العدد 1647 /15-1-2025
عثمان لحياني
لم تستعد إسرائيل الأسرى بالقوة كما وعدت الداخل
سياسياً، ولم تُنهِ المقاومة جسماً وفكرة وقتالاً، مثلما التزم قادتها، والأيام
الأخيرة من الحرب في غزة كانت الأشد على قوات الاحتلال مما سبق. ولم تنجح خطة
الترانسفير والتهجير التي كانت تأمل في تنفيذها لطرد الفلسطينيين، وقد حاولت، ولم
تستطع أن تستر عارها الأخلاقي والسياسي الذي انكشف للعالم على نحو غير مسبوق. أما
ما فعلته في غزة، فهو ما يفعله كل محتل بالأرض والإنسان، قتلاً وتدميراً وتخريباً،
ولم يكن منتظراً منها غير ذلك.
لم يكن الهم الأول لصانع القرار السياسي والعسكري
في إسرائيل استعادة الأسرى، وكان يمكن أن يتم ذلك عبر التفاوض والتبادل، بقدر ما
قاد العمى والتطرف حكومة بنيامين نتنياهو، الذي لا يؤمن بالوجود الفلسطيني منذ أن
كان سفيراً لإسرائيل في واشنطن، قاد نحو رسم هدفين مركزيين، أكثر أهمية من عدد
الأسرى ومن هدف استعادتهم، لأنه في لحظة ما كان نتنياهو مقتنعاً أن هؤلاء يجب أن
يكونوا "قرباناً" آخر لأمن إسرائيل، وأنه ليس من المناسب عودتهم، على
نحو يعطي المقاومة الفلسطينية زخماً غير مسبوق.
الهدف الأول يرتبط باستعادة الردع العسكري الذي
انهار عقب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ذلك أن انهيار عامل الردع
بالنسبة للإسرائيلي يعني انهيار جدار مادي وغير مادي، كان يحقق حماية عميقة
للاحتلال ويسيّج إسرائيل بهالة من القوة، ويكبح كل رغبة فلسطينية وعربية في خيار
المواجهة. أما الهدف الثاني، فهو الإجهاز على فكرة المقاومة، عبر تدمير كل معنى
للحياة في قطاع غزة، واستخدام فائض القوة بشكل همجي وعشوائي، لدفع الفلسطيني إلى
إلغاء خيار المقاومة من جدول المشروع الوطني، ومنع إعادة تأهيل هذا الخيار، بديلاً
عن خيار أوسلو والتطبيع والتنسيق الأمني، خصوصاً في ظل نمو عضلة أخرى للمقاومة في
مدن الضفة الغربية.
دفع قطاع غزة ثمناً باهظاً وقاسياً ولا شك في هذه
الحرب، وفي ظروف لعلها لم تكن مسبوقة وسط خذلان عربي مخزٍ، لكن إسرائيل بعيدة جداً
عن تحقيق هذين الهدفين تماماً. هناك عنوان ومشهد يوضح ذلك، الشاب الفلسطيني الذي
ظهر يؤبن شقيقه الشهيد في قطاع غزة، وهو يقسم أن يثأر له بعشرة، وهو مشهد يمكن أن
يجيب عن الكيفية التي أمكن بها للمقاومة أن تعيد تجديد نفسها وقواها بعد أكثر من
15 شهراً من المواجهة، وهذا بخلاف ما يعتقد الاحتلال يعزز الثقة في مسلك المقاومة
وخيارها.
خلال 15 شهراً، كان نتنياهو يسوق الريح بهراوة،
بكل الأحوال، لن تكون صفقة التبادل وبغض النظر عن تفاصيلها ومراحل تنفيذها، موجبة
بالنسبة لإسرائيل، في المستويين السياسي والعسكري، ويمكن توقّع ارتدادات داخلية
ستعزز الارتباك السياسي والمجتمعي للكيان، وقد بدأت تهديدات الساسة الأكثر تطرفاً
بفضّ الشراكة الحكومية، وما سيتبع ذلك من إطلاق مسارات الملاحقة القضائية لقادة
الكيان والتحقيق في هجوم السابع من أكتوبر. بحسابات الربح والخسارة، لم تربح
إسرائيل من الحرب شيئاً، وخسرت الكثير، انكسرت الهيبة وتمزقت الصورة وانفلت عقد
السردية الكاذبة، وتعطل مسار من التطبيع كان محققاً أو يكاد.