أيمن حجازي

انقشع الغبار اﻻنتخابي وبدأت الصورة بالتبلور والوضوح والحسابات بالظهور، بعد أن وضعت اﻻنتخابات النيابية أوزارها، وباتت الخسائر واﻷرباح قيد التحديد والمعاينة. والحقيقة التي يمكن الخروج بها، أن القوى السياسية الكبرى ثبتت أقدامها وأن بعض القوى الصغرى تضاءلت أحجامها حيث يمكن الحديث عن ستّ قوى كبرى باتت تشكل أكثر من ثلاثة أرباع المجلس النيابي.
فحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والحزب التقدمي اﻻشتراكي وتيار المستقبل هي القوى الكبرى التي تحتل أكثر من تسعين مقعداً نيابياً في مجلس الـ2018. ولوحظ أنه في مقابل محافظة الثنائي الشيعي على كتلتيهما النيابيتين، كبر حجما الكتلتين المسيحيتين الممثلتين بالتيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، في الوقت الذي تراجعت فيه كتلتا تيار المستقبل والحزب التقدمي اﻻشتراكي. فكيف حصل ذلك ووفق أية معطيات؟
أقفل الثنائي الشيعي دوائر الجنوب في وجه أي تغير، وتمكنا من التمدد نحو دائرة صيدا - جزين التي اعتُبرت دائرة سنّية - مسيحية متحررة من سيطرة الصوت الشيعي الذي يطبع المساحة الجنوبية. وبناءً عليه أستعاد أسامة سعد حليف «حزب الله» مقعده النيابي الصيداوي الذي افتقده في انتخابات 2009، وتمكن إبراهيم عازار حليف حركة أمل من استعادة مقعد والده الراحل سمير عازار في جزين. أما في البقاع، فقد نجح الثنائي الشيعي في استعادة المقعدين الشيعيين في زحلة والبقاع الغربي من تيار المستقبل، فحل أنور جمعة (حزب الله) محل عقاب صقر وفاز محمد نصر الله (حركة أمل) بديلاً من أمين وهبي.
بالنسبة الى الثنائي المسيحي ممثلاً بالتيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، فإن القانون النسبي فتح آفاقاً متسعة لهما في دوائر كانت محرمة على كليهما. فبيروت اﻷولى والكورة والبترون والبقاع الغربي والشوف وعكار كانت دوائر مغلقة في وجه التيار الوطني الحر، وكانت بعبدا والمتن وجبيل وكسروان وبعلبك الهرمل موصدة في وجه حزب القوات اللبنانية. لكن النسبية فتحت هذه الدوائر لكلا الطرفين، ما أدى الى تكبير كتلتيهما النيابيتين. أما الحزب التقدمي اﻻشتراكي الذي تراجعت كتلته النيابية من 13 نائباً الى 10 نواب، فإنه تمكن من جمع المقاعد النيابية المبعثرة في بعبدا وحاصبيا والبقاع الغربي وبيروت الثانية وجرى الحؤول دون انخساف كتلته النيابية بفعل الدائرة اﻻنتخابية اﻷكبر في لبنان من خلال دمج دائرتي الشوف وعاليه ومن خلال مشاركة حلفاء قديرين في تكوين اللائحة.
أما تيار المستقبل فتمكن من الحد من خسائره الناتجة من تراجع حجم كتلته اﻻنتخابية التي وصل تعدادها الى 21 عضواً بعدما كانت تناهز 35 نائباً في المجلس النيابي السابق، مع ملاحظة انفراط عقد تحالف تيار المستقبل مع القوات اللبنانية والرئيس نجيب ميقاتي وحزب الكتائب اللبنانية والجماعة الإسلامية واللواء أشرف ريفي وانحصار التحالف مع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في مساحة ضيقة. 
في موازاة الكتل الكبيرة، تبدو الكتل التي يمتلكها حزب الكتائب وتيار المردة والحزب السوري القومي اﻻجتماعي وحزب البعث وتيار الكرامة وتيار العزم (أكبر الكتل الصغيرة)مرشحة للاستقطاب من قبل كتل كبرى.
انها انتخابات نيابية مهمة جرت بعد مخاض استمر ثماني سنوات قبل التوصل فيها الى قانون النسبية والصوت التفضيلي، هذا الصوت الذي شنّع عليه الرئيس نبيه بري، ما يطرح السؤال: متى اﻻنتخابات النيابية القادمة؟ هل تحصل كما هو مفترض في عام 2022، أم أن الخلاف على مصير الصوت التفضيلي في القانون اﻻنتخابي سيؤدي الى تجاذبات تطيل عمر مجلس 2018 أو حتى تقصره؟