العدد 1646 /8-1-2025
تشهد تركيا حراكاً
سياسياً مكثفاً في الأيام الأخيرة، عنوانه اجتماعات بين حزب ديم الكردي مع الأحزاب
السياسية الأخرى، بعد لقاء أجراه وفد من الحزب مع مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد
الله أوجلان في محسبه، والحديث عن جهود تجري لإقناع "العمال الكردستاني"
بترك السلاح بدعوة من أوجلان نفسه. في هذا الوقت، ذهب بعض السياسيين، تحديداً من
حزب العدالة والتنمية الحاكم، إلى تحديد مواعيد أولية لـ"خطوات إيجابية تغيّر
تركيا" تتراوح بين فبراير/شباط ومارس/آذار المقبلين، تزامناً مع فترة عيد
النوروز.
وعاد ملف حزب العمال
الكردستاني إلى الواجهة، بعدما شهد شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي مبادرة من زعيم
حزب الحركة القومية دولت باهتشلي، وهو حليف الرئيس رجب طيب أردوغان، بمصافحة نواب
حزب ديم الكردي، ما فتح الأبواب أمام تطبيع العلاقات بينهما، أتبعها بدعوة وجّهها
إلى أوجلان لإعلان حل الحزب وترك سلاحه مقابل الاستفادة من العفو.
والتقى وفد من
"ديم" مع أوجلان في سجنه في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قبل أن يجري
الوفد سلسلة اجتماعات مع أحزاب وشخصيات سياسية تركية شملت رئيس البرلمان نعمان
قورطولموش، ولأول مرة بشكل رسمي مع باهتشلي. كما يُنتظر أن يعقد الوفد لقاءات مع
بقية الأحزاب هذا الأسبوع، منها لقاء مع زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال
الذي طالب، يوم الجمعة الماضي، بأن تكون مرحلة اللقاءات وما يجري فيها "شفافة
تحت قبة البرلمان"، فيما أعلن الحزب "الجيد" القومي عبر زعيمه
مساواة درويش أوغلو، الجمعة الماضي، رفض حزبه لقاء "ديم".
وفي موازاة الحراك،
يواصل حزب العدالة والتنمية توجيه رسائله في هذا الإطار، منها إعلان أردوغان، في
كلمة له بولاية سامسون شمال البلاد، السبت الماضي، أن هناك طريقين أمام حزب العمال
الكردستاني لا ثالث لهما. وقال: "سننقذ بلدنا من آفة الإرهاب في أقرب وقت
ممكن. نحن مصممون وحازمون ومركزون على الهدف، حيث إن دائرة التنظيم الإرهابي
والإرهابيين تضيق تدريجياً، فإما أن يتخلى المسلحون الانفصاليون عن أسلحتهم في
أسرع وقت ممكن أو سيتم دفنهم مع أسلحتهم. لا يوجد طريق ثالث، يتوجب على الجميع
الآن أن يقبلوا هذه الحقيقة: لقد انتهى عصر السلاح والعنف والإرهاب". وفي
الأشهر الماضية، لوّح أردوغان بعصا عزل رؤساء البلديات عن حزب "ديم"،
قبل أن ينفذ هذا التهديد عبر عزل عدد من رؤساء البلديات في مناطق عديدة.
وفي الوقت نفسه، قال
النائب عن "العدالة والتنمية" حسين يايمان، في لقاء صحافي أول من أمس
السبت، إن "زعيم حزب العمال الكردستاني أوجلان سيطلب من منظمته إلقاء السلاح.
هناك طريقتان (لتحقيق ذلك)، أوجلان يرد على دعوة باهتشلي لإلقاء السلاح، حيث إنه
ليس هناك سبب يجعل الحزب مستمراً في الجبال، بعد أن تم حل جميع المشاكل التي حدثت
عندما لجأ حزب العمال الكردستاني إلى الجبال". وأضاف: "تظل قضية التعليم
باللغة الأم"، لافتاً إلى أن "الدولة تقول إنها مستعدة لنقاش ذلك، لكن
عليك أن تضع سلاحك جانباً".
وفيما تساءل يايمان
"ماذا سيحدث إذا رفض حزب العمال الكردستاني دعوة أوجلان"، أتبع ذلك
بالقول إن "هذا يظهر أن هناك منظمة إرهابية انفصلت عن هذا الواقع، وإذا واصلت
القتال فإن تركيا دولة كبيرة وستفعل ما يلزم". مع العلم أن يايمان أعرب عن
اعتقاده، في تصريح صحافي في البرلمان قبل أيام، أن "المناخ الذي سيتم فيه
إلقاء الأسلحة في تركيا وتسليمها وعدم قيام حزب العمال الكردستاني بأي نشاط سيكون
على جدول الأعمال ومناقشته بشكل أكثر تفصيلاً في فبراير (المقبل)، وإذا سارت
الأمور على ما يرام أرى أنه سيكون هناك تطورات مهمة للغاية في فبراير. تطورات من
شأنها أن تغير تاريخ تركيا بطريقة إيجابية وتسمح لتركيا بالتقدم خطوات إلى الأمام".
وتبع ذلك تصريح آخر من النائب
الكردي عن ديار بكر في حزب العدالة والتنمية، غالب أنصاري أوغلو، يوم الجمعة
الماضي، أعلن فيه أنه "إذا استمرت المرحلة بشكل إيجابي فإنها ستتوضح في
فبراير، وأعتقد أن الأسلحة سيتم إلقاؤها بحلول النوروز"، وهو ما يصادف الـ21
مارس المقبل.
وقالت مصادر مطلعة في
حزب العدالة والتنمية، لـ"العربي الجديد": "لا يزال المسار (العمل
على إلقاء السلاح) مستمراً، وهناك محافظة على التفاؤل والايجابية وإصرار من الحزب
للحصول على نتيجة ملموسة"، فيما رفض حزب ديم التعقيب على التطورات الجارية.
حل قريب لموضوع القضية
الكردية
وتعقيباً على التطورات
الجارية، قال الكاتب والباحث طه عودة أوغلو لـ"العربي الجديد":
"أعتقد أن هناك تطورا مهما خلال المرحلة الحالية، خصوصاً اللقاءات التي
أجراها وفد حزب ديم وآخرها كان مع زعيم حزب الحركة القومية، وهي إشارات واضحة إلى
أنه خلال المرحلة الحالية فإن حل القضية الكردية أقرب من المراحل التي شهدتها خلال
العقود الماضية". وأضاف: "هناك عوامل عديدة، في مقدمتها التطورات أو
المتغيرات الدولية، منها سقوط النظام في سورية، والجميع يحاول قدر الإمكان إنهاء
المشاكل. تركيا تحاول إنهاء المشكلة الكردية داخلياً لكنها ترتطم حالياً بموضوع
(قوات سوريا الديمقراطية) "قسد" في شمال شرق سورية، وهي مرهونة
بالتطورات القادمة بين أنقرة وواشنطن، أي بعد وصول الرئيس (دونالد) ترامب
(للسلطة). لذا أعتقد أن هناك جدية من الجانب التركي لحل هذه المشكلة".
وأضاف عودة أوغلو:
"المسار يسير حالياً من دون أي عقبات، خصوصاً بعد المبادرة التي أطلقها
باهتشلي. اليوم نتحدث عن تطورات متسارعة في هذا الملف، خاصة أن بعض وسائل الإعلام
تحدثت، خلال الأيام الأخيرة، أن فبراير المقبل سيشهد تطوراً كبيراً فيما يتعلق
بتسليم حزب العمال الكردستاني للسلاح". وتابع: "كلها تطورات مفاجئة
للغاية، خاصة فيما يتعلق بتسارع هذا المشهد. أعتقد أن الجانب التركي يتحرك على
مسارين: الأول سياسي كبير ومتسارع داخلياً، وتابعنا الزيارات التي قام بها وفد
الحزب الكردي. وهناك مسار عسكري، وهو متعلق بشكل كبير بموضوع قسد، وكأن أنقرة تؤكد
وتشير وتقول إن يدها مرفوعة للسلام. لكن إذا فشل هذا المسار فإن المواجهة العسكرية
ستكون حاضرة".
وعن مستقبل المسألة
الكردية، قال عودة أوغلو إن "المشكلة الكردية ليست مسألة بسيطة، بل تعتبر من
أعقد المشاكل والقضايا في الشرق الأوسط بعد القضية الفلسطينية. لكن نستطيع أن نقول
نحن على أبواب مرحلة جديدة، أو أبواب البدايات لنهاية هذه المشكلة وهذه القضية
الصعبة المعقدة. هناك نية وجدية لدى الجانب التركي، والعوامل الخارجية يمكن أن
تسرع من هذا الملف، خاصة وصول إدارة أميركية جديدة أكدت سابقاً أنها لا تريد
الدخول في حروب، وتريد ملفات التنمية والاقتصاد، لذا تركيا أيضاً تحاول قدر
الإمكان أن تنهي هذه المشكلة التي أرهقتها على مدى العقود الأربعة الماضية".