العدد 1561 /3-5-2023
أيمن حجازي

وحدها وزارة الخارجية الأميريكية احتفت واحتفلت بمرور ستة أشهر على بداية الشغور الرئاسي اللبناني ، فأعادت تكرار المواقف الأميركية الكلاسيكية التي تتحدث عن ضرورة إيجاد رئيس غير فاسد وغير منتمي للمنظومة الحاكمة . وذلك في موقف ثوري متميز ويساري متأصل وأيديولوجي يعيدنا الى أيام اليسار السابق الذي استعار منه الأميريكيون الكثير من الشعارات والمفردات الداعية الى التغيير السياسي في لبنان الحبيب .والمعروف أن جمعا من القوى السياسية اللبنانية التي ولدت ونشأت وترعرعت وخاضت غمار الحرب الأهلية اللبنانية تحت لواء إنتمائها الحاد الى اليمين السياسي العالمي ، سبقت الإدارة الأميريكة في إستعارة الشعارات اليسارية الصاخبة والفكاهية في بعض الأحيان .

لقد أصرت الإدارة الأميركية على تناسي وتجاهل حقيقة أن معظم الساسة اللبنانيين الفاسدين كانوا وما زالوا أصدقاء متحمسين للإدارة الأميركية التي كانوا يتلقون منها على الدوام أشكالا مختلفة من الدعم . لا بل إن معظم الديكتاتوريات المنتشرة في العالم الثالث كانت صنيعة الولايات المتحدة الأميريكية .علما أن أبلغ أنواع الفساد العالمي يتمثل بالإستبداد والديكتاتورية . ولا يخفى على أحد أن كثيرا من شخصيات التكنوقراط التي تحاول الإدارة الأميريكية إيهام الرأي العام بأنهم فرس رهانها في لبنان وفي العديد من الدول التي تمر بفترات إضطراب ، قد يصبحون من محور الشر إن هم أقدموا على خطوات تنحاز الى مصالح دولهم وتتعارض مع المطامع الأميريكية المتعددة الأشكال والمظاهر . وقد تتجاوز الإدارات الأميركية المتعاقبة هذا الحد ، وصولا الى تخريب العلاقة التاريخية مع عائلات ملكية حاكمة عندما تتخذ خطوات غير خاضعة بالكامل للائحة الإنصياع الأميركي المتغطرس . وهذا ما هو حاصل جزئيا مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الذي لم يتجاوب مع مساعي الرئيس الأميريكي بايدن من أجل رفع مستوى الإنتاج النفطي السعودي بغية تخفيض الأسعار العالمية " للذهب الأسود " كما كان يسمى قبل اللجوء الى الغاز الطبيعي . وقد أضيف الى هذا التباين السعودي - الأميركي توثيق علاقة الحكم السعودي الإقتصادية والسياسية مع الصين ، والتنسيق السياسي مع روسيا في ما يتعلق بسياسات منظمة الأوبك وما يترتب عليها من حركة أسعار النفط صعودا وهبوطا وصولا الى موضوع الحرب الروسية الأوكرانية .

إن وزارة الخارجية الأميريكية " القلقة " على الوضع اللبناني تصر على إبراز زيارة السفيرة الأميريكية في بيروت دوريثي شاي الى نائب رئيس المجلس النيابي الياس أبو صعب قبيل مباشرته للجولة السياسية على العديد من القيادات السياسية والدينية في بلاد الأرز رغبة بالتأكيد بأن واشنطن لا تريد التدخل في شؤون وشجون الإستحقاق الرئاسي المتهالك . علما جولة أبو صعب المشار إليها قد لا تتعدى كونها إيذانا متكتما لفتح قناة تواصل بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل و رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع .

يمكننا القول أن جولة أبو صعب تمثل التحرك اللبناني الأوحد بين فرقاء الساحة السياسية الذي يطال سكون المياه الراكدة التي تستظل عظات البطريك الماروني بشارة الراعي والمطران الياس عودة وخطابات نائب الأمين العام لحزب الله وتغريداته حول الإستحقاق الرئاسي . ثمة تحرك جزئي ينطلق في صفوف قدامى معسكر الرابع عشر من أذار ، وصولا الى تسمية مرشح لهذا الفريق يطلق عليه تسمية " مرشح المعارضة " ويقوم به النائب غسان سكاف .

أما الغموض فإنه ما زال يكتنف الموقف السعودي الذي قال الفرنسيون أنه ليس معاديا للمرشح سليمان فرنجية . أما النائب وائل أبو فاعور فقد أكد أن وليد جنبلاط والحزب التقدمي الإشتراكي لم يتبلغ من السعوديين أي موقف جديد حيال ترشيح فرنجية . وقد كشف بعض الهمس الحاصل أن صفحة ترشيح قائد الجيش جوزيف عون لم تطوى وأنها قابلة للفتح والتفاعل من جديد ... وهذا ما قد يعيد ثنائية الترشيح بين فرنجية وجوزيف عون تحت وطأة التهيب الإقليمي والدولي من طرح أسماء رئاسية والسير بها .

مؤيدو فرنجية وداعموه موعودون بمموقف سعودي إيجابي من ترشيح الرجل ، ولكنهم قد يكونوا طموحين ومغامرين في تطلعاتهم أذا تجاوزت إحتمال تأييد جنبلاط لفرنجية بمسعى سعودي مستند الى مستجدات العلاقة الإيجابية بين طهران والرياض وصولا الى الحلم بتغيير موقف سمير جعجع من ترشيح فرنجية .

أيمن حجازي