالبية المستشفيات القريبة تلقي فضلاتها وتصرّف المياه مباشرة في النهر، وهذا يجب إنهاؤه".

يتابع: "تلعب المنشآت الصناعية أيضاً دوراً في التلويث، ومن بينها مصانع مواد بتروكيماوية، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، فضلاً عن مؤسسات الأنشطة الزراعية التي ترمي مياه تحتوي على سموم ترتبط بالسماد. تقع مسؤولية تلوّث مياه الشرب على الجميع، وأصدرت الحكومة هذا العام توجيهات بعدم إقرار أي مشروع حال عدم ارتباطه بمحطة لمعالجة المياه".

بدوره، يؤكد وزير البيئة، نزار محمد سعيد آميدي، أن "فرق الوزارة تجري كافة الأنشطة بالتعاون مع جميع القطاعات للحدّ من تلوّث المياه أو التراب أو الهواء، لكن النسبة الكبرى من الأنشطة تشمل تلوّث المياه". ويشير إلى وجود "تعاون مشترك مع وزارة الصحة والبلديات وأمانة بغداد، لأن البلديات مسؤولة عن النفايات التي ترمى في الأنهار، أما الصحة فمسؤولة عن نوع هذه الملوّثات، وتعمل جميع الكوادر ليلاً ونهاراً لتقليل نسب تلوّث مياه الأنهار".