العدد 1430 / 30-9-2020
أيمن حجازي

قذف الدكتور مصطفى أديب عبد الواحد اعتذاره في وجه الجميع ، وعاد الى السفارة اللبنانية في ألمانيا دون وجل ولا خجل ، وران الصمت في تلك اللحظة السياسية الفاصلة لبرهة من الزمن السياسي الصاخب . ووقف الرئيس الفرنسي المتطوع لحل الأزمة اللبنانية الحالية ليصب جام غضبه على الزعماء اللبنانيين كافة ، مع تخصيص الثنائي أمل - حزب الله بقسط وافر من مسؤولية تفشيل الشاب الطرابلسي اليافع الذي لم يتجاوز الخمسين من عمره . والرواية الرسمية عن إحباط مسعى مصطفى أديب وشباب طرابلس ليست يتيمة في التاريخ اللبناني الحديث ... ففي ربيع عام 1973 أحبط جمع من رؤساء الحكومات السابقين وفي مقدمهم الراحلين رشيد كرامي وصائب سلام ، محاولة النائب الطرابلسي اليافع أمين الحافظ الذي أسقطت حكومته في المجلس النيابي آنذاك .

وهذا ما يؤكد أن التاريخ يعيد نفسه في كثير من حقباته المتتالية . ولكن الهجوم الماكروني على ثنائي أمل - حزب الله لم يسقط المبادرة الفرنسية التي يعلن الجميع تمسكهم بها ، و من بينهم الثنائي المشار اليه الذي عمد الى إصدار ردود سياسية لا تؤدي الى الخروج من الحلبة بل تفسح في المجال أمام استمرار الدور الإفرنسي ضمن ضوابط تحفظ الحق الدستوري الممنوح للطوائف اللبنانية الكبيرة وغير الكبيرة . وهذا ما يجعل العلاقة الشيعية - الفرنسية تخضع لتوصيف عائلي مواز لتوصيف الأم الحنون الذي تخضع له العلاقات المارونية - الإفرنسية ، ويمكن أن نستعير في هذا الصدد لفرنسا حيال الطائفة الشيعية الكريمة دور الخالة (زوجة الأب) التي تتسم علاقاتهما بالمراوحة بين الهدوء النسبي والمساكنة والتعايش ، والتوتر النسبي والنكد والمناكفة وفق معطيات كل مرحلة من المراحل.

لم تلفظ المبادرة الفرنسية أنفاسها ولم توأد في المهد بل انها تبدو وكأنها قد كتب عليها أن تحيا الى حين إجراء اﻹنتخابات الأميريكية وتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود على الساحة الدولية . في وقت يستمر فيه النزف اللبناني المرهق في كافة المجالات الإقتصادية والمالية واﻹجتماعية ، ويزداد المواطن اللبناني سوداوية من أوضاع البلد العامة ومن كل ما يتعلق به من شؤون حياتية وصحية وتربوية باتت جميعها شائكة . ويستمر العقم السياسي متفشيا في الأرجاء ، حتى وصل الأمر بالقوى المكونة لحكومة حسان دياب الى اﻹمتناع عن الدعوة لتفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال وهو أمر دستوري بديهي يجب أن يتم اللجوء اليه حاليا . ويلاحظ على الصعيد السياسي ارتباك واضح في صفوف القوى السلطوية التي انخرطت سابقا بأعمال الثورة ( نقصد ثورة 17 تشرين الأول الماضي ) ، و اختباؤها حاليا خلف الدور الفرنسي ومن ثم عتبها المخفي على هذا الدور الذي يطمح في ما يبدو الى التعامل مع القوى والرموز الجديدة التي ظهرت في صفوف الثورة ، من خارج القوى التي كانت منخرطة في السطة مثل الحزب التقدمي الإشتراكي وحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب . ولم ينجو من هذه الحالة الا الرئيس سعد الحريري الذي منح دورا إرشاديا فاعلا في سياق المبادرة الفرنسية ،فأقدم على إرتكاب خطأه الفادح باﻹعلان عن سماحه للرئيس المكلف مصطفى أديب بتعيين وزير شيعي للمالية . وهذا ما أفقد المبادرة الفرنسية وهجها وتوازنها وموضوعيتها ، وأظهرها وكأنها تعمل تحت وطأة العلاقة الشخصية الوثيقة التي تربط الرئيس ماكرون بالرئيس سعد الدين الحريري . وهذا ما مكن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من الغمز من قناة تفلت المبادرة الفرنسية من المعايير الموحدة التي يجب أن يتم اللجوء اليها .

باختصار ... نحن ما زلنا في النفق الذي لم تظهر نهاية له حتى هذه اللحظة...

ايمن حجازي