العدد 1646 /8-1-2025

صبغة الله صابر

تصاعد التوتر بين أفغانستان وباكستان بشكل كبير منذ 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ شنّ سلاح الجو الباكستاني غارات على مناطق في الجنوب الأفغاني بحجة وجود مخيمات لحركة طالبان الباكستانية، ما أدّى إلى مقتل أكثر من 50 شخصاً، قالت كابول والأمم المتحدة إنهم مدنيون، فيما أعلنت إسلام أباد أنهم قيادات وعناصر في "طالبان باكستان". وفي 28 الشهر الماضي، شنّت حركة طالبان أفغانستان هجمات على نقاط عسكرية باكستانية عدّة، وقتلت، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية في بيان وقتها، 19 جندياً باكستانياً.

ومنذ ذلك الوقت تسود حالة من التوتر بين أفغانستان وباكستان حيث تبادل الطرفان إطلاق النار في أكثر من موقع حدودي، آخرها كان في الثاني من يناير/ كانون الثاني الحالي في مديرية عليشير بولاية خوست الأفغانية. وقال المتحدث باسم الحكومة المحلية في ولاية خوست مستغفر كربز، لـ"العربي الجديد"، إن القوات الباكستانية هاجمت بالصواريخ ثلاث قرى في مديرية عليشير، لكن القوات الأفغانية كانت على استعداد، إذ ردّت بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، مستهدفةً مراكز الجيش الباكستاني ومصادر النيران، موضحاً أن القرى الثلاث التي استُهدفت هي ايروكام، وكاكه، وجراب، نافياً وقوع خسائر في الجانب الأفغاني. وشدّد على أن "قواتنا على استعداد تام للرد على أي عدوان باكستاني".

وألمح رئيس الحكومة الباكستانية شهباز شريف، خلال اجتماع لمجلس الأمن الوطني في الرابع من الشهر الحالي، إلى أن الهجوم الذي شنّته قوات بلاده يأتي ردّاً على هجوم قوات حركة طالبان الأفغانية في 28 الشهر الماضي. وقال، وقتها، إن "قواتنا المسلحة ردّت بشكل قوي وعنيف على الاعتداء على أرضنا من خارج الحدود"، موضحاً "أننا نعرف جيداً من يموّل المسلحين أعداء باكستان، ومن أين يأتي هؤلاء، وكيف ينشطون. نحن على علم بكل ذلك"، مشدداً على أن "القوات الباكستانية ستُلاحق أعداء البلاد أينما كانوا، ومن حيث أتوا".

اتهامات متبادلة

وبالتزامن مع تصاعد التوتر بين أفغانستان وباكستان تواصلت الاتهامات والتهديدات بين مسؤولي البلدَيْن، إذ هدّد شهباز شريف، ووزير الدفاع خواجه أصف، وقائد الجيش الجنرال عاصم منير، في تصريحات صحافية أخيراً، بملاحقة المسلّحين أينما كانوا، مؤكّدين أن كابول أمام خيارين: الصداقة مع باكستان والعمل معها من أجل القضاء على "طالبان باكستان"، أو تحمّل تبعات الانحياز إلى الحركة. وعلى الجهة الأفغانية، هدّد أكثر من مسؤول في حكومة طالبان، بينهم وزير الإعلام خير الله خيرخواه، ونائب قائد القوات المسلحة حاجي مالي خان، ونائب وزير الخارجية شير محمد عباس ستانكزاي، في تصريحات، بأنه في حالة استمرار باكستان بمهاجمة أفغانستان سيكون الخيار الوحيد أمام قوات "طالبان" اجتياح الأراضي الباكستانية والانتقام من الجيش هناك.

التوتر بين باكستان وأفغانستانالحدود الباكستانية ـ الأفغانية في شامان، الثلاثاء (أختير غولفام/Epa)

تقارير دولية

التوتر بين باكستان وأفغانستان: أبعد من مجرد خلافات الحدود

وقال ستانكزاي، أمام اجتماع لعلماء الدين وقادة في "طالبان" في كابول في الخامس من الشهر الحالي، إن "الدولة المجاورة تهددنا بالهجوم، أقول لها لا تغترّي ببعض الصواريخ التي أطلقت عليها أسماء أبطالنا الأفغان، مثل الغزنوي والغوري والأبدالي، لأننا أبناء أولئك الأبطال. والله لو أرسلنا عدداً بسيطاً من جنودنا ستفرون إلى ما بعد بحر الهند ونهر البنجاب. لا تُجبرونا على الحرب. نحن نعرفها جيداً ومستعدون لخوضها من أجل الوطن، استشيروا الأميركيين أولاً، قبل أن تهاجموا أرضنا". وأكد أنه "خلال العقدين الماضيين وقفت باكستان مع القوات الأميركية وقتلت من أبناء الشعب الأفغاني الكثير. نحن لن ننسى ما فعلته تلك الدولة بنا. أقول لها حذارِ من الاستمرار في عداء الأفغان".

"ديورند" يزيد التوتر بين أفغانستان وباكستان

وفي خضم تصاعد التوتر بين أفغانستان وباكستان عادت كابول لاستخدام بطاقة خط ديورند الحدودي ما زاد من قلق إسلام أباد. وأشار ستانكزاي، أمام اجتماع علماء الدين، إلى أن "خط ديورند خط غير معترف به، إنه لا يفصل بين أفغانستان وباكستان هو خط ظالم رسمه الإنكليز ليفصل بين القبائل الأفغانية، ولا يمكن الفصل بين قبائل واحدة". واتهم السلطات الباكستانية "بترحيل الأفغان الذي يعيشون على الجانب الثاني من الحدود، زاعمة أنهم يعيشون في باكستان. أقول لهم إنهم يعيشون على أرضهم، تلك الأراضي التي فصلها الإنكليز منا"، متوقعاً "تكرار سيناريو انفصال بنغلاديش عن باكستان في 1971".

وقالت سفارة أفغانستان في باكستان، في بيان أمس الثلاثاء، إن السلطات احتجزت نحو 800 أفغاني يعيشون في إسلام أباد، بينهم بعض المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وحذرت من أن عدم اليقين بشأن عملية الحصول على تأشيرات للأفغان في باكستان تسبب في "حالات مقلقة من الاحتجاز التعسفي والترحيل". وأعربت السفارة عن "انزعاجها من تقارير عن اعتقالات غير مبررة وتفتيش منازل وابتزاز يستهدف المواطنين الأفغان".

وكانت وزارة الدفاع الأفغانية أكدت، في بيان بعد القصف الباكستاني على الجنوب الأفغاني، أن القوات الأفغانية ستقوم بالرد، وأن خط ديورند الفاصل بين الدولتين ليس حدوداً رسمية. وشدد المحلل السياسي الباكستاني ضياء الإسلام، لـ"العربي الجديد"، على أن "قضية خط ديورند وعدم الاعتراف به من قبل أفغانستان أمر مقلق، مع أنه ليست له أي حيثية قانونية، لأن ديورند هو الحدود الفاصلة بين الدولتين، سواء قبلتْه أفغانستان أو رفضته، وباكستان لن تقبل بأي ضغط أفغاني، وستقوم بكل ما أمكن من أجل قطع الطريق على المسلحين وتأمين الحدود". وأضاف: "إسلام أباد تسعى لأن تتعاون كابول معها لتأمين الحدود وكل المنطقة، ولكن طالبان رفضت ذلك، وبالتالي استهدفت المسلحين في الداخل الأفغاني، وستفعل ذلك في المستقبل أيضاً مهما كانت النتائج".

في المقابل، قال المحلل الأمني الأفغاني محمد إسماعيل وزير لـ"العربي الجديد"، إن "أفغانستان لا تريد حرباً شاملة مع باكستان وهي لن تتحمّل ذلك، خصوصاً أن الاعتقاد السائد في بلادنا هو أن باكستان تسعى بكل ما أوتيت من قوة من أجل النيل من طالبان وأفغانستان. وهناك اعتقاد جازم لدى طالبان أن باكستان تدعم تنظيم داعش ــ فرع خراسان". واعتبر أن "على طالبان أن تواجه ذلك بحزم، ولكن ليس من خلال حرب شاملة، بل من خلال دعم طالبان الباكستانية والجماعات المسلحة الأخرى وفتح الطريق أمامهم. إن باكستان مُدمرة من الداخل، وهي تسعى لنقل الحرب إلى أراضينا مرة أخرى، ولكن طالبان لن تفعل ذلك، لأن الحرب ليست في صالح بلادنا".

ومع تصاعد التوتر بين أفغانستان وباكستان قام رئيس الاستخبارات الباكستانية الجنرال محمد عاصم ملك بزيارة إلى طاجكستان في 31 ديسمبر الماضي، وهو ما وضعه مراقبون في البلدين بأنه يأتي في إطار البحث عن حليف معارض لحركة طالبان أفغانستان. ورأى بعض المحللين أن الزيارة أتت في إطار محاولة إسلام أباد التنسيق مع قيادات جبهة بانشير المعارضة لحركة طالبان والذين يعيشون في طاجكستان، علّها تستفيد من نفوذهم وقوتهم ضد الحركة. وقال الإعلامي الباكستاني حمزه أمير، لـ"العربي الجديد"، إن "الهدف من الزيارة هو التنسيق مع معارضي طالبان الذين يعيشون في طاجكستان من أجل الضغط على كابول، وأيضاً مناقشة تبنى استراتيجية موحدة مع طاجكستان لمواجهة طالبان، لأن طاجكستان قلقة أيضاً من وجود طالبان".

وبالتزامن مع تلك الزيارة، أُثيرت على منصات إعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي في باكستان أنباء عن سيطرة القوات الباكستانية على جزء من ممر واخان الاستراتيجي الواقع في شمال أفغانستان والذي يربط أفغانستان بكل من باكستان والصين وطاجكستان. وتناولت وسائل إعلام باكستانية القضية باهتمام شديد، خاصة المقربة من المؤسسة العسكرية. ومع أن "طالبان" نفت تلك الأنباء، إلا أن مصدراً في الاستخبارات الأفغانية، فضّل عدم الكشف عن هويته، أشار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنه كانت "هناك محاولات تسلل من قبل القوات الباكستانية إلى منطقة ممر واخان، ولكن قوات طالبان وصلت إلى المنطقة، ما أدى إلى تراجع القوات الباكستانية".

واعتبر المحلل الأمني الباكستاني أورنكزيب خان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الهدف من نشر أنباء عن السيطرة على واخان قد يكون لفت الانتباه إلى المواجهات المسلحة على الحدود بين الدولتين، أو توجيه رسالة إلى طالبان مفادها أن الدخول إلى ممر واخان خيار باكستاني، وأنه في حال مواصلة طالبان العداء لباكستان فإنه يمكن لقوات الأخيرة دخول تلك المنطقة". وقد أشار بعض المقربين من المؤسسة العسكرية الباكستانية إلى ذلك، إذ قال وزير الداخلية السابق في حكومة إقليم بلوشستان جان أجكزاي، في بيان أخيراً، إن ممر واخان هو حق للعرقية الطاجيكية وأن من حق جبهة بانشير، التي تتألف من الطاجيك، والمعارضة لحركة طالبان أفغانستان، أن تسيطر على واخان، وأن تدعمها القوات الباكستانية، مؤكداً أن ممر واخان سيربط باكستان بالصين ودول آسيا الوسطى إذا سيطر عليه الجيش الباكستاني.

وتسود أجواء الحرب بين دولتين جارتين، إحداهما مزّقتها الحرب وويلاتها على المدى العقود الأربعة الماضية، والثانية غارقة في الديون وتواجه أزمات سياسية واقتصادية وأمنية. ويعتقد كثر أن تلك الأزمات، إذا رافقتها حرب مع أفغانستان، قد تؤدي إلى تفكك باكستان، وانفصال جزء منها، على غرار ما حصل في 1971، حيث انفصلت باكستان الشرقية (بنغلاديش) عن باكستان الغربية.