العدد 1648 /22-1-2025
أسامة علي
تشهد أوساط الفرقاء في
ليبيا اتصالات من أجل التوافق على شخصية لشغل منصب رئيس المؤسسة الوطنية للنفط
بديلاً عن رئيسها المستقيل فرحات بن قدارة، وسط ضغوط خارجية تدفع باتجاه إعادة
تشكيل قطاع الطاقة، فيما يعتقد خبراء أنه اتجاه على صلة بجهود دعم مبادرة الحل
الليبي التي تعتزم البعثة الأممية العمل عليها. وفيما لم تترشح حتى الآن أي شخصية
توافقية ضمن الاتصالات التي تجري بين حكومة الوحدة الوطنية ومعسكر اللواء المتقاعد
خليفة حفتر للحلول مكان بن قدارة، الذي جاء لمنصبه في يوليو/تموز 2022 باتفاق سابق
بينهما، وفقاً لمصدر مقرب من لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس النواب، إلا أنه
ومصادر أخرى حكومية من طرابلس أكدت، لـ"العربي الجديد"، وجود ضغوط
أميركية وأوروبية على الأطراف الليبية للإسراع في اختيار شخصية جديدة وعدم ترك
منصب المؤسسة شاغراً. كما أشارت المصادر إلى أن طبيعة تلك الضغوط القادمة من
واشنطن ولندن تدفع في اتجاه وصول شخصيات لتشغل رئاسة المؤسسة السيادية لا تقع تحت
تأثير أطراف الصراع في ليبيا، بما يمكنها من تحقيق استقلال بقرار تلك المؤسسات،
مؤكدة أن التغيير سيطاول قيادة المؤسسة الليبية للاستثمار أيضاً.
وفيما تكشف المصادر عن
اهتمام غربي كثيف في الأشهر الأخيرة بملف الطاقة والمال الليبي، من خلال لقاءات
واسعة مع جميع المؤسسات الليبية، وحثها على ضرورة إحلال نظام للحوكمة في تلك
المؤسسات بمساعدة منظمات دولية، كمؤسسة النفط والمصرف المركزي، قال مصدر حكومي
رفيع مقرب من وزارة النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية، لـ"العربي
الجديد"، إن القادة الليبيين أُبلغوا برسائل أميركية وأوروبية واضحة تعكس
قلقاً كبيراً من تأثيرات الصراع الليبي على ملف الطاقة، خصوصاً في جانب غموض مصير
موارد النفط في إطار اتفاقات أطراف الصراع على تقاسمها خارج شرعية مؤسسة النفط.
خلافات في ليبيا حول ملف
الطاقة
وأكد الأكاديمي والمهتم
بالشأن السياسي حسن عبد المولى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ملف
الطاقة في ليبيا تحوّل إلى قضية تقع في مركز الخلافات السياسية لأسباب منها ما هو
متصل بصراع أقطاب الحكم في ليبيا ومنها ما هو في دائرة التنافس الدولي المحموم في
ليبيا، معبراً عن اعتقاده بأن التغييرات الجارية في مناصب قيادة المؤسسات السيادية
على صلة بالمبادرة الأممية التي أعلنتها القائمة بأعمال رئيس البعثة في ليبيا
ستيفاني خوري، أخيراً، من جانب تبنيها بشكل واضح مسار الإصلاحات الاقتصادية كطريق
لتوحيد المؤسسة الليبية، بالتوازي مع المسار السياسي، بما فيه من إصلاح للقوانين
الانتخابية وجعلها قابلة للتنفيذ. ولفت إلى أن مبادرة خوري "تحظى بدعم أميركي
وأوروبي، والإعلان عنها ينتظر ترتيبات وحسابات مصالحها، لكن التمهيد لها بدأ
فعلياً منذ أزمة المصرف المركزي (خلال شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول الماضيين) التي
أدارت مفاوضاتها خوري، وانتهت باختيار شخصية محافظ المصرف الجديد" ناجي عيسى
بلقاسم، مشيراً إلى أن المحافظ شخصية محايدة وتمكن من إصدار حزمة من القرارات
والإجراءات في سياق إصلاح السياسات النقدية.
وشبّه عبد المولى ظروف
اختيار بديل بن قدارة الحالية بالظروف التي أحاطت باختيار محافظ المصرف المركزي،
معتبراً أن ما يدور في كواليس المؤسسات السيادية الليبية هو إعادة بناء كوادرها
بهدف وضع اليد على المراكز الأساسية التي يدور حولها الصراع بين جميع الأطراف
وتحييدها. وعزز رأيه بالتزامن بين الذهاب لتغيير إدارة المؤسسة الوطنية للنفط،
وتالياً مؤسسة الاستثمار، وطبيعة القرارات التي أصدرها مجلس الأمن أخيراً، التي
قضت بالسماح برفع جزئي عن الأصول الليبية المجمدة في الخارج، وهددت المتورطين في
تصدير النفط خارج شرعية مؤسسة النفط بالعقوبات.
والسبت الماضي، قرر مجلس
الأمن الموافقة على طلب للمؤسسة الليبية للاستثمار، التي تدير أصولاً بالمليارات
في الخارج، بإدارة جزء من الأموال المجمدة بالخارج تحاشياً لتآكلها. كما حذر
المجلس من استمرار عمليات التصدير غير المشروع للنفط، وهدد بتطبيق عقوبات على
المتورطين في هذا النوع من التصدير.
ضغوط غربية لتغيير قيادات
المؤسسات السيادية
وتحقق الضغوط الغربية
باتجاه تغيير القيادات العليا في المؤسسات السيادية الرقابة على مصادر المال
والسيطرة عليها وحرمان الأطراف الليبية من توظيفها لتعزيز حالة الصراع، وفقاً لعبد
المولى، الذي رأى أيضاً أن ذلك يأتي كخطوة في طريق إرغامها على القبول بنتائج
الحوار الذي ستطلقه البعثة الأممية. وأضاف: "البعثة صرحت بأن خطتها المقبلة
ستهدف إلى تفكيك أسباب النزاع العميقة بين الأطراف، ومن دون شك أن النفط ومنابعه
وإدارة موارده باتت محل صراع ومفاوضات، ومن دون شك أيضاً في أن خطاب الاستقرار
الذي رفعته البعثة شعاراً لخطتها هدفه إعادة الاستقرار النسبي للبلاد بعدما تحوّلت
إلى مصدر خوف كبير بالنسبة للغرب، لا سيما مع تزايد الحديث عن اضطرار روسيا لنقل
ثقلها العسكري من سورية إلى ليبيا".
ويبدو أن القرارات التي
أصدرها النائب العام الليبي الصديق الصور، خلال الساعات الماضية، وتتعلق بملف
النفط، تصب في ذات الاتجاه، فقد وجه مكتب النائب العام للمؤسسة الوطنية للنفط
خطابين، الأول يتعلق بوقف آلية مبادلة النفط بالوقود التي تتبعها المؤسسة منذ
سنوات، والثاني يتعلق بوقف العمل على مشروع الاستثمار في حقل الحمادة (جنوب
طرابلس)، وهو المشروع الذي أثار جدلاً واسعاً خلال الأشهر الماضية وتسبب في تصعيد
عسكري وتوتر أمني في أغسطس الماضي بين معسكر حفتر وقوات حكومة الوحدة الوطنية، على
خلفية رغبة الأخيرة في توقيع عقود مع شركات أجنبية للاستثمار في الحقل بمعزل عن
مؤسسة النفط.
وقد تكون قرارات النائب
العام صدى لقرارات مجلس الأمن، خاصة بالنظر لتزامنها، بحسب الناشط الليبي جمعة
شليبك، لكنه لا يرى في ذات الوقت صلة لها بالحراك الذي تقوده خوري من أجل تفعيل
مبادرتها السياسية التي تحتاج زمناً طويلاً لتُحدث أثراً ملموساً. ورأى شليبك، في
حديث لـ"العربي الجديد"، أن التغييرات في مواقع قيادة المؤسسات السيادية
"لن تفيد في تحقيق تغيير سريع، فخطة خوري تتبنى نهج التغيير البطيء اللازم
لتعزيز هدفها وهو الاستقرار الدائم".
ولفت شليبك إلى جملة من
المتغيرات الإقليمية المرتبطة بالأحداث في سورية وفلسطين وتداعياتها على وضوح
المواقف الدولية، بالإضافة لما يُنتظر من وضوح في السياسة الأميركية في عهد
إدارتها الجديدة، معتبراً أن "كل هذه الأحداث تفرز معطيات متوالية ومتسارعة
لا يشكل فيها ملف ليبيا جزءاً كبيراً إلا من ناحية القلق الغربي من إمكانية نقل
روسيا قواعدها من سورية إلى ليبيا". ووافق شليبك على أن التغيير في قيادات
المؤسسات في ليبيا جاء تحت ضغوط وتأثيرات خارجية على الأطراف المحلية، مذكّراً بأن
نهج تغيير القيادات يحدث أيضاً في البلديات من خلال الانتخابات، كونها مؤسسات حكم
محلي يمكن أن تؤثر في القرارات العليا، لكنه استدرك بالقول إن مثل هذه التغييرات "في
الإدارات الوسطى والعليا لن تؤثر بشكل كبير على واقع نفوذ جهات الصراع، فطرابلس
تحكمها مجموعات مسلحة قوية تسيطر على قرار تصدير النفط من خلال مؤسسة النفط، وحفتر
يتحكم في منابع النفط وموانئه".
واستناداً لما يراه شليبك
من ثبات مواقع الأطراف الليبية في النفط والتحكم فيه، فقد أكد أن إعادة تشكيل ملف
الطاقة والنفط لن تضيف شيئاً للوضع السياسي أكثر من تغيير في خريطة المواقع
والتحالفات، موضحاً أن "استبعاد بن قدارة يعني فشل الإمارات في قيادة ملف
النفط، فالمعلوم أنها صاحبة الفضل في وصوله لموقعه برعايتها لصفقة بين الدبيبة وحفتر،
وكذلك لصلتها بحقل الحمادة الذي احتدم الخلاف حوله. ويجب أن نلاحظ أن قرار استبعاد
بن قدارة صدر بالتزامن مع وجود حفتر في القاهرة، والدبيبة في أنقرة، وهو مؤشر آخر
لتغير خريطة التحالفات الإقليمية والدولية. وكل ما يمكن قوله الآن هو أن معالم
خريطة الصراع والتنافس الدولي والإقليمي في ليبيا قد تتغير أكثر في مقبل الأيام،
لكن الخشية هي أن يتطور لصراع أشد وأكثر حدة في مراحل مقبلة".