كلمة الأمان
العدد 1685 /15-10-2025
عشرة أشهر بالتمام والكمال مضت على الحكم السوري الجديد في دمشق حتى قرّر إيفاد أول شخصية رفيعة المستوى إلى بيروت، حيث وصل إلى العاصمة وزير الخارجية السورية، أسعد الشيباني على رأس وفد سورية كبير يوم 10/10/2025، هذا علماً أنّ المسافة بين دمشق وبيروت لا تتجاوز مسافة ساعة سفر بالسيّارة في حيث طاف الشيباني عواصم القرار بدءاً من واشنطن ونيويورك وصولاً إلى موسكو مروراً بباريس وبرلين فضلاً عن عواصم الأشقاء في الرياض والدوحة والقاهرة وأنقرة وغيرها، فلماذا تأخرت زيارة المسؤول السوري؟ وماذا حمل معه فيها؟
الحكم السوري الجديد في سورية رسم لنفسه أولوية قبل كل شيء التركيز على فرض الاستقرار في البلد، والعمل على رفع العقوبات والحصار الذي كان مفروضاً على سورية أيّام النظام البائد، وإعادة تشكيل الدولة ومؤسساتها من جديد، وبالتالي فقد انصبّ جهده خلال الشهور الماضية على هذه الاستحقاقات من دون أن يعني ذلك عدم الاهتمام أو الاكتراث للعلاقات مع دول الجوار العربي، وفي المقدمة منها لبنان، ولعلّ هذا ما جعل الزيارة تتأخّر إلى هذا الوقت، من دون أن يكون لدى دمشق وقيادتها الجديدة أيّ موقف سلبي تجاه لبنان، وإن كان لديهم مأخذاً على بعض القوى والجهات السياسية اللبنانية التي انخرطت بالدفاع عن النظام البائد، من دون أن يشمل ذلك لبنان الدولة أو الشعب الذي وقف موقفاً مشرّفاً خلال سنوات الثورة إلى جانبها وإلى جانب الشعب السوري؛ وقد أكّد على هذه المعاني الرئيس السوري، أحمد الشرع، أكثر من مرّة خلال لقائه واستقباله مسؤولين لبنانيين خلال الشهور السابقة.
وبالعودة إلى زيارة الوزير الشيباني فقد كانت زيارة إجرائية ركّزت على ملفات تنفيذية تتصل بملف الحدود والموقوفين السوريين في السجون اللبنانية وملف اللاجئين بشكل أساسي، والتقى الوزير خلالها رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية، وأسقط من جدول لقاءاته رئيس المجلس النيابي نبيه برّي علماً أنّه أبرز شخصية سياسية رسمية في لبنان ولكنّ موقعه ليس تنفيذياً إنّما تشريعي، وهنا ربّما تكون الرسالة السياسية المخفية التي أرادت الحكومة السورية تسجيلها، ومفادها أنّها كما لا تتعامل مع شخصيات سياسية خارج إطار المواقع الرسمية، فهي لن تتعاطى حتى مع شخصيات رسمية خارج إطار الملفات المطروحة، وربما يكون هذا العنوان الذي قاربت فيه أو اعتمدته لشرح حيثيات الزيارة، ولكن يبدو في عمق هذا الإجراء يكمن موقف سياسي تجاه الرئيس برّي ليس على مواقفه السابقة من النظام السوري البائد ودعمه السياسي اللامحدود له، ولا على انتمائه وتمثيله للطائفة الشيعية في لبنان، إنّما على دعمه وتغطيته لمواقف وسياسات حزب الله في البلد حتى بعد إسقاط النظام السوري البائد، وحتى بعد كلّ المتغيّرات التي حصلت في المنطقة، هذا علماً أنّ الرئيس الشرع تحدث عن طي صفحة الماضي مع حزب الله بالنظر إلى تحدّيات المرحلة الحالية والمستقبلية، سواء بالنسبة للبنان أو بالنسبة لسورية.
لقد حمل الوزير السوري ملفات مهمّة إلى لبنان ووضع الكرة الآن في ملعب المسؤولين اللبنانيين. أعلن عن إلغاء المجلس الأعلى السوري اللبناني الذي كان قد تشكّل زمن الوجود السوري في لبنان، والذي كان بديلاً عن العلاقات الطبيعية بين البلدين. وأعلن الوزري السوري الوقوف على مسافة من كلّ اللبنانيين، وأشار إلى أنّ الكثير من السياسيين اللبنانيين يرغبون في زيارة دمشق ولقاء القيادة السورية التي تفضّل التعامل من دولة إلى دولة، ولا تريد زمن الزبائنية في العلاقة بين الجانبين. أكّد وشدّد على عدم التدخّل في الشأن الآخر، وبحث الملفات التي جاء من أجلها ووعد بالايجابية الكامل من أجل إيجاد الحلول لها. كما حمل دعوة رسمية من الرئيس الشرع للرئيس جوزيف عون لزيارة سورية، وتأكيد حرص الرئيس الشرع على أفضل العلاقات مع لبنان، والشيء بالشيء يُذكر في هذا السياق، حيث سُجّل على رئيس الجمهورية موقف غير موفّق فيه عندما استقبل قبل زيارة الوزير الشيباني بأيام قليلة (48 ساعة) رئيس حزب التوحيد اللبناني وئام وهّاب، في القصر الجمهوري وهو المعروف بمواقفه السلبية من الرئس السوري والنظام الجديد، وتصل الأمور معه على مواقع التوصل الاجتماعي إلى حدود شتم وسبّ الرئيس السوري حتى أنّه نُقل أنّ القضاء السوري ادعى عليه وبات مطلوباً للحكومة السورية؛ فبدت زيارة وهّاب إلى القصر الجمهوري بتوقيتها، واستقبال الرئيس له كما لو أنّها وقبل استقبال الوزير الشيباني كما لو أنّها تحمل رسالة سلبية للحكومة السورية والنظام الجديد في دمشق وليس في ذلك أيّ مصلحة للبنان، خاصة وأنّه لم يبدر من النظام الجديد أيّ موقف سلبي تجاه لبنان حتى الآن.
لبنان أمام فرصة تاريخية لإعادة نسج علاقته مع سورية بعيداً عن المناكفات والمواقف المسبقة والسياسات الصبيانية، والكرة الآن في ملعب لبنان فإمّا أن يقوم بواجبه وفق ما تتطلبه سياسة الدول، وإمّا أن يشرّع الباب من جديد لتدخلات خارج إطار الدولة ومفهومها ومؤسساتها.
|
كلمة الأمان
العدد 1684 /8-10-2025
مرّ عامان على انطلاق معركة "طوفان الأقصى" حيث سطّرت المقاومة الفلسطينية صفحة من صفحات العزّ والبطولة من خلال اقتحامها لمواقع ومعاقل قوات الاحتلال الإسرائيلي في غلاف غزّة، وتمكّنت من السيطرة على مساحة تقدّر بضعفي مساحة القطاع المحرّر وبلغ عناصر المقاومة مواقع سرّية للاحتلال خلال ساعات قليلة وبما أكّد أنّ هزيمة كيان الاحتلال وتحرير فلسطين ليس مستحيلاً، وبما سدّد لهذا الكيان ضربة قويّة وقاسية هي بمثابة المسمار الأخير في نعش هذا الكيان وهو ما سيتأكّد للجميع قريباً. عامان مرّا والمقاومة الفلسطينية صامدة تقاوم وتواجه ليس "الجيش الإسرائيلي" فحسب، إنّما جيوش دول عديدة وضعت نفسها وخبرتها وآلتها الحربية في تصرّف قوات الاحتلال، وقد صمدت المقاومة وواجهت وتحدّت كلّ هذه الجيوش، ولم تضعف ولم تتراجع على الرغم من حجم المجازر التي ارتكبها الاحتلال بحقّ المدنيين، وبحقّ البنية التحتية المدنية، وما زالت ثابتة ولم تعط للاحتلال فرصة تحقيق أهدافه التي رفعها منذ بداية عدوانه على غزّة، فما زالت تحتفظ بالأسرى، وما زالت تحكم القطاع، وما زالت تدير المفاوضات غير المباشرة باقتدار، وما زالت تربك الحسابات الإسرائيلية وتبدّد وهمهم في إمكانية القضاء عليها.
ولكن على الرغم من كلّ ذلك فما زال من يعتقد أنّ المقاومة الفلسطينية هُزمت في هذه المواجهة، وأنّه عليها إلقاء السلاح والخضوع لشروط الاحتلال الذي لم يستطع أن يحقّق بالقوّة والمجازر والدعم الخارجي شيئاً سوى الخيبة، وهنا لا بدّ من التذكير أنّ نتائج الحروب والمعارك لها معايير محدّدة بها يمكن معرفة مدى النصر والهزيمة.
على المستوى السياسي الخارجي، ولأول مرّة يجري عزل كيان الاحتلال الإسرائيلي في العالم وقد بدا ذلك واضحاً عندما صعد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على منصة الأمم المتحدة فخرجت معظم الوفود ورفضت الاستماع إليه في رسالة تعبير واضحة عن عزل كيانه، فضلاً عن ملاحقته هو شخصياً مع بعض فريقه الحكومي أمام المحاكم الدولية بجرم ارتكاب جرائم حرب. وفي موازاة ذلك تابعنا اعتراف أكثر من مئة وخمسين دولة في العالم بدولة فلسطين وهو ما يفشل كل مشاريع "إسرائيل" في الضمّ والتهويد والتوسّع ويعيق هذه المشاريع الإسرائيلية الطموحة.
وعلى المستوى السياسي الداخلي الإسرائيلي، فقد عمّقت معركة "طوفان الأقصى" الخلاف الداخلي الإسرائيلي وصولاً إلى اتهامات بالخيانة واستغلال المنصب والملاحقات القضائية وتفتيت المجتمع الإسرائيلي، وكلّ ذلك سيكون له تأثيره الحالي والمستقبلي على كيان الاحتلال.
أمّا على المستوى السياسي الفلسطيني، فقد عرّت معركة "طوفان الأقصى" اتفاقات التسوية وأوهام السلام مع الاحتلال، وكشفت السلطة الفلسطينية التي تنسّق أمنياً معه، كما كشفت مواقف العديد من الأطراف العربية التي كانت تسير في ركب التطبيع، ويمكن القول إنّها أفشلت هذا المسار، خاصة عندما دفعت قادة كيان الاحتلال إلى الاعتراف بنوياهم لناحية إقامة "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات.
على مستوى الخسائر الاقتصادية، فإنّه مما لا شكّ فيه أنّ حجم الدمار الذي ألحقته قوات الاحتلال بقطاع غزة كبير جداً، وبالتالي فإنّ كلفة الإعمار كبيرة أيضاً؛ غير أنّ الخسائر التي لحقت بكيان الاحتلال الإسرائيلي كبيرة أيضاً وربما تفوق بأضعاف حجم الخسائر الاقتصادية التي لحق بالقطاع، وقد يستغرب البعض هذا الكلام، ولكن التركيز قليلاً على حجم خسائر كيان الاحتلال على مستوى خسائر الدبابات والآليات، وكلفة الطلعات الجويّة للطائرات، وتوقف المطارات والموانئ، وحجم الأضرار التي أصابت مدن إسرائيلية خلال المواجهات وإطلاق موجات صاروخية من القطاع أو من خارجه، كل ذلك قد يفوق حجم الخسائر الاقتصادية للقطاع.
على مستوى الخسائر البشرية في الأرواح، تمكّنت قوات الاحتلال وبفضل آلتها الحربية المتطوّرة التي ارتكبت المجازر والإبادة الجماعية، من تكبيد الشعب الفلسطيني خسائر كبيرة وغالية وثمينة حيث بلغت أعداد الشهداء عشرات الآلاف، والجرحى مئات آلاف الجرحى، والمهجّرين بمئات الآلاف أيضاً، ةهذه كلفة باهظة وكبيرة. غير أنّ المقاومة الفلسطينية ألحقت أيضاً بقوات الاحتلال خسائر بشرية كبيرة لأول مرّة في تاريخ المعارك والمواجهات بين قوات الاحتلال والجيوش العربية، فقد اعترفت قوات الاحتلال بمقتل وجرح آلاف الجنود، فضلاً عن الانكسار النفسي المعنوي لديهم حيث لجأ المئات منهم إلى الانتحار. إلى ذلك فإنّ طبيعة الحروب هي أن يسقط فيها القتلى والجرحى والدمار، وقد تكون الكلفة فيها عالية أو قليلة ولكن يبقى الأبرز فيها هو النتائج التي تستقر عليها في النهاية، وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى تقديم بعض الشعوب الملايين من أبنائها في معركة التحرير من الاحتلال كما في حالة الشعب الجزائري، وقد نال في نهاية المطاف استقلاله وتمكّن من طرد الاحتلال من الجزائر.
الأبرز بعدعامين على انطلاق معركة "طوفان الأقصى" أنّ المقاومة الفلسطينية ما زالت صامدة في الميدان، وأنّ الاحتلال يضغط عليها من خلال استهداف المدنيين لإرغام المقاومة على تقديم التنازلات. كما وأنّ من نتائج هذه المعركة أنّ كيان الاحتلال بدأ يفقد الدعم الخارجي تدريجياً، والأهمّ أنّ فكرة الإيمان بالهجرة إلى "إسرائيل" نسفت في أصل وجودها وبالتالي فَقَدَ الاحتلال مبرّر وجوده، وبالتالي فإنّ أيامه لم تعد طويلة حتى لو استمرّ بمجازره بحقّ المدنيين.
بهذه المعاني فإنّ معركة "طوفان الأقصى" دقّت المسمار الأخير في نعش كيان الاحتلال، ويبقى سقوطه وانهياره مجرد وقت.
د. وائل نجم
|
كلمة الأمان
العدد 1683 /1-10-2025
توّج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقاءاته على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بإعلان خطته لما سمّاه السلام وإنهاء الحرب والعدوان على غزة، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سبقه لقاء مشترك بين ترامب ورؤساء ووزراء مثّلوا عدداً من الدول العربية والإسلامية، وتضمّنت خطة ترامب لـ "السلام" التي نشرها البيت الأبيض عشرين بنداً شدّدت بشكل أساسي على إنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، وإلقاء السلاح واستسلام قادة فصائل المقاومة وعناصرها والتخلّي عن المطالبة بالحقوق الفلسطينية أو الخروج من غزة إلى أيّ بلد آخر في العالم، كما تضمّنت الخطّة انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة بشكل متدرّج مع الاحتفاظ ببعض النقاط فيه دون تحديد مهل زمنية، وتشكيل مجلس حكم دولي برئاسة ترامب وتكليف رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، لاحقاً حاكمية القطاع مع شخصيات فلسطينية تكنوقراط مستقلّة، وتشكيل قوة أممية عربية إسلامية لإرساء النظام في القطاع فضلاً عن التعهّد بإدخال مساعدات إنسانية للسكّان، والبدء في إعادة الإعمار بشكل تدريجي، وتضمّنت الخطّة أيضاً تعهداً أمريكياً بعدم ضمّ الضفة الغربية إلى كيان الاحتلال، فيما لم تتضمّن الخطّة بشكل صريح على إقامة دولة فلسطينية مستقلّة وعاصمتها القدس، وإن كانت تضمّنت الحديث عن مسار يفضي لاحقاً إلى قيام دولة فلسطينية ولكن من دون الحديث عن مهل زمنية وتواريخ لكلّ ذلك. إضافة إلى ينود أخرى.
رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي أعلن موافقته على الخطّة ورهن التنفيذ بموافقة قوى المقاومة الفلسطينية حيث سأل أكثر من مرّة عن قبول "حماس" لهذه الخطّة، والموقف فيما لو رفضت. بينما رحّبت دول عربية وإسلامية بالخطّة وأبدت استعدادها للتعاون مع ترامب في إنجاحها، غير أنّها سرعان ما اكتشفت وأعلنت أنّ ما جرى الحديث عنه والاتفاق عليه مع ترامب في اللقاء الواسع المشترك الذي انعقد في وقت سابق جرى إدخال تعديلات عليه بما يوافق الرؤية الإسرائيلية لإنهاء الحرب، أو ربما يتوافق ويتطابق معها، كما لو أنّها تريد القول إنّ الخطّة المعلنة مختلفة في بعض بنودها عن البنود التي تمّ الاتفاق عليها، وبالتالي فإنّها ربما أرادت أن تقول بطريقة غير مباشرة إنّها غير موافقة على الخطّة.
من جهتها المقاومة الفلسطينية وفي ردّ سريع وقبل دراسة بنود الخطّة بشكل تفصيلي وهادئ، رفض الأمين العام للجهاد الإسلامي زياد نخالة الخطّة، واعتبرها ورقة شروط استسلام تريد منه الولايات المتحدة الأمريكية إعطاء "إسرائيل" بـ "السلام" ما لم تأخذه بالحرب، بينما قالت حماس إنّها استلمت الخطّة وأنّا ستعكف على دراستها بشكل تفصيلي ومن ثمّ سترد عليها، في وقت أعطى الرئيس ترامب حماس مهلة أربعة أيام لقبول الخطّة كما هي دون أيّ تعديل أو رفضها، وهدّد بأنّ "إسرائيل" ستفعل ما يجب فعله إذا ما رفضت حماس الخطّة.
ربّما يكون ترامب معنّياً بصناعة السلام وإنهاء الحرب، إذا ما أحسّنا الظنّ بأقواله وتعهداته، وربّما يكون متواطئاً مع كيان الاحتلال ويبحث عن مخرج له يؤمّن له تحقيق أهداف عدوانه على غزّة، ولعلّ هذا هو الأرجح، وبالتالي فهو يريد أن يفرض على المقاومة الفلسطينية حلولاً على حساب حقّ الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وإقامة دولته وتقرير مصيره، وعليه فإنّ خطّة ترامب للسلام، وبغضّ النظر عن نواياه من ورائها هي وصفة واضحة للاستسلام وإلقاء السلاح والتسليم بالشروط الإسرائيلية والتخلّي عن حقّ إقامة دولة فلسطينية أو إطلاق المعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وهذا ما يستحيل على المقاومة الفلسطينية القبول به بعد أن دفعت أثماناً غالية وتمكّنت من الصمود بوجه الآلة الإسرائيلية ومنعتها من تحقيق أهداقها على مدى عامين من الصمود والتضحيات وتكبيد الاحتلال خسائر فادحة مادية ومعنوية وسياسية وكان آخرها مشهد عزلة نتنياهو في الجمعة العامة للأمم المتحدة.
خطّة ترامب للسلام وصفة استسلام واضحة قد تفتح المنطقة على غير ما يشتهيه ترامب، وقد تشعل مزيداً من الحروب خاصة وأنّ نتنياهو وفريقه في السلطة والحكومة يطمحون لإقامة "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل ويرون أنّ الفرصة مؤاتية لذلك في هذه المرحلة.
|
كلمة الأمان
العدد 1682 /24-9-2025
أكثر من مئة وأربعين دولة في العالم اعترفت بالدولة الفلسطينية بعضها تُعتبر حليفة للولايات المتحدة الأمريكية ومن أبرزها فرنسا وبريطانيا وكندا في رسالة واضحة واعتراض واضح لكيان الاحتلال الإسرائيلي وسياساته في فلسطين وتجاه المنطقة، ورفضاً لسياسات التهجير و"التطهير العرقي" والبلطجة السياسية التي يمارسها الاحتلال.
في موازاة هذا الاعتراف على الرغم من الرفض الأمريكي له حيث مُنع رئيس السلطة الفلسطينية من الحضور إلى الأمم المتحدة لإلقاء كلمة فلسطين أمام الجمعية العامة، ازدادت عزلة كيان الاحتلال على المستوى العالمي حيث تبدّى وظهر ذلك بشكل واضح عندما انسحبت معظم الوفود العالمية من قاعة الأمم المتحدة عندما اعتلى رئيس وزراء كيان الاحتلال المدان أمام محكمة الجنايات الدولة بتهم ارتكاب مجازر حرب وإبادة جماعية، بنيامين نتنياهو، عندما اعتلى المنصّة لإلقاء كلمة كيانه.
من الواضح أنّ العالم ضاق ذرعاً بتصرّفات كيان الاحتلال، ربما ليس تضامناً مع الشعب الفلسطيني ولا حبّاً به، ولا اعترافاً بحقوقه، خاصة تلك الدول المعروفة بأطماعها وماضيه وتاريخها القائم على الاحتلال والتحكّم بمصير المنطقة، ولكن هذا العالم ضاق ذرعاً بكيان الاحتلال لأنّه رأى في سياساته وأطماعه وخططه ما يُفسد على تلك الدولة وذاك العالم برامجه وأطماعه وخططه؛ ضاق ذرعاً لأنّ كيان الاحتلال راح يفكّر بالتوسّع لإقامة "إسرائيل الكبرى" التي إذا ما تمكّن من إقامتها فستتحكّم بمصير الكثير من الدول من خلال التحكّم بمصير جزء كبير من النفط والغاز فضلاً عن الممرات البحرية والجوية والبرّية التي تتحكّم بدورها بطرق التجارة الدولية. وربما ليس مهمّاً الخلفية التي جعلت الكثير من دول العالم تندفع للاعتراف بدولة فلسطين، وبالطبع لكلّ منها دوافعه وليس هناك دافع واحد للجميع، ولكنّ المهمّ أنّ هذا الاعتراف أعطى قوّة دفع للقضية الفلسطينية، ووسّع العزلة الدولية التي بدأت تُفرض على كيان الاحتلال، وأكّد أنّ حلم "إسرائيل الكبرى" غير قابل للتحقّق، أو على أقلّ تقدير دونه عقبات وصعوبات كثيرة وكبيرة.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعني في علم السياسة أنّ فلسطين هي أرض وشعب ونظام، وهذا يعني رفض سياسات كيان الاحتلال ورفض عمليات الضمّ التي يقوم بها أو يخطط لها في الضفة الغربية أو القدس لأنّها جزء من أرض الدولة الفلسطينية. الاعتراف بالدولة الفلسطينية يفتح الطريق لحلّ يقوم على أساس حلّ الدولتين الذي اقترحته الدول العربية في العام 2002 في قمّة بيروت. غير أنّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية دون إرفاق ذلك بإجراءات دولية عالمية لحماية هذا الاعتراف أو لتجسيده فعلياً على أرض الواقع يبقى ناقصاً ويبقى دون طموحات الشعب الفلسطيني بل كل الشعوب الطامحة للحرية والمساندة والمؤيدة لها، وبالتالي فإنّ غياب الإجراءات الرادعة للاحتلال، والداعمة لإقامة الدولة الفلسطينية سيتيح للاحتلال الاستمرار في جرائمه ومضيه في توسيع نفوذه على حساب دول المنطقة وعلى حساب القوانين الدولية وهذا بدوره ما قد يؤسّس لنزاعات وحروب جديدة لا تنتهي فصولاً.
|
كلمة الأمان
العدد 1681 /17-9-2025
بعد العدوان الإسرائيلي على منازل ومكاتب قادة في حركة حماس من أعضاء وفد التفاوض في العاصمة القطرية الدوحة بهدف قتلهم والتخلّص منهم ومن عملية التفاوض من ناحية، وبهدف فرض وتكريس قواعد جديدة في "الشرق الأوسط" ودول جوار فلسطين المحتلة من ناحية ثانية بحيث يصبح كيان الاحتلال الإسرائيلي صاحب الكلمة الفصل واليد الطولى في المنطقة، والمقرّر لسياساتها وأوضاعها فيما تتحوّل بقية دول وحكومات المنطقة إلى مجرد أدوات عنده ولديه تقوم بما يمليه عليها وما يؤمّن له المصالح؛ بعد هذا العدوان، ومع استشعار خطورة المرحلة المقبلة، تداعت الدول العربية والإسلامية، من أعضاء جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، إلى قمّة مشتركة انعقدت في العاصمة القطرية الدوحة التي تعرّضت للعدوان، وقد حضر في القمّة قادة ورؤساء وملوك وأمراء من الصفّ الأوّل، كدليل على خطورة المرحلة، وصعوبة التحدّي، وصلافة العدو. فهل حقّقت هذه القمّة ما كانت ترنو إليه؟ أو لنقل ما كانت ترنو إليه بعض الحكومات والدول؟ أو بشكل أدقّ ما كانت ترنو إليه الشعوب العربية والإسلامية؟
نحن في صفّ الشعوب التي تتطلّع إلى مساعدة الشعب الفلسطيني المنكوب، وتتألّم لألمه، وتحزن لحزنه، وتستشيط غضباً لما يصيبه من جرائم يرتكبها الاحتلال بحقّ الأطفال والنساء والشيوخ دون أدنى رأفة أو رحمة أو احترام لمواثيق وحقوق إنسان أو كرامة بني البشر، نحن الشعوب كنّا ننتظر من هذه القمّة غير الذي بلغنا من قراراتها، ربما صُدمنا أو لأقل صُدم الكثير منّا عندما سمع وعرف تلك القرارات التي رآها لا توازي ولا تساوي حجم التحدّيات التي باتت حاضرة ومُحدقة ليس بالشعوب والمنطقة وثرواتها، بل باتت مٌحدقة بالحكومات والأنظمة أيضاً، فهذا رئيس حكومة كيان الاحتلال لم يعد يكترث لأيّ منهم، بات يحذّر، يهدّد، يتوعّد، ثم يضرب دون شفقة أو رحمة أو احترام للعهود والمواثيق والمعاهدات التي عقدها أسلافه في قيادة هذا الكيان مع تلك الحكومات والأنظمة. نحن الشعوب كنّا ننتظر من القمّة الكثير الكثير ربما لأنّنا ما زلنا على فطرتنا وبساطتنا التي لا تفقه موازين القوى وكيف هي مائلة لصالح العدو بفضل الدعم اللامحدود واللامتناهي من الغرب من أجل بقائه واستمراره وتحكّمه بالمنطقة وأهلها وشعوبها ودولها وحكوماتها. وربما لأنّنا لا نعرف معنى الواقعية السياسية التي تكثر فيها الحسابات فيتحوّل الإنسان معها إلى حالة من الجبن والانكفاء بدل الحكمة والرزانة والحصافة واتخاذ القرار المطلوب في أعقد وأصعب لحظة بحيث يتمّ فيها السير على حافة الهاوية. وعلى سيرة الهاوية، فإذا ما استمرّ هذا الإفراط في الخضوع للواقعية السياسية فإنّ الأمّة تكاد تنزلق إلى قعر الهاوية التي يخافها أصحاب القرار تحت عنوان النجاة بأكبر قدر ممكن من السلامة والمكاسب. وربما لأنّنا نحن الشعوب نقيس الأمور بغير مقياس العقل أحياناً فلا نخضع لتلك المعادلات الدنيوية، بل نلجأ إلى قياس الأمور والمستجدات بمقياس القلب الواثق بأنّ قدر المظلوم الانتصار، وقدر الظالم الإنكسار والهزيمة ولو بعد حين، ولذلك لا نقيم أحياناً وزناً للواقعية السياسية، ونتمسك بالغيبيات التي تمدّنا بحالة من الصبر والصمود والثبات الكفيل بقلب المعادلات رأساً على عقب، فما النصر في صراعات الأمم والشعوب سوى "صبر ساعة"، و"إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون". بهذا المعنى فإنّ قرارات القمّة المشتركة لم تكن ما تمنّتها الشعوب العربية والإسلامية التي أدركت هذا التحدّي الإسرائيلي لكلّ العالم العربي والإسلامي وليس لقطر فقط أو للخليج، ولذلك كانت تأمل أن تكون القرارات على مستوى هذا التحدّي الذي يضع حدّاً لهذه الغطرسة الإسرائيلية على المنطقة، ولهذه المجزرة المروّعة بحقّ الأطفال والنساء والشيوخ والعزّل في قطاع غزة.
أمّا وقد كانت القرارات تمنيّات أكثر منها آليات عمل وتنفيذ خطط وبرامج وقرارات حقيقية تجعل المعتدي ومن يقف خلفه يعيد حساباته، ويفكّر ألف مرّة قبل أن يقدم على اتخاذ أيّة خطوة عدوانية أخرى، فإنّ ذلك سيجعله يعيد الكرّة ويجدد الاعتداء على أيّ منطقة أو مدينة أو عاصمة أخرى، إنّه يعيد تشكيل المنطقة من جديد وفق أهوائه ومصالحه، ولكن ما لا يدرك كلّه لحسابات واقعية وتداخل المصالح يمكن أن يُدرك جلّه أو بعضه لحساب التحدّيات التي ما زال بالإمكان إسقاطها إذا ما كان لدى الفاعلين وأصحاب القرار نيّة جدّية حقيقية في إطلاق المواجهة لإسقاط تلك التحدّيات، وبالتالي إنقاذ المنطقة من هذا التغوّل الذي يريد التهامها بكلّ ما ومن فيها.
|
كلمة الأمان
العدد 1680 /10-9-2025
تجاوز الكيان الإسرائيلي كلّ القواعد والمعايير المعمول بها في الأعراف والعلاقات الدولية عندما شنّ ضربات جويّة عنيفة من طائرات حربية استهدفت منازل ومكاتب لمسؤولين في حركة حماس من الوفد الذي يقود التفاوض غير المباشر مع "إسرائيل" لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى الإٍسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، والمعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، في العاصمة القطرية الدوحة.
فالهجوم الذي أتى من دون سابق إنذار شكّل عدواناً واضحاً وهمجياً على دولة قطر وسيادتها بشكل أساسي، وجريمة نكراء بحقّ وفد مدني يقوم بالتفاوض مع المعتدي (كيان الاحتلال الإسرائيلي) من أجل وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى وفك الحصار عن غزّة؛ وضرباً لكلّ المعايير والقوانين الدولية ولكلّ مبادئ العلاقات الدولية واحترام سيادة الدول؛ ومحاولة جدّية وجديدة لتكريس أعراف جديدة في هذه العلاقات تقوم على مبدأ حقّ القوّة وليس قوّة الحقّ، مبدأ البطش وشريعة الغاب حيث تكون للقوّة العسكرية الباطشة حقّ التدخّل وفرض ما تريد حيث تريد من دون أيّ اعتبار لمنظومات الحقوق المعترف بها دولياّ؛ ببساطة الهجوم أراد فرض منظومات جديدة في عالم جديد يقوم على البطش والسيطرة والقوّة. فماذا أراد كيان الاحتلال من هذا العدوان على وجه الدقّة؟
أول هدف أراده كيان الاحتلال من هذا الهجوم هو تكريس هيمنة "إسرائيل" على المنطقة بأكملها من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق ومن ضمنها منطقة الخليج، انعكاساً لخطاب رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي تحدث قبل مدّة عن "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات، وقديكون ذلك مقدّمة لهيمنة إسرائيلية على العالم كلّه حيث تشكّل هذه المنطقة، التي يتطلّع نتنياهو إليها لإقامة "إسرائيل الكبرى"، قلب العالم بحيث أنّه من يتحّكم بها يتحكّم ويحكم العالم، ولعلّ في تصريح رئيس الكنيست الإسرائيلي بعد العدوان على الدوحة ما يؤكّد نيّة الاحتلال الإسرائيلي تكريس هذه الهيمنة حيث تحدّث رئيس الكنيسة عن كون الهجوم رسالة لكلّ "الشرق الأوسط".
الهدف الثاني من وراء العدوان على الدوحة يكمن في محاولة نتنياهو القضاء على قيادة حماس وبالتالي القضاء على مسار التفاوض لوقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى لأنّه يدرك أنّ أيّ وقف للحرب الآن يعني أمراً واحداً فقط هو خسارة نتنياهو وفشله وبالتالي فتح صفحة الحساب معه. نتنياهو لا يريد ذلك، ولا يريد أن يوقف الحرب تحقيقاً لأحلامه أولاً، وهرباً من المساءلة والمحاسبة ثانياً، ولذلك أراد قتل الوفد المفاوض لإنهاء مسار التفاوض والاستمرار في الحرب على غزة. وفي الحقيقة فإنّ العدوان يعكس حجم المأزق الذي يعيشه كيان الاحتلال بشكل عام ورئيس حكومته بشكل خاص حيث فشل في تحقيق أيّ من أهدافه في قطاع غزة على الرغم من العدوان المستمر والمتواصل على القطاع منذ قرابة عامين، وعلى الرغم من حجم التدمير والمجازر التي ارتكبها بحقّ أهل القطاع، وبالتالي فإنّ العدوان على الدوحة كشف حجم هذا المأزق حيث حاول الكيان الهروب إلى الأمام من خلال هذا العدوان.
الهدف الثالث للعدوان البعث برسالة إلى دول المنطقة مفادها أنّها لن تكون بمنأى عن أي اعتداء إسرائيلي حتى لو كانت على علاقة تحالفية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكأنّ الرسالة هي للولايات المتحدة الأمريكية أكثر منها تجاه هذه الدول التي راهنت على حماية الولايات المتحدة من أي خطر يمكن أن يتهدّدها.
في مقابل هذه الأهداف أظهر العدوان الإسرائيلي على الدوحة أنّ الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية رهان خاسر، خاصة إذا كان المعتدي هو كيان الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإنّ دول المنطقة بعد هذا العدوان باتت مدعوة لإعادة النظر والتفكير في خياراتها لحماية مصالحها ونفسها من أخطار وأطماع الكيان الإسرائيلي، وإلاّ فإنّها ستجد نفسها أمام عدو يريد كلّ شيء وينظر إلى الآخرين على أنّهم خلقوا على هيئة البشر حتى يليقوا بخدمته، خاصة في ظل هذه الحكومة التي تحكم دولة الاحتلال.
كيان الاحتلال بعد هذا العدوان بات يشكّل خطراً على العالم وليس على المنطقة العربية أو ما يُسمّى بـ "الشرق الأوسط" فحسب، وعلى العالم أن يتحرّك لوضع حدّ لهذا الخطر قبل أن يفرض قواعدة وأعرافه في نظام عالمي جديد يكون هو السيّد المطاع فيه.
|
كلمة الأمان
العدد 1679 /3-9-2025
لعلّ الحكومة وضعت نفسها ومعها لبنان أمام تحدّي تنفيذ قرار حصرية السلاح المُتخذ في جلستي 5 و7 آب الماضي بعد رفض حزب الله بشكل أساسي، وربما المكوّن الشيعي معه سحب السلاح منه وحصره بيد الدولة وأجهزتها قبل تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي من القرى الجنوبية المحتلة، وقبل الحصول على ضمانات بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب.
لا جدال في أنّ من حقّ الحكومة التي تدير الدولة بوصفها سلطة تنفيذية اتخاذ قرار بحصرية السلاح بيد الأجهزة الأمنية والعسكرية، ولا جدال ولا نقاش في أنّ من حقّها ممارسة سيادتها على قرارها الوطني وعلى حدود الوطن، ولا جدال ولا نقاش في أنّ من حقّها اتخاذ القرار الذي تراه مناسباً طالما أنّها تتمتّع بثقة المجلس النيابي، وطالما أنّه دستورياً من ضمن صلاحياتها المنصوص عليها دستورياً.
غير أنّ الحقّ والقانون والدستور شيء ومصالح الوطن والمواطنين وسياسة البلاد والعباد والإبحار بهما إلى برّ الأمان شيء آخر. بمعنى آخر، ما يمكن أن يكون صحيحاً ولا مشكلة فيه ولا غبار عليها بموجب القانون والدستور قد لا يكون كذلك بموجب السياسة والمصالح المتعلقة بالبلاد والعباد.
ما يقود إلى هذا الكلام له علاقة بمجريات الأحداث والمتغيّرات التي حصلت خلال الأشهر الأخيرة أو على وجه الدقّة خلال العام 2024م في ضوء نتائج حرب كيان الاحتلال على لبنان. فكيان الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع هذه الحرب كما لو أنّه خرج منها منتصراً بشكل يعطيه الحقّ بفرض كلّ شروطه وبالتالي إخضاع لبنان وجعله منزوع الإرادة ومسلوب الحريّة، والحقيقة غير ذلك، لكنّها ليست انتصاراً مكتملاً لكيان الاحتلال؛ فلبنان صمد ولم يترك مجالاً للاحتلال للتوغّل داخل الأراضي اللبنانية إلى حيث يشاء ويشتهي، بل إنّ استهداف الاحتلال ظلّ قائماً حتى آخر لحظة قبل تنفيذ وقف إطلاق النار أو وقف "الأعمال العدائية"، وبالتالي فلا هزيمة كاملة لطرف، ولا نصراً ناجزاً أيضاً، وبذلك فإنّ استعجال نزع ورقة قوّة من يد المفاوض اللبناني ليس في صالح لبنان على الإطلاق، كما وأنّ الإبقاء على فوضى انتشار السلاح وعدم حصر المسؤولية في ذلك ليس في صالح لبنان أيضاً، وعليه فإنّ الحاجة أمام هذا التحدّي تصبح في كيفية الإفادة من كلّ قدرة وإمكانية يمكن أن تتوفّر للمفاوض اللبناني من أجل استخدامها في معركة تثبيت السيادة وحصرية قرار الحرب والسلم بيد الدولة، وحتى تظلّ البوصلة في اتجاه صحيح هو الاتجاه الذي يتموضع فيه المحتل.
الحكومة اليوم أمام تحدّي تنفيذ قرار حصرية السلاح، وبالوقت ذاته أمام تحدّي الإفادة من السلاح ومن كلّ ذرّة قوّة متوفرة للبنان بوجه الأطماع الإسرائيلية، وبما لا يُظهر موقفها كما لو أنّها متماهية مع شروط الاحتلال أو شروط ومقترحات الوسيط الذي يتولّى الوساطة مع تبنّيه الواضح للطرف المقابل، ومن هنا فإنّ جلسة يوم الجمعة التي يُنتظر أن تستعرض فيها الحكومة مقترح قيادة الجيش لتنفيذ قرار حصرية السلاح هي جلسة في غاية الأهمية والدقّة، وتستوجب تحمّل المسؤولية تجاه لبنان واللبنانيين والمستقبل.
على المقلب الآخر فإنّ تحدّي الحكومة ورفض قراراتها دون طرح البدائل المقنعة ليس فيه أدنى مصلحة وطنية، ولا حتى مصلحة لأصحابه، بل على العكس من ذلك لأنّه سيظهر كما لو أنّه بوجه بقيّة اللبنانيين، وهم بالمناسبة يشكّلون في أدنى تقدير قرابة 70% من الشعب اللبناني، وسيعطي فرصة للاحتلال لزيادة الشرخ والهوّة بين أبناء الوطن الواحد الذين يتشاركون التحدّيات والمخاطر؛ وعليه فإنّ إبداء القلق مشروع ومقبول وليس عليه أيّ تعليق أو رفض، بل على العكس فإنّ القلق ربما يساور أغلبية اللبنانيين جراء الأطماع الإسرائيلية والبرامج والخطط التي جرى الحديث عنها وتطال بقية المنطقة وليس لبنان فحسب، غير أنّ ما هو غير مشروع هو أن يتحوّل القلق والهاجس إلى أداة فتنة تطيح بالجميع.
أمام هذا الواقع والمشهد المعقّد لبنان بحاجة إلى تفهّم وتفاهم بين الجميع لا يكون على حساب الوطن ولا على حساب أيّ من مكوّناته، فكما أنّ نزع عنصر قوّة من يد لبنان ليس فيه مصلحة للبنان واللبنانيين، وبالتالي فهو غير مقبول، كذلك فإنّ انتشار السلاح دون ضوابط ودون قواعد واستراتجية أمن قومي واضحة ومعروفة لكلّ اللبنانيين، ليس في مصلحة لأيّ منهم وبالتالي فهو غير مقبول أيضاً لأنّ الاحتلال سيبقى يتخذ من ذلك ذريعة وستبقى اعتداءاته متواصلة لا توفّر أحداً من اللبنانيين.
|
كلمة الأمان
العدد 1678 /27-8-2025
ينتظر لبنان في القريب القادم أيّاماً فارقة ستحدّد مصيره ومستقبله ربما لعقود قادمة من الزمن. فالضغوط الأمريكية عليه متواصلة ومستمرة على أكثر من مستوى وبأكثر من طريقة وأسلوب، والاعتداءات الإسرائيلية لم تتوقف يوماً على الرغم من اتفاق وقف الأعمال الحربية أو العدائية في تشرين الثاني من العام 2024، والحكومة والدولة باتت بين فكّي كماشة لإنقاذ الوضع، ضغوط أمريكية وشروط إسرائيلية لوقف الاعتداءات تتمثّل بشكل رئيسي وأساسي بمطلب نزع السلاح، خاصة سلاح الصواريخ والمسيّرات والتخلّص منه عبر تفجيره، ورفض من قبل حزب الله لهذا المطلب حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى فتنة وحرب داخلية بين الدولة والحزب أو بين مكوّنات لبنانية مختلفة! وحجّة رفض تسليم السلاح في الحقيقة قويّة، فهي نقطة ومصدر قوّة بيد المفاوض اللبناني، وبالتالي يمكن استخدام هذه القوّة لتحسين شروط التفاوض ورفع المكتسبات!
الحكومة كانت قد اتخذت قراراً بحصرية السلاح بيد الدولة، وكلّفت الجيش إعداد خطّة لتنفيذ هذا القرار وتقديمها قبل بداية أيلول المقبل على أن تأخذ الخطة بالاعتبار تنفيذ هذا القرار والانتهاء منه قبل نهاية العام الجاري؛ وحزب الله رفض بشكل قاطع تسليم سلاحه، ولكنه أبدى استعداده لنقاش ذلك في طار اعتماد لبنان خطة دفاعية تأخذ بعين الاعتبار المخاطر والأطماع والتهديدات الإسرائيلية، كما طالب بأن يكون ذلك في إطار اتفاق يأخذ بعين الاعتبار تنفيذ خطوات متزامنة أو خطوة مقابل خطوة من الطرف الآخر بعد انسحابه من الأراضي التي احتلها في الحرب الأخيرة، وهذا يعني أنّ القرار ليس مقفلاً بشكل محكم وكامل على رفض حصرية السلاح إنّما هناك مطالب وشروط لا بدّ من أخذها بالحسبان، وهذا بحدّ ذاته يشكّل فرصة جدّية وحقيقية يُبنى عليها للوصول إلى أرضية مشتركة يمكن أن تكون فرصة تمكّن لبنان من مواجهة الضغوط من ناحية والتهديدات والأطماع من ناحية ثانية.
اليوم، الحقيقة لا يمكن القول إنّ شيئاً لم يتغيّر في المنطقة، فنتائج الحرب الأخيرة واضحة، وإن لم تكن حاسمة لناحية انتصار جهة أو فريق على جهة وفريق آخر؛ لقد نشأ عنها واقع جديد، وموازين جديدة، وقواعد جديدة يستلزم التعاطي معها آليات جديدة، وبناءً عليه فإنّ لبنان اليوم يختلف عن لبنان الأمس من دون أن يعني ذلك الاستسلام والانصياع لإرادة القوى الجديدة التي برزت وظهرت في المشهد اللبناني الجديد، وعليه لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار كلّ هذا المتغيّر الذي حصل.
لبنان اليوم بحاجة إلى تحصين الوضع الداخلي فيه لتمكينه من مواجهة التحدّيات الجديدة، ويأتي في صدارة ذلك تمكين الدولة من القيام بدورها وواجبها ومسؤوليتها، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن أيّة نقطة قوّة يمتلكها لبنان في مواجهة التحديّات الجديدة، وفي مقدمة ذلك سلاح وخبرة المقاومة في مواجهة الأطماع الإسرائيلية.
غير أنّ ذلك يحتاج من طرفي المعادلة اللبنانية، سواء الحكومة والقوى التي تنادي بالسيادة وحصرية السلاح، أو القوى التي ترفض سحب السلاح وتريد الاحتفاظ به، هؤلاء جميعاً بحاجة إلى الوصول إلى الاقتناع بضرورة وأهمية الوصول إلى معادلة مشتركة يشعر فيها الجميع أنّ الدولة للجميع وليست لطرف دون غيره من الأطراف أو أنّها يمكن أن تنتقم من طرف من الأطراف لاحتكارها من طرف أو أطراف أخرى؛ وأنّ السلاح للدولة أيضاً، أو يمكن أن يكون جزءاً من رؤية وخطة أمن قومي ووطني يشارك في الدفاع عن الدولة ويواجه الأطماع أو التهديدات التي يمكن أن تأتي من أيّة جهة، هو سلاح لكلّ اللبنانيين ويعنيهم جميعاً، وليس سلاحاً لحزب دون غيره من القوى السياسية، أو لطائفة أو مذهب دون غيره من الطوائف والمذاهب، وهنا تحتاج المسألة إلى تشكيل قناعة مشتركة بضرورة الانكفاء قليلاً في الطروحات عند كلّ الأطراف، فلا الحديث عن التخوين ينفع، ولا الاتهام بالعمل لحساب دول في الإقليم ينفع، ولا التهديد بالدولة للانتقام من طرف لبناني ينفع، ولا التلويح باستخدام السلاح في الداخل ينفع، ولا أيّة مواجهة داخلية بين اللبنانيين تنفع، بل على العكس لا يستفيد منها إلا الاحتلال، وعليه فإنّنا نحن في لبنان بحاجة إلى اعتماد سياسة الخطوات المتزامنة فيما بيننا أيضاً وصولاً إلى تشكيل قناعة مشتركة أنّه بإمكاننا أن نؤسس دولة تكون ضامنة وراعية للجميع وليس فيها امتيازات لأحد على حساب أحد، ولعلّ التجارب أثبتت أهمية ذلك، وأثبتت أيضاً فشل الرهان على الخارج بعيداً كان أم قريباً.
لكلّ ذلك فإنّ لبنان ينتظر أيّاماً فارقة في القريب القادم، وعلى اللبنانيين أن يحدّدوا المسارات التي سيسلكونها فإمّا أن يؤسّسوا دولة لهم جميعاً وضامنة للجميع، وإمّا أن يبقوا على لبنان ساحة لتصفية الحسابات بين المتصارعين في الإقليم وعليه.
|
كلمة الأمان
العدد 1677 /20-8-2025
لم يكن كشْف رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن نواياه الدفينة حول إقامة "إسرائيل الكبرى" بين نهري النيل في مصر والفرات في العراق اعترافاً وحيداً وشيئاً جديداً، فهو قد رفع قبل نحو عامين خريطة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك تضمّنت حدود "إسرائيل" التي يتطلّع إليها وهي تمتد بين النهرين المذكورين؛ وهي في سياسته التدميرية التهجيرية التي يمارسها في قطاع غزة حيث كشف أكثر من مرّة أنّ هدفه هو طرد الفلسطينيين من القطاع إلى أصقاع الدنيا؛ وهو في ممارسة جنوده في الضفة الغربية والقدس حيث تتم مصادرة أراضي الفلسطينيين والسيطرة عليها بقوّة السلاح والاستيطان، وهو يريد تهجيرهم تدريجياً إلى أيّ مكان في العالم من أجل ضمّ الضفة إلى "إسرائيله" المنشودة.
لقد كان نتنياهو هذه المرّة أكثر وضوحاً وصراحة في الحديث عن أهدافه التي خاض ويخوض العداون على غزّة والضفة ولبنان وسورية من أجلها، إنّها إقامة "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات مسيطراً على أجزاء من هذه البلدان إضافة إلى مصر والسعودية والكويت والعراق، وبالتالي إخاضع المنطقة كلّها لقراره وهيمنته في بلورة لما يعتبره رؤية تاريخية روحانية مزعومة.
ممارسة السياسة هذه المرّة بات على المكشوف، نزع نتنياهو قفّازاته وقناعه، وكشف عن الحقيقة التي كان يخفيها ذاك القناع وتلك القفازات، وقال على طريقته لدول المنطقة وعربها : أريد أرضكم وثرواتكم وعروشكم وأموالكم؛ أريد السيطرة على قراركم فأنا سيّدكم بعد الآن، فإمّا أن تخضعوا بالاستسلام، وإمّا أن تخضعوا بالإكراه، فلا خيار لكم بعد الآن.
الحقيقة المُرّة أنّ نتنياهو وضع "زعماء" المنطقة أمام خيار صعب، فبعد اعترافه الأخير والكشف عن طموحه لضم منطقة ما بين النهرين إلى "دولته المزعومة"، لم يعد ممكناً خداع شعوب المنطقة وأحرارها بالحديث عن نوايا سلام وتسوية مع هذا الكيان الذي اغتصب فلسطين ويتطلع لاغتصاب ما حولها بشكل واضح، وبالتالي سقطت كلّ المشاريع والبرامج والمبادرات المطروحة لإبرام "السلام" التسوية مع هذا الكيان، وبات الحديث عن هذه الخيارات بعد هذا الاعتراف مشابهاً لما قامت به النعامة عندما دسّت رأسها في الرمال ظنّاً منها أنّ الصياد لا يراها، وأيّ حديث عن "السلام" والتسوية والتطبيع بعد هذا الاعتراف هو بمثابة الاعتراف بالعجز أمام تلك الرؤية "النتنياهونية" المزعومة إذا لم يكن بمثابة الخيانة والتواطؤ معها لانتزاع المنطقة من أهلها وشعوبها وحكوماتها.
كلّ المنطقة العربية بعد اليوم أمام تحدّي الصمود أمام نوايا كيان الاحتلال ومشاريعه، بل كلّ العالم أيضاً أمام هذا التحدّي، وليس الدول التي وردت في خريطة "إسرائيل الكبرى" فقط، لأنّ هذا الكيان إنّما يتطلّع لإقامة هذه "الدولة الكبرى" حي تتحكّم بكلّ المنطقة خاصة أنّها تقع في مجال جغرافي حيوي واستراتيجي، وأكثر من ذلك فإنّ السيطرة عليها يشكّل المقدمة والمفتاح للسيطرة على منطقة الخليج كلّها، وعلى بلاد الشام، وصولاً إلى شمال أفريقياً، وهذه المنطقة في تعريف العلوم السياسية والعسكرية والاستراتيجية تشكّل قلب العالم، ومن يسيطر على قلب العالم يسيطر على العالم كلّه، ومن هنا فإنّ هذا التطلّع الإسرائيلي للسيطرة عليها لا يرتبط بمسألة تاريخية روحانية كما أوحى نتنياهو في حديثه عنها، إنّما يرتبط أساساً بتطلّعات مستقبلية تريد السيطرة والهيمنة على العالم كلّه وليس على المنطقة العربية وحدها.
أمّا فرص وإمكانية تحقّق هذا التطلّع من عدمها بالنظر على تشابك المصالح الدولية بما فيها الأمريكية والأوروبية وغيرها فتلك قضية أخرى، ولكن يبقى المهم أن يأخذ زعماء المنطقة بزمام المبادرة لمواجهة هذه المخططات لإفشالها من أجلهم ومن أجل شعوبهم ودولهم، حيث سيكتب التاريخ واحدة من شهادتين: إمّا الصمود والشرف، وإمّا السقوط والاستسلام، فماذا تراهم سيختارون؟!
|
كلمة الأمان
العدد 1665 /28-5-2025
تركّز الحديث في الأيام والأسابيع الأخيرة على مسألتي السلاح والسلام. مسألة السلاح بحيث يتم سحبه أو نزعه أو تنظيمه أو إلغاؤه أو ألخ من الصيغ؛ والسلام على اعتبار أنّه لا خيار أمام الشعوب والأنظمة والحكومات والأمم في المرحلة الحالية سوى الجنوح نحو السلام كما لو أنّه الخيار الوحيد المتبقّي.
في مسألة السلاح هناك اختلاف على تفسير ما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي لناحية السلاح جنوب الليطاني وشمال الليطاني، حتى أنّ هناك تباين داخل لبنان ذاته بين من يعتبر أنّ السلاح شمال الليطاني مشمول بالاتفاق ولا بدّ من سحبه ونزعه والإبقاء فقط على السلاح الشرعي القانوني المتمثل بسلاح الجيش وقوى الأمن الداخلي وبقية الأجهزة الرسمية المرتبطة بالدولة، وما سوى ذلك لا يُعدّ سلاحاً شرعياً بل على العكس هو سلاح "ميليشاوي" كما يسمّيه البعض؛ في مقابل من يعتبر أنّ سلاح المقاومة هو أيضاً سلاح شرعي لأنّه خلال فترة طويلة من غياب الدولة كان هو الذي يحمي البلد من اعتداءات العدو، وبالتالي فهو بحاجة إلى صيغة تنظّم بقاءه ودوره تماماً كما بقية الأجهزة العسكرية والأمنية التي تقوم بدورها ضمن الضوابط والمساحات المكلّفة بها.
البعض في الداخل يريد نزع أو سحب السلاح تحت عنوان فرض سيادة الدولة على كلّ أراضيها وعلى قرارها الوطني، ويرى أنّ السلاح خارج إطار الدولة بات يشكّل تهديداً للوطن والمواطنين أمام اعتداءات الاحتلال وهمجيته؛ والبعض الآخر يعتبر أنّ السلاح كان في فترة من الفترات ضمانة وهو الذي فرض معادلات معيّنة لصالح الوطن، وبالتالي فإنّ التخلّي عنه وتسليمه سيضعف الوطن في مواجهة الأطماع الإسرائيلية وسيجعله من دون مخالب في التصدّي لها وإفشالها، وبالتالي فإنّ هذا البعض يرفض التنازل عن السلاح وتسليمه، ويرى فيه ضمانة للوطن وأيضاً لأصحاب هذا الخيار في الدفاع عن الوطن، وإلاّ سيكونون لقمة سائغة على طاولة الأعداء.
وفي مسألة السلاح يدخل أيضاً ملف السلاح الفلسطيني في مخيمات اللاجئين الفلسطينيي، وقد وُضع على ما يبدو على نار حامية بعد زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى لبنان. والحقيقة أنّ السلاح الفلسطيني في المخيمات لا يختلف أساساً عن الأسلحة الفردية المتواجدة في أيّ بيت لبناني، فهو ليس ثقيلاً بالمعنى المستخدم في اللغة العسكرية، وهو ليس "فالتاً" كما يتمّ تصويره بل تماماً كالسلاح في البيوت اللبنانية، وأنّ حالة المخيمات تشبه إلى حد كبير وبعيد حالة أيّ بلدة أو مدينة لبنانية لناحية تطبيق القوانين والأنظمة عليها.
أمّا في موضوع السلام، فإنّ الاحتلال لا يريده ويعمل على إفشال أيّة صيغة أو طرح أو محاولة لإنهاء الصراع وإرساء السلام في المنطقة. لقد طرح القادة العرب في قمة بيروت في العام 2002 مبادرة الأرض مقابل السلام، ورفضها الاحتلال وطواها بفعل الأمر الواقع الذي فرضه في فلسطين والجولان المحتلين. ومن قبل ذلك دخلت السلطة الفلسطينية والأردن وقبلهما مصر في اتفاقات تسوية وسلام، غير أنّها لم تفضِ إلى شيء يذكر. ما زالت مصر والأردن في مرمى الخطر الإسرائيلي، وما زالت السلطة والشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس يدفعان الأثمان ولم تحصل السلطة من خلف السلام إلاّ على السراب، بل كشف الاحتلال عن نواياه وعن خططه لطرد الفلسطينيين حتى من أرض 48 التاريخية، حتى أنّ الحكومة الإسرائيلية الحالية تريد طرد الفلسطينيين إلى المملكة العربية السعودية لأنّ مساحتها كافية لاستيعابهم وثروتها كافية للصرف عليهم كما لو أنّ القضية مسألة مساحة ومال!
السلام مطلب العرب قبل أن يكون مطلب أي طرف آخر، ولكن السلام الحقيقي الذي يعطي أصحاب الحقوق حقوقهم، وليس السلام الذي يتحوّل إلى استسلام يفرض على الشعوب والأنظمة التنازل عن كلّ شيء، وتحكّم الاحتلال بكلّ شيء بعد ذلك.
بناء عليه فإنّ مقاربة مسألتي السلاح والسلام مرتبطة ببعضها البعض، والتمسّك بالسلاح هو في الحقيقة من أجل صناعة السلام الحقيقي، فلا يستعجلّن أحد تسليم السلاح حتى يضمن تأمين السلام.
|