العدد 1338 / 21-11-2018
أيمن حجازي

... وأخيراﹰ حصل اللقاء القمة بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية ، كمصالحة تاريخية بين الجانبين بعد مرور أربعين سنة على وقوع مجزرة إهدن التي أودت بحياة والد سليمان فرنجية وأمه وأفراد من عائلته ومواطنين من بلدة إهدن . ولم تكن هذه المصالحة مفاجئة لأحد في الساحة السياسية ، حيث قنوات الحوار السياسي مفتوحة بين الجانبين منذ سنوات ، والتعاون قائم على الصعيد الوزاري والنيابي ، ولولا حدّة الحساسية التاريخية للأزمة بين الجانبين لكان التحالف الانتخابي قد حصل في أكثر من موقع وميدان .

صحيح أن اندفاعة رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل السلطوية شكلت استفزازاﹰ مميزاﹰ للقوات وللمردة على حد سواء وسرع في حصول اللقاء المشار اليه ، الا أن أمورا عديدة ساهمت في تبريد الأجواء المحتدمة بين جعجع وفرنجية خلال العقد الأخير من الزمن كان أهمها :

أولا : السياق التاريخي الذي عاينه سليمان فرنجية والذي يوحي بأن القيادة الكتائبية والقواتية التي اتخذت قرار الهجوم على إهدن في ١٣ حزيران ١٩٧٨ لم يكن سمير جعجع في عدادها ، وأن الرواية الشخصية لمشاركة جعجع في الهجوم على إهدن آنذاك لم تتعدّ كونه ضابطاﹰ قواتياﹰ أصيب بجراح أخرج بسببها من الميدان .

ثانيا : العامل السياسي الذي تطور مع السنوات ، وجعل الاعتبارات والمقاييس والحسابات غير حادة ، وأن عدوى الانفتاح على الآخر لا بل على الآخرين قد أصابت الجميع في هذا الميدان اللبناني الفسيح والمزدحم في آن واحد ، وأصابت القوات والمردة اصابات مباشرة ، وبات جعجع مستعد للتحاور حتى مع حزب الله ، وصار فرنجية مهيئاﹰ للحوار واللقاء حتى مع القوات اللبنانية وسمير جعجع .

ثالثا : ان التوجه الكنسي المسيحي عموما والماروني خصوصاﹰ بكافة تجلياته اللبنانية والفاتيكانية ، كان وما يزال حاسما وحازما في التشديد على وحدة الصف المسيحي وفي الحرص على الهدوء الواجب في كل ما يعصف بين المسيحيين من خلافات وتبيانات ، لا ينبغي أن تتحول الى انقسامات وانشقاقات دفع المسيحيون ثمنها غاليا منذ نهاية الثمانينات في القرن الماضي .

رابعاﹰ : ان التسونامي الذي حذر منه وليد جنبلاط في أيار من عام ٢٠٠٥ عشيّة عودة الجنرال ميشال عون من المنفى الى لبنان قد تحقق على الساحة المسيحية خلال العامين الأولين من عمر العهد الحالي . والذي زاد من حدة التسونامي المشار اليه هو المهندس جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر وصهر الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية اللبنانية .. وذلك من خلال اعتماده أسلوبا أخاف واستفز جميع الأطراف الذين شعروا كأن الانتخابات الرئاسية القادمة باتت وشيكة . وقد عبر سليمان فرنجية عن ذلك عندما سئل عن زيارته الموعودة الى قصر بعبدا ، فكان جوابه : " بفضل جبران باسيل يبدو أنني سألتقي بسمير جعجع قبل أن ألتقي بالرئيس ميشال عون " ... ويبدو أن هذا ما حصل تماما .

ان انجاز المصالحة بين حزب القوات اللبنانية وتيار المردة يؤكد أنه لا مستحيلات في السياسة اللبنانية ، وأن الثغرات يمكن أن تردم والجسور يمكن أن تمدّ بين المتباعدين أيا كانت أسباب تباعدهم . وهذا ما يطرح الأسئلة الصعبة حول الأزمة الحكومية الحالية التي طالت واستطالت حتى باتت تقلق الأبعدين والأقربين على حد سواء . وعلى الرغم من أنني لا أعلق أي آمالا كبيرة أو صغيرة على ولادة حكومتنا الجليلة وعلى ما يمكن أن تنجزه من ابداعات ومكرمات ، الا أن الايجابية الكبيرة لحل هذه المعضلة قد تكون في معالجة فوبيا الخوف من الفراغ الحكومي الموهوم والغير قائم بفعل وجود حكومة تصريف الأعمال التي أجل وأحترم ، والتي قد أفضلها على أي حكومة قادمة توجد فيها بعض الأسماء الصادمة ...