العدد 1649 /29-1-2025
محمد أمين
ربطت دول الاتحاد الأوروبي، أول من أمس الاثنين،
إثر اجتماع لها عُقد في بروكسل، مسألة استمرار تخفيف العقوبات عن سورية بعد سقوط
نظام بشار الأسد، بعدم اتخاذ الإدارة الجديدة في دمشق "قرارات خاطئة"،
وذلك بعد اتفاق وزراء خارجية الاتحاد على "خريطة طريق" لتخفيف هذه
العقوبات، والتي كانت فرضت على نظام الأسد، ما يشي بأن الغرب الذي استخدم العقوبات
للضغط على النظام المخلوع، بصدد استخدامها مرة أخرى للضغط على الإدارة الجديدة
لضمان تعاونها في العديد من الملفات التي تهمّه.
سورية ممنوعة من "القرارات الخاطئة"
وأعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، كايا
كالاس، إثر الاجتماع، عن إقرار خريطة طريق لتخفيف العقوبات المفروضة على سورية،
وذلك خلال اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في بروكسل. وأضافت أن "هذا من
شأنه أن يعطي دفعة للاقتصاد السوري ويساعد البلاد على العودة إلى الوقوف على
قدميها". وكتبت كالاس في تغريدة على "إكس" إن الوزراء اتفقوا على
"خريطة طريق" لتخفيف العقوبات على سورية، وأضافت: "نريد التحرك
بسرعة، لكن يمكن التراجع عن رفع العقوبات إذا اتخذت قرارات خاطئة. وبالتوازي مع
ذلك، سنعمل على زيادة المساعدات الإنسانية وجهود التعافي". وأوضحت: "لكي
نكون واقعيين، ينبغي أن تتشكل خطوتنا التالية وفقا لما يفعلونه (الحكومة
السورية)".
يونس الكريم: رفع العقوبات الأوروبية يسهم في
توسيع استثناءات قانون قيصر الذي فرضته واشنطن
وكانت المسؤولة الأوروبية قد بيّنت قبيل الاجتماع
أن الاتحاد الأوروبي مستعد لافتتاح بعثته في العاصمة دمشق بكامل طاقمها، مشيرة إلى
أن الاتحاد يتابع عن كثب الأوضاع في سورية، ويتبنّى نهج "خطوة مقابل
خطوة" حيال هذا البلد. من جهته، قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، إن
"الاتحاد الأوروبي سيرفع أو يعلّق بعض العقوبات المحددة التي فُرضت على قطاعي
الطاقة والنقل في سورية وعلى مؤسسات مالية مهمة لاستقرار البلاد المالي".
وأشار إلى أنه ينبغي مقابل تعليق العقوبات ضمان "انتقال سياسي جامع لكل
السوريين والسوريات".
خصخصة سورية... الإدارة الجديدة نحو التخلص من إرث
ثقيل
ورحّب وزير الخارجية في حكومة تسيير الأعمال
السورية أسعد حسن الشيباني بقرار الاتحاد الأوروبي، ووصفه بأنه "خطوة
إيجابية"، مضيفاً في منشور على "إكس" أول من أمس: نتطلع أن ينعكس
هذا القرار إيجابياً على جميع مناحي الحياة للشعب السوري ويؤمن التنمية المستدامة.
وكان الاتحاد الأوروبي فرض على نظام الأسد عقوبات
اتخذت مسارين: الأول شمل الشخصيات الرئيسية في نظام الأسد، سواء التي أسهمت في
القمع أو ساعدت على ذلك، حيث تمّ إدراج 289 شخصية و70 كياناً على قائمة العقوبات.
أما المسار الثاني فشمل قطاعات اقتصادية كانت تساعد النظام المخلوع على تمويل
عمليات القمع وخصوصاً النفط. كما فرض قيوداً على استخدام القنوات المالية العالمية
وجمّد الأصول السورية ومنع تصدير التكنولوجيا إلى سورية، فضلاً عن منع الطائرات
السورية من التحليق في الأجواء الأوروبية والهبوط في المطارات. ولعبت هذه العقوبات
مع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية (قانون قيصر) دوراً في الضغط على
نظام الأسد المخلوع، إلا أنها تركت آثاراً سلبية جمّة على حياة السوريين وأدت إلى
إنهاك اقتصادهم وتدني مستوى معيشتهم.
وفي السياق، وصف الباحث الاقتصادي يونس الكريم، في
حديث مع "العربي الجديد"، العقوبات التي كان فرضها الاتحاد الأوروبي على
نظام الأسد بـ"الذكية"، وشملت أركانه الذين ارتكبوا جرائم ومجازر بحق
السوريين، وقطاعات كانت تمول الأعمال العسكرية بشكل مباشر مثل النفط والطيران.
وأشار إلى أن رفعها أو التخفيف منها اليوم "يؤدي إلى سهولة وصول الأموال إلى
سورية"، موضحاً أن هناك أموالاً للمصرف المركزي السوري محجوزة في المصارف
الأوروبية. وأشار إلى أن رفع العقوبات الأوروبية "يسهم في توسيع استثناءات
قانون قيصر الذي فرضته واشنطن قبل نحو خمس سنوات على النظام البائد"، لافتاً
إلى أن "رفع العقوبات الاقتصادية سينعكس إيجاباً خصوصاً على قطاع الكهرباء
وخدمات أخرى تقدمها الحكومة للمواطنين يُجبى منها رسوم تنعش الخزينة العامة
للدولة". ورأى أن على الحكومة الحالية تسليم السلطة لحكومة انتقالية
"وإلا لن يقدم الأوروبيون أي مساعدة تذكر للبلاد".
وتطالب الإدارة الجديدة في دمشق برفع هذه العقوبات
وتلك التي فرضتها الولايات المتحدة لانتفاء الأسباب التي أدّت إليها بعد سقوط نظام
الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، لا سيما أن استمرار هذه العقوبات
يعد المعوّق الأكبر أمام تحريك عجلة الاقتصاد الذي يعد الركيزة الأهم للأمن
والاستقرار الذي يفضي إلى عملية سياسية كاملة ومتوازنة.
مفهوم فضفاض
ويربط الغرب عموماً الانفتاح الاقتصادي والسياسي
على سورية بالخطوات التي ستقوم بها الإدارة الجديدة حيال القضايا الأبرز المتعلقة
بالانتقال السياسي ومحاربة الإرهاب ومعالجة ملف الأقليات في البلاد وضمان عدم
تعرضها للاضطهاد، فضلاً عن ضمان حقوق المرأة في حكومة تشمل جميع السوريين. وتواصل
الإدارة الجديدة منذ تسلمها مقاليد البلاد في ديسمبر الماضي، إرسال التطمينات حيال
هذه الملفات كلّها، وتؤكد أنها بصدد الإعداد لحياة سياسية ديمقراطية لا تستثني
أحدا. كذلك يدلي مسؤولون أوروبيون بين الفينة والأخرى بتصريحات تضع رفع العقوبات
عن دمشق في مقابل استئصال الوجود الروسي في سورية، متمثلاً بقاعدتي حميميم الجوية
وطرطوس البحرية.
ورأى الباحث الأكاديمي يحيى العريضي في حديث مع
"العربي الجديد"، أن على دول الاتحاد الأوروبي توضيح ما تعنيه
بـ"القرارات الخاطئة"، مضيفاً أن "سورية اليوم في حالة ركام
اقتصادي واجتماعي تركتها المنظومة الاستبدادية وفرّت". وأشار إلى أن الإدارة
الجديدة أعلنت أن الحالة السياسية اليوم مؤقتة، وتبدي اهتماماً بالقضايا المعيشية
والاستقرار الأمني في البلاد.
في موازاة الشروط الأوروبية التي لم تُعلن بشكل
واضح لرفع العقوبات عن سورية، يبدو أن الغرب يربط هذا الملف بطريقة تعاطي الإدارة
الجديدة مع الوجود العسكري الروسي في سورية، والمتمركز حالياً في شرقي المتوسط
وخصوصاً في قاعدة حميميم بريف اللاذقية وفي ميناء طرطوس. ومن الواضح أن الاتحاد
الأوروبي بصدد استخدام العقوبات ورقة ضغط على الإدارة الجديدة في دمشق لإنهاء هذا
الوجود. وفي هذا الصدد، نقلت وكالة "تاس" الروسية أول من أمس، عن مسؤول
في الاتحاد الأوروبي، أن الاتحاد أبلغ الإدارة السورية الجديدة أن إنهاء وجود
القواعد الروسية في سورية شرط أساسي لرفع العقوبات عن سورية. وأضاف أن الاتحاد
"يتابع هذه المسألة من كثب"، موضحاً أنه "أبلغنا بالفعل السلطات
السورية الجديدة أن عملية التطبيع تتوقف على إزالة جميع أشكال الوجود الأجنبي،
سواء كان عسكرياً أو أي أذرع أخرى".
ورأى الباحث السياسي أحمد القربي ، أن الوجود
الروسي في سورية "مرتبط بعوامل عدة"، مستبعداً تمسك الأوروبيين بهذا
الشرط. وأعرب القربي عن اعتقاده بأن أوروبا تضغط على روسيا من خلال الملف السوري.
وتابع: أعتقد أن الوجود الروسي في ليبيا مؤرق للأوروبيين أكثر من وجوده في سورية.
ورأى أن قرار الإدارة الجديدة في سورية حول الوجود الروسي سيكون مرتبطاً بتوجهها
الاستراتيجي حول تسليح الجيش السوري المقبل، ورأى أن "هذا الجانب
جوهري"، وأن "المؤشرات تشير إلى أن الإدارة لن تعمل على إخراج الروس
بشكل كامل من البلاد، لذا أعتقد أنها لن ترضخ للرغبة الأوروبية لأن العلاقة مع
موسكو أبعد من وجود عسكري داخل قاعدة".
يذكر أن وفداً رفيعاً من وزارة الخارجية الروسية،
زار أمس الثلاثاء دمشق، برئاسة المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط
وأفريقيا ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لإجراء محادثات بشأن مستقبل الوجود
العسكري الروسي في سورية. وكان نظام الأسد منح الجانب الروسي امتيازات عسكرية
واسعة في البلاد لضمان استمرار دعم موسكو له للبقاء في السلطة. وألغت الإدارة
الجديدة في سورية قبل أيام عقداً مع شركة روسية لإدارة وتشغيل ميناء طرطوس (غربي
البلاد) وقِّع في عهد الأسد. ونقلت وسائل إعلام محلية عن مدير جمارك طرطوس رياض
جودي قوله إن عقد الاستثمار ألغي بعدما فشلت شركة "إس تي جي
سترويترانسغاز" الروسية في الوفاء بشروط الصفقة المبرمة عام 2019 التي تضمنت
استثمارات في البنية التحتية.