العدد 1650 /5-2-2025

ارتبكت الحكومة المصرية عقب صدور قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تعليق تمويل المؤسسات المحلية والدولية المرتبطة بميزانية الوكالة الدولية للإنماء الدولي(USAID). يأتي ذلك رغم استثناء المساعدات العسكرية لمصر من قراره الذي أحدث فوضى داخل المؤسسات الأميركية، إذ أثار القرار مخاوف مصرية من أخطار صعوبة تمويل مشروعات مواجهة الفقر وأخرى تعليمية وصحية، كانت تستفيد منها أعداد كبيرة من المصريين محدودي الدخل.

التزمت الحكومة المصرية بتحمل مصروفات المبعوثين في الداخل والخارج المتأثرين بتبعات القرار الأميركي، بينما لم تلتفت إلى الآثار الجانبية لخطورة القرار على باقي القطاعات الأخرى بالدولة.

من بين 35 جهة مانحة للتمويل والمساعدات الإنسانية لمصر، تابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وسويسرا وكندا وبريطانيا واليابان والفاتيكان وألمانيا وإيطاليا، تمثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، عبر مكتبها الضخم في حي المعادي جنوبي العاصمة، أهم مصادر التمويل للجمعيات الحكومية والحقوقية ومنظمات المجتمع المدني التابعة للقطاع الخاص، العاملة في مصر. تركز الوكالة دعمها على مجالات الزراعة والمساواة بين الجنسين، ومشروعات مواجهة الفقر في المناطق العشوائية بالقاهرة، وشديدة الفقر في محافظات جنوب مصر.

ويقع نحو ثلث المصريين تحت خط الفقر، حسب بيانات رسمية، وكانت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية، مايا مرسي، قالت في شهر ديسمبر الماضي في كلمة لها أمام البرلمان، إن هناك 12 مليون أسرة مصرية تحت خط الفقر، استفاد منها نحو 7.4 ملايين أسرة من برنامج الدعم النقدي المشروط، خلال السنوات السبع الأخيرة.

ودفع التزام الحكومة بسياسات صندوق النقد الدولي، التي تركز على تحرير سعر صرف الجنيه، ورفع معدلات الفائدة للحد من التضخم، المزيد من المصريين تحت خط الفقر. ويقدّر البنك الدولي عدد السكان الذين يعانون من الفقر في مصر بنحو 60%، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة، إثر تعويم الجنيه خمس مرات منذ عام 2016.

تمويل برامج فقراء مصر

تتضمن أنشطة المعونة الأميركية، وفقاً لمصدر من مؤسسة حقوقية، تمويل برامج لاستيراد السلع للفقراء والتمويل النقدي وأنشطة الدعم الفني وتوفير خبراء مهارات التنمية والتقدم المؤسسي، وإدارة الموارد البيئية والحكم الرشيد والحوار المجتمعي وتنمية المشروعات الصغيرة، وتدريب القضاة والصحافيين والعاملين في وزارتي الصحة والسكان والتعليم الأساسي.

أكد المصدر الحقوقي لـ"العربي الجديد" أنه منذ صدور الأمر التنفيذي للرئيس الأميركي دونالد ترامب الاثنين الماضي، بوقف مؤقت مدته 90 يوماً، للمساعدات التنموية الخارجية، ارتبكت أعمال وزارات التعليم والصحة والمجلس القومي لحقوق الإنسان. وتشهد الجهات التابعة للوكالة الأميركية للإنماء الدولي بالقاهرة(USAID) حالة من الفوضى، خاصة التي تصرف رواتبها بالكامل من أموال المعونة أو بتمويل جزئي لمرتبات الخبراء ممن يعملون في مكاتب صحية وإدارية ومراكز بحثية واقتصادية.

اشترط ترامب إجراء مراجعة كاملة للمساعدات الخارجية الإنمائية، خلال فترة توقف مدتها 90 يوماً، لقياس كفاءة الصرف والاتساق مع سياساته الخارجية، والتي على ضوئها سيحدد ما إذا كانت هناك فترة تمديد جديدة أو إلغاء تام للمعونة.

في تصريحات صحافية أعلن وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو، استثناء التمويل العسكري الأجنبي لإسرائيل ومصر والنفقات الإدارية والرواتب اللازمة لإدارة التمويل العسكري الأجنبي، والمساعدات الإنسانية الطارئة التي يتولى الطرفان إدخالها إلى غزة، لتنفيذ وقف إطلاق النار، والمناطق التي تواجه أزمات الجوع في كل من السودان وغيرها من القرار التنفيذي، مستهدفاً مراجعة جميع النفقات الأميركية في الخارج، لجعل "أميركا أكثر أماناً وأكثر ازدهاراً".

وسط اعتراض قضائي وبرلماني، علق ترامب منحا وقروضا فيدرالية بقيمة 3 تريليونات دولار، وبرامج إنسانية وتنموية، في أنحاء العالم، منها نحو 300 مليون دولار لمصر، تتعلق بمشروعات تنمية القرى الأكثر فقرا، تقع ضمن البرنامج الحكومي "تكافل وكرامة" تختص بمد خطوط مياه الشرب والصرف الصحي بالقرى النائية وتوفير المأوى في الأحياء الفقيرة، بما يعرقل تنفيذ العديد من المشروعات القائمة، والمستحدثة في خطة الحكومة خلال العام المالي 2024-2025، وفقاً لتصريحات برلماني سابق مطلع على خطط "تكافل وكرامة".

عمقت قرارات ترامب مخاوف العاملين في المنظمات الحقوقية، الذين يرون في المنح والمساعدات الأميركية والدولية الملاذ الضامن لبقاء أنشطتهم التي تعاني من تضييق شديد من الأجهزة الأمنية، وتحول دون قدرتهم على الحصول على الدعم المالي من المؤسسات والداعمين المحليين.

تفاصيل المساعدات الاقتصادية والعسكرية

وفقاً لبيانات الخارجية الأميركية تخصص واشنطن نحو 68 مليار دولار لمشروعات الدعم الإنمائي والعسكري على مستوى العالم، تحصل مصر منها على 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية، توجه سنوياً في إطار الرعاية الأميركية لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، التي تحصل على ضعف المبالغ المخصصة لمصر، بينما بلغت 40 مليار دولار عام 2024، في إطار الدعم الأميركي للعدوان الإسرائيلي على غزة.

قدمت الوكالة الأميركية للإنماء مساعدات اقتصادية وتنموية بقيمة 259 مليون دولار لمصر عام 2024، مرتفعة من 130 مليون دولار عام 2023، وفقا لبيانات السفارة الأميركية بالقاهرة، التي تبزر حصول مصر على 30 مليار دولار من مساعدات الوكالة، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978.

تراجعت أموال المعونة الأميركية للقطاعات المدنية من 1.5 مليار دولار في ثمانينيات القرن الماضي، إلى نحو 250 مليونا مطلع القرن الحالي وبشدة قبيل نهاية ثورة 25 يناير، حيث ظلت واشنطن تربطها بمدى إحراز مصر تقدماً في مؤشرات حقوق الإنسان، انتهت بقصرها عند 150 مليون دولار، مع توجيه المبالغ المخصصة للدولة إلى مشروعات محددة بذاتها، تدار عبر مؤسسات المجتمع المدني التي تشمل منظمات حقوقية ومنظمات الأعمال.

جمدت الخارجية الأميركية نحو 500 مليون دولار مستحقة لمصر، عن ثلاث سنوات متتالية، عقب اقتحام الأجهزة الأمنية المؤسسات الحقوقية التابعة للحزب الجمهوري والممولة منها بالقاهرة، عام 2011، المعروفة بقضية "التمويل الأجنبي" والتي محتها السلطات الشهر الماضي، بإسقاط كافة التهم الموجهة للمتهمين، بعد ملاحقات جنائية استمرت 12 عاماً.

استحدثت الحكومة منظمات غير رسمية، تعمل ضمن إطار المنظمات الأهلية للحصول على الأموال المخصصة من المعونة الأميركية للمجتمع المدني، ضمن توافق بين الحكومة ومسؤولي المعونة، الذين استهدفوا دعم المؤسسات الاقتصادية والمدنية العاملة بعيدا عن المؤسسة العسكرية، بينما اشترطت الحكومة خضوع جميع المشروعات الممولة للأجهزة الأمنية، مع موافقتها على الأشخاص القائمين بها.

تضرر مشروعات صحية وتعليمية

أكد مدير مركز الأورام بجامعة القاهرة الأسبق مدحت خفاجي، خطورة قرارات ترامب على برامج التطعيم التي تمولها منظمة الصحة العالمية، في مصر، تشمل تطعيمات مرحلتي ما بعد الولادة وقبل المدرسة، ومواجهة وباء الكبد الفيروسي، مشيرا إلى تمويل المنظمة الحملة لمواجهة الوباء على امتداد السنوات الخمس الماضية، للحد من تفشي الوباء الذي انتشر بين غالبية المواطنين ويهدد حياة 25% آخرين ممن تمكّن منهم المرض أو انتقل بهم إلى مستويات خطيرة، أدت إلى التليف الكبدي والإصابة بالسرطان.

يوضح خفاجي أن منظمة الصحة العالمية تنفق على علاج المرضي بالإيدز من المصريين والأجانب المقيمين واللاجئين، خاصة من جنوب السودان وإثيوبيا، حيث تتعدى جرعة العلاج الشهري نحو 6000 جنيه، مبيناً أن هذه الفئة أغلبهم بدون دخل وبلا مظلة تأمينية، وتركهم بدون علاج يهدد حياة الآخرين ممن حولهم.

أبلغ المتحدث باسم وزارة التعليم العالي عادل عبد الغفار وسائل الإعلام، بأن الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية ستتولى تغطية نفقات 877 طالبا، مع موافقة الجامعة الأميركية في القاهرة على تمويل نفقات 207 طلاب آخرين، من المسجلين على قرار برامج المنح الأميركية، لحين انتهاء الأزمة أو تخرجهم بدون أية أعباء عليهم.

تقدم رجال أعمال مصريون لدفع نفقات التعليم للطلاب المدرجين في الجامعة الأميركية بالقاهرة، المعرضين لفقدان قدرتهم على استكمال مشوارهم التعليمي المتأثرين سلباً بقرارات ترامب.

تأثيرات غير مباشرة على اقتصاد مصر

يؤكد اقتصاديون عدم تأثر الاقتصاد المصري مباشرة بقرار وقف تمويل المنظمات الدولية، وإدارة المعونة في مصر، لافتين إلى إمكانية تأثيره بطريقة غير مباشرة على الأنشطة المتصلة بقطاعات التعليم والصحة والأمن الغذائي ودعم اللاجئين، التي يمكن تعويضها عبر زيادة التعاون مع الاتحاد الأوربي والدول العربية وتمويل الدعم المحلي لمشاريع التنمية، خاصة المرتبطة بالمناطق الفقيرة والعشوائية ومشروعات تكافل وكرامة.

يدعو الاقتصاديون الحكومة إلى مشاركة الدول العربية والصين واليابان والاتحاد الأوروبي في تحمل المساعدات التي تأتي عبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" للفلسطينيين في مصر، حيث بلغت نحو 12.2 مليون دولار عام 2024، ولا تشكل قيمة كبيرة لمواجهة ضغوط ترامب والحظر الإسرائيلي على أنشطتها بالأراضي المحتلة.