أحمد حمزة

يبدو واضحاً أنّ النظام السوري يواصل تنفيذ مخططاته وعملياته العسكرية في مختلف المناطق السورية، بمعزلٍ عن اتفاقية وقف إطلاق النار، التي وافق عليها دون إبداء أي التزام بها، منذ سريانها نهاية كانون الأول الماضي؛ إذ لا تزال مناطق سيطرة المعارضة السورية بمحيط دمشق وحمص وإدلب وغيرها، تشهدُ قصفاً وغارات يومية، كحال حيّ الوعر غربي مدينة حمص، الذي يُعتبر آخر معقلٍ للمعارضة السورية في هذه المدينة، بعدما دُمرت أحياء حمص القديمة، وغادرها آخر من بقي فيها من الأهالي مع مقاتلي المعارضة قبل نحو ثلاث سنوات.
وفيما كانت اللجنة المُمَثلة لحي الوعر، تَهُم بمغادرته نحو النقطة التي كان مقرراً عُقد اجتماع فيها مع ممثلين عن النظام، وبحضور ضابطٍ روسي من قاعدة حميميم الجوية، عاودت الطائرات الحربية استهداف الحيّ. وتعرض حيّ الوعر لنحو 12 غارة، أدت إلى مقتل مدنيَّين اثنين على الأقل، وإصابة خمسة عشر آخرين.
وتأتي هذه الغارات ضمن تصعيد النظام المتواصل على حي الوعر المُحاصر أساساً، والذي اشتدت وتيرته منذ نحو شهر. ويتحدث ناشطو «مركز حمص الإعلامي» عن مقتل أكثر من أربعين مدنياً في آخر ثلاثين يوماً فقط، ويعتبرون أن ذلك يترافق مع تجدد الاجتماعات بين لجنة الحيّ التي تسعى إلى تجنيب أهله مصير التهجير، وبين لجنة النظام الطامح لإخضاع الحي وإنهاء تواجد مقاتلي المعارضة من آخر نقاط تمركزهم داخل مدينة حمص.
كما يقول المتحدث باسم «مركز حمص الإعلامي» محمد السباعي، إن النظام وفي أعقاب أي تفجيرٍ يستهدف مقراته الأمنية، يصبّ جام غضبه على الوعر، مستجيباً لمطالب حاضنته الشعبية في حمص، التي تدعو علناً إلى «إبادة حي الوعر»، لكونه خارج سيطرة النظام. ويشير السباعي إلى أن هذه المطالبات ارتفعت حدَّتها، بعد الهجمات التي تبنتها «جبهة فتح الشام»(النصرة)، واستهدفت أفرعاً أمنية للنظام يوم الخامس والعشرين من شهر شباط الماضي، وقُتل على إثرها ضباط أمن في النظام، أبرزهم رئيس فرع الأمن العسكري في حمص حسن دعبول.
ومنذ سنة 2015، توصلت لجنة تمثل المعارضة السورية في الوعر، لاتفاقية مع النظام، تتألف من عدة مراحل، وتقضي بالمحصلة إلى فك الحصار عن الحي، والإفراج عن مئات المعتقلين من حمص، وتبيان أحوال آلاف آخرين في المعتقلات، مقابل البدء بخروج عناصر «جبهة النصرة» حينها، والمقاتلين الرافضين للاتفاق إلى ريف حمص الشمالي وإدلب.
لكن على الرغم من خروج حوالى ألفي مقاتل مع عائلاتهم وجرحى، على دفعات سنة 2016 من حي الوعر، لم يلتزم النظام بالبنود المتعلقة بالإفراج عن المعتقلين أو تبيان أحوالهم، فيما أعاد حصار الحي بشكل كامل، بعد أن فَكّهُ جزئياً، ما أدى إلى تعثر تنفيذ الاتفاق، الذي دخلت روسيا على خطه، من خلال حضور ممثلين عسكريين روس من مطار حميميم للاجتماعات التي تجري بين لجنتي النظام والمعارضة.
في هذا السّياق، يرى الناشط الذي ينحدر من حمص، جلال التلاوي، أنّ «القصف الجوي على حيّ الوعر (خلال هذه الأيام) من قوات النظام السوري، يأتي كدلالة على عدم القبول بما طرحته روسيا، ومع أنّ الرسائل الروسية تتضمن التهجير وفرض الوصاية، لكنّها لا تسمح لقوات النظام بدخول الحي».
ويرى الناشط نفسه أنّ «قصف النظام يدلّ على عدم رضى إيران عن وضع الحي تحت الوصاية الروسية»، موضحاً أنّ طهران «تريد دخول قوات النظام والمليشيات الطائفية إلى الحيّ»، مؤكداً أنّ وفد المعارضة السورية أبدى استعداده للتفاوض مع الروس، بعدما وجّهوا رسائل عبر وسطاء.
ويذهب ناشطون آخرون، إلى أن الروس أنفسهم، ولو اختلفوا في طريقة التنفيذ مع الإيرانيين، يحاولون الآن إعادة نفس سيناريو تهجير مناطق محيط دمشق في حيّ الوعر، لتأمين السيطرة على مدينة حمص بالكامل. ويحدث ذلك بعد أن هجروا أهالي أحياء حمص القديمة قبل نحو ثلاث سنوات، ما أخل بديمغرافية مدينة حمص؛ إذ غادرها معظم سكانها المحليين، وبات معظم السكان من حينها، هم المقيمين في الأحياء الموالية للنظام (أبرزها: الزهراء والنزهة وعكرمة).
ويقع حي الوعر قرب منطقة عسكرية، تحوي أضخم ثكناتٍ لقوات النظام داخل مدينة حمص، وأبرزها الكلية الحربية وكلية المدرعات، وكلية الشؤون الفنية والأشغال العسكرية والمشفى العسكري.
ويُعرف الوعر رسمياً باسم حمص الجديدة، ويبعد نحو خمسة كيلومتراتٍ غرباً من وسط مدينة حمص، على الضفة الغربية لنهر العاصي. وتسيطر المعارضة حالياً على معظم مناطق بساتين الوعر، وكذلك على المناطق السكنية (الوعر القديم والجزر الثماني) التي تؤوي حالياً نحو خمسةٍ وسبعين ألف نسمة، مُحاصرين داخل مساحة تبلغ أقل من اثنَي كيلومتر مربع.
وفي الحيّ أكثر من خمسة آلاف مقاتل، بحسب مختلف المصادر، تنتمي غالبيتهم إلى «حركة أحرار الشام الإسلامية». كذلك توجد مجموعاتٌ عسكرية أخرى تابعة للجيش السوري الحر، تُعرف بـ«هيئة حماية المدنيين».