العدد 1375 / 28-8-2019

نجحت القوى السياسية اللبنانية الكبرى في إجتياز آخر أزماتها الآنية التي اشتعلت في الثلاثين من حزيران الماضي إثر حادثة قبرشمون ، وتمكنت رئاسة الجمهورية من مباشرة التقليد السنوي الصيفي الذي يقضي بإنتقال رئيس الجمهورية من قصر بعبدا الى مركز الإمارة اللبنانية التاريخية في قصر بيت الدين . وقد أسهمت واقعة المصارحة والمصالحة التي شهدها قصر بعبدا قبل ثلاثة أسابيع بين وليد جنبلاط والأمير طلال إرسلان وبرعاية الرؤساء الثلاثة عون وبري والحريري ، في إحياء طقوس الإنتقال الرئاسي من بعبدا الى بيت الدين في ظل أجواء هادئة وإيجابية لا بل حميمة من خلال اللقاء العائلي الذي اقيم بين عائلة رئيس الجمهورية وعائلة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد بيك جنبلاط.

وقد حصل على هامش ذلك اللقاء العائلي الحميم تباحث ثنائي تحت سمع وبصر الرئيس عون بين جنبلاط ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ، وهو لقاء كان متعذرا جدا في ظل تراكم الإختلافات السياسية بين الجانبين والتي وصلت الى ذروتها يوم حادثة قبرشمون عندما كان جبران باسيل يقوم بإحدى جولاته السياسية والحزبية في منطقة الجبل المتداخلة درزيا ومسيحيا على المستوى السكاني . وقد جاء العدوان الصهيوني على الضاحية الجنوبية لبيروت ليل الأحد الماضي عبر الطائرات الإسرائيلية المفخخة ، ليزيد من لحمة المختلفين وليؤدي الى تلميع أجنحة الوحدة الوطنية التي تطاولت ودفعت بالرئيس سعد الحريري لأن يرد على أحد وزراء حزب القوات اللبنانية الذي كرر مقولة أمتلاك مجلس الوزراء لقرار الحرب والسلم ، بالقول إن إسرائيل هي التي أعتدت على لبنان . ما أدى الى إشادة حزب الله بهذا الموقف الحريري " الوطني والمسؤول " وفق توصيف وزير الشباب والرياضة الحاج محمد فنيش .

وبات البلد بأكمله مشدودا الى الإهتمام بالتطوات الحاصلة على صعيد العدوان الإسرائيلي وتداعياته المتنوعة التي تتحرك على خط الرد المفترض للمقاومة الإسلامة على هذا العدوان . وقد تحركت الديبلوماسية اللبنانية هذه المرة بقيادة رئيس الحكومة سعد الحريري الذي إستدعى سفراء الدول الخمس الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي وأبلغ موقف لبنان الرسمي الرافض للعدوان الصهيوني والمتمسك بحق لبنان في الدفاع عن نفسه وحماية أرضه وسيادته المنتهكتين . فيما أكد مجلس الدفاع الأعلى هذا الموقف الذي عبر عنه بشكل جلي وواضح الرئيس ميشال عون الذي أطلق على ذلك العدوان عنوان الحرب على لبنان.

وهكذا ساهم الموقف الموحد من العدوان الصهيوني عاملا إضافيا من عوامل تنقية الأجواء المحتدمة التي كانت سائدة على الساحة طوال الشهرين الماضيين . وباتت الساحة مهيأة لمباشرة الحوار السياسي - الإقتصادي المنوي عقده في قصر بعبدا في الثاني من أيلول المقبل والذي يتولى شأنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري . ما يفسح في المجال أمام السلطات المالية والأقتصادية اللبنانية معالجة معضلة التصنيفات السلبية الدولية التي أصابت الصورة " البهية " للوضع المالي اللبناني . وذلك توطئة لايجاد مخرج رضائي تسووي وغير تفجيري للتفسير والتأويل المطلوبين للمادة ٩٥ من الدستور والمتعلق بالمناصفة الذي نص عليها الدستور اللبناني وحصرها في عدد النواب وعدد الوزراء وفي موظفي الفئة الأولى ، والذي يريد التيار الوطني الحر أن تشمل كامل البنية الإدارية اللبنانية . وهي العملية التي توجه بها رسميا رئيس الجمهورية الى المجلس النيابي في حمأة التوتر السياسي الآنف خلال الأسابيع الماضية ، وحدد موعد لطرحها في العقد العادي للمجلس النيابي في تشرين أول المقبل .

لقد تعود الشعب اللبناني على تأجيل أزماته ، على قاعدة أن " أزمة تدفش أزمة " . فلا بأس ان ساهمت المواجهة الأخيرة مع العدو الإسرائيلي والتي تبدو في بدايتها ، في لفلفة أزماتنا أوتأجيلها وتبريد الساخن منها.

ايمن حجازي