العدد 1507 /6-4-2022
تتفاقم الأوضاع السياسية في
السودان، التي بدأت في التدهور منذ انقلاب 25 تشرين الأول الماضي، فيما يبدو الأفق
مسدوداً أمام أي حلول أو تسويات سياسية أو انتصار طرف على الآخر، بحسب ما يتمناه كل
طرف.
وبعد أكثر من 150 يوماً على
الانقلاب العسكري، عجز قادته عن إقناع الشارع المنتفض برغبتهم في تصحيح مسار الثورة،
ولم يتمكنوا في تعيين رئيس وزراء جديد عقب استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في
2 يناير/كانون الثاني الماضي.
وفي الوقت نفسه تشهد الخرطوم
فلتاناً أمنياً وعمليات نهب واسعة، مع استمرار النزاعات القبلية في العديد من المناطق،
خصوصاً في إقليم دارفور، غربي البلاد، وقد أودت بحياة العشرات منذ الانقلاب.
خارجياً، دخل السودان عقب
انقلاب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في عزلة دولية، وأوقفت مؤسسات التمويل
الدولية والحكومات كل ما كانت تقدمه من مساعدات مالية في شكل قروض ومنح وهبات لحكومة
حمدوك.
كما ولج السودان في حسابات
معقدة مع الغرب بعد زيارة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"
لروسيا تزامناً مع الغزو لأوكرانيا (بين 23 فبراير/شباط و2 مارس/آذار الماضيين) وتجدد
الحديث عن القاعدة الروسية على سواحل البحر الأحمر، وهو أمر أقلق السعودية ومصر.
وعلى الضفة الأخرى، فإن القوى
المناهضة للانقلاب العسكري، لا تزال في حالة تشتت، مع تمسك كل طرف فيها بموقفه من الآخر،
فلجان المقاومة السودانية التي تشرف على الحراك الثوري أعدّت ميثاقاً سياسياً ألزمت
قوى إعلان الحرية والتغيير بالاعتذار عن شراكتها مع العسكر خلال الفترة السابقة.
وأيّد الحزب الشيوعي وتجمع
المهنيين السودانيين اللجان، التي اقترحت توقيع كل حزب بمفرده على الميثاق، وليس عبر
تحالفات، وهو ما ترفضه قوى الحرية والتغيير.
كذلك ترفض لجان المقاومة وتجمع
المهنيين مبدأ التفاوض مع العسكر، حتى من خلال المبادرة الأممية وامتنعت عن الجلوس
مع المبعوث الأممي إلى السودان فولكر بيرتس، لكن "الحرية والتغيير" تعاطت
مع المبادرة بشرط إنهاء الحالة الانقلابية وإشراك أطراف دولية أخرى.
ومع تواصل المليونيات الأسبوعية
في وسط الخرطوم والمواكب ببقية المدن، والأشكال الأخرى المناوئة للانقلاب العسكري لأكثر
من خمسة أشهر، يبدو أن المحتجين بعيدون على الأقل عن تحقيق هدفهم الرئيسي بإسقاط الانقلاب،
وإن كانت لجان المقاومة، دينامو الحراك الثوري، تراهن على شهر إبريل/نيسان الحالي باعتباره
شهر انتصارات الثورات السودانية تاريخياً.
وتراهن اللجان على ما تعدّه
من حراك ثوري، لتكرار ما حدث في 6 إبريل 2019 في عهد الرئيس المعزول عمر البشير بالاعتصام
أمام محيط قيادة الجيش حتى إسقاط النظام. وسبق أن أسقط السودانيون نظام الرئيس الأسبق
جعفر النميري في انتفاضة إبريل 1985.
طبيعة الوضع الراهن في السودان،
لخصها بيرتس من خلال تقرير قدمه لمجلس الأمن الدولي، يوم الإثنين الماضي، عبّر فيه
عن قتامة المشهد السوداني من نواحيه السياسية والاقتصادية والإنسانية والأمنية.
وقال: "للأسف، لم تتحسن
الحالة في السودان منذ إحاطتي الأخيرة لمجلس الأمن في يناير، والبلاد من دون حكومة
عاملة منذ انقلاب 25 أكتوبر، والاحتجاجات ضد الانقلاب والقمع العنيف لها مستمرّان،
وفي غياب اتفاق سياسي للعودة إلى مسار انتقالي مقبول، فإن الحالة الاقتصادية والحالة
الإنسانية والحالة الأمنية آخذة في التدهور".
وحذّر بيرتس، من تقارير وصفها
بالمقلقة عن ازدياد التوترات بين مختلف قوات الأمن وداخلها، قبل الإشارة إلى أنه في
حال عدم التوصل إلى حل سياسي، فقد ينحدر السودان إلى الصراع والانقسامات كما هو حاصل
في ليبيا أو اليمن أو أي مكان آخر.
ويأمل المبعوث الأممي في أن
تُسفر المشاورات، التي أطلقها في 8 يناير الماضي، عن الخروج من الأزمة بإجراءات دستورية
مؤقتة وتشكيل الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية، والتوافق على رئيس وزراء لإدارة
الفترة الانتقالية، وبرنامج حكومي يركز على أولويات قابلة للتحقق مثل إجراء الانتخابات.
وتوقع المبعوث، أن يعمل المكون
العسكري على بناء الثقة بين الأطراف، بدءاً من رفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين
السياسيين ووقف العنف تجاه التظاهرات السلمية.
بطء المبادرة الأممية
في السودان
لكن اللافت أكثر، أن المبادرة
الأممية في السودان يكتنفها البطء، ولا تجد ترحيباً من العديد من الأحزاب السياسية،
ومن لجان المقاومة بشكل أوضح، وحتى المكون العسكري لديه تحفظات صريحة عليها بل وعلى
مجمل أداء رئيس البعثة الأممية.
ولم يُبد الطرفان المدني والعسكري
أي مرونة أو رغبة في تقديم تنازلات، أو على الأقل إظهار حسن النوايا. فقوى إعلان الحرية
والتغيير، وفي بيان رسمي صدر بعد جلسة مجلس الأمن الأخيرة، تصر على إشراك أطراف أخرى
في الإشراف على العملية التفاوضية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجموعة
دول الترويكا (الولايات المتحدة، بريطانيا، النرويج)، وتمسكت كذلك بمدنية الحكم خلال
ما تبقى من فترة انتقالية وعودة العسكر لثكناتهم.
وأكدت أن الحديث عن عملية
سياسية تحقق الحكم المدني الديمقراطي، لن تنجح من دون تهيئة البيئة المناسبة وتحقيق
إجراءات بناء الثقة، وفي مقدمتها الإفراج عن جميع المعتقلين ورفع حالة الطوارئ ووقف
العنف ضد المرأة.
وحول هذه التطورات، يوضح القيادي
في الحرية والتغيير، عمار حمودة في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن تحالفهم
يبحث بحرص عن مخرج آمن للبلاد من أزمتها بأقل كلفة، وأن التحالف مستعد لتقديم كل التنازلات
الممكنة في إطار المسموح به.
وتحدث عن استعداد الحرية والتغيير
على تشكيل حكومة مدنية بعيدة عن العسكر، على أن يتم تشكيل مجلس قومي للأمن والدفاع
تديره المؤسسة العسكرية.
وتحدث أيضاً عن موافقة الحرية
والتغيير على عدم إشراكها في أي حكومة مقبلة، على أن يتم تشكيلها من كفاءات وطنية ومستقلين،
تكون مهمتها الأساسية التحضير للانتخابات وإنجاز ما تبقى من الفترة الانتقالية.
غير أن رئيس تحرير صحيفة
"الجريدة"، الصحافي أشرف عبد العزيز، رأى أن أي خطوة أحادية الجانب من المكون
العسكري لتعيين رئيس وزراء جديد لن تلقى القبول من غالبية الأطراف وستؤزم الأوضاع أكثر.
واعتبر ، أن مقدمات تلك الخطوة
ظهرت بقرارات أصدرها قائد الانقلاب، يوم الثلاثاء الماضي، قضت بإقالة مديري الجامعات
وتعيين بدلاء عنهم، في مصادرة صريحة للوثيقة الدستورية التي لا تمنحه تلك الصلاحيات،
بالتالي فإن أي رئيس وزراء يعين حالياً سيكون ضعيفاً أمام سيطرة وتمدد الجيش والدعم
السريع.
واعتبر عبد العزيز أن لا أمل
يلوح في آخر النفق الحالي مع تمسك الانقلاب بسلطته ورفع قوى الثورة الحية لشعارات
"لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية" محمّلاً المكون العسكري النسبة الكبرى من
المسؤولية في ما يحدث لإلغائه للآخر وتعامله العنيف مع الاحتجاجات السلمية.
ورأى في المقابل، أن قوى الثورة
لا تتحمّل إلا القليل لأنها رفعت شعارات واضحة منذ البداية، وارتضت بالشراكة مع العسكر
على الرغم من فض اعتصام محيط قيادة الجيش، فكان جزاؤها الانقلاب عليها، لكن من حقها
الآن المناداة بعودة العسكر لثكناتهم.
من جهته، رأى الأمين السياسي
لحزب المؤتمر الشعبي، كمال عمر، أن لا مخرج من الأزمة الراهنة غير إعداد وثيقة دستورية
جديدة وتوافق سياسي جديد، وقبل ذلك وحدة قوى الثورة.
عبد الحميد عوض