العدد 1331 / 3-10-2018
أيمن حجازي

من الناحية الجغرافية يشترك تيار المردة وحزب القوات اللبنانية بتمركز قوتهما الرئيسية في الشمال اللبناني المسيحي ، حيث تتجاور بشري وزغرتا وينتميان الى المناطق الجبلية المارونية التي شكلت تاريخيا معاقل حصينة للوجود المسيحي في لبنان . فسليمان فرنجية يمثل وريث الزعامة الزغرتاوية لآل فرنجية الذين وصل أحدهم الى سدة الرئاسة اللبنانية في عام ١٩٧٠ وهو الرئيس سليمان فرنجية الذي تحول الى قطب مسيحي راسخ في الزعامة المسيحية اللبنانية . وسمير جعجع هو ابن بلدة بشري الجردية التي تجاور الأرز وتحتضن شجيراته بكل رمزيتها اللبنانية والمسيحية المتنوعة . وهما معا على طرفي نقيض في السياسة اللبنانية منذ أكثر من ربع قرن من الزمن . وقد ابتدأت علاقتهما التنافرية منذ ١٣ حزيران ١٩٧٨ تاريخ مجزرة اهدن التي سقط فيها والدي سليمان فرنجية قتلى في هجوم عسكري شنه حزب الكتائب على اهدن المحسوبة على زعامة آل فرنجية .

وقد جاء هذا الهجوم ليشكل ردا كتائبيا على ما أعتبر تنكيلا أرتكب من قبل أنصار الرئيس سليمان فرنجية بأنصار وأتباع ومسؤولي حزب الكتائب في منطقة زغرتا توج باغتيال المسؤول الكتائبي آنذاك جودي البايع . وكان جعجع حينها ( وفق ما قاله في حديث أدلى به للصحافي غسان شربل ) طالب في السنة الخامسة في كلية الطب بالجامعة اليسوعية . الى جانب توليه لمسؤولية عسكرية في حزب الكتائب أو في القوات اللبنانية جعلته مشاركا الهجوم على اهدن ليل الثالث عشر من حزيران ١٩٧٨ ... ولكن جعجع يضيف أنه قد أصيب قبل أن تقع ملحمة اهدن التي قتل فيها طوني والد سليمان فرنجية .

وعلى الرغم من تكرار الزعيم الزغرتاوي الشاب أنه لا يحمل أحقادا وأنه متسامح مع مرتكبي مجزرة اهدن ، الا أن الفجوات الكبيرة في المواقف السياسية وفي المعطيات النفسية بقيت تفعل فعلها لتبني جداراﹰ حاجزا بين المردة والقوات وبين جعجع وفرنجية . فالرجلان تفصلهما المواقف السياسية من سوريا ومن المقاومة ومن جملة المواقف الاقليمية الداخلية والخارجية . وحيث سليمان فرنجية صديق شخصياﹰ للرئيس بشار الأسد وللأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ويعتبر نفسه ابن خط المقاومة والممانعة . وحيث سمير جعجع خصم لدود للنظام السوري وحليف ودود للسياسة السعودية بشكل خاص وللسياسة الخليجية بشكل عام ، ويترتب على كل ذلك خلافات كبيرة مع حزب الله وسلاح المقاومة وكل ما له علاقة بالسياسة الايرانية في لبنان والمنطقة .

الا أن جملة تطورات محلية حصلت في الآونة الأخيرة أذابت الجليد وأحدثت خرقا جليا في الجدار الفاصل بين الفريقين .

فالفراغ الرئاسي الذي تلا نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان في ربيع عام ٢٠١٤ انتهى في خريف عام ٢٠١٦ حين تم انتخاب الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية انطلاقا من التسوية الرئاسية بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل .هذه التسوية التي أعادت الرئيس سعد الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة . وبما أن هذه التسوية الرئاسية قد حلت محل تسوية بديلة كان الرئيس نبيه بري والزعيم وليد جنبلاط ضالعان فيها ، وكانت تقضي بالاتيان بسليمان فرنجية رئيسا للجمهورية فان تداعيات سلبية قد أصابت علاقات فرنجية بالجنرال ميشال عون جراء هذا الاستبدال الجذري في التسويات الرئاسية المطروحة .

وكان من الممكن للجراح والندوب التي ترتبت على هذه التسوية أن تندمل لو أن وعد حزب الله الذي تحدث عنه سليمان فرنجية من أن الرئيس التالي للرئيس عون هو سليمان فرنجية يقوى على القيام ... ولكن مشكلة فرنجية مع عون أنه دخل الى قصر بعبدا مصطحبا معه الرئيس الموعود القادم الذي لا يوفر فرصة ولا مناسبة الا ويؤكد من خلالها أنه حاضر لتولي كل المسؤوليات ولمواجهة كل التحديات ولافتعال كل الاستفزازات المطلوبة لتأكيد حضوره وأحقيته في وراثة ما يمكن أن تتم وراثته . ما أوجد حقيقة حارة قادرة على اذابة الجليد بين أعداء الأمس سليمان فرنجية وسمير جعجع . ولا هم بعد ذلك ان حصل اللقاء بين الرجلين أم لم يحصل ... فاللقاء السياسي حصل وقد يتعزز باللقاء الشخصي بين الجانبين في سبيل تنمية الايجابيات وصولا الى افتراق في معركة رئاسية في قابل الأيام والسنين أطال الله في أعماركم أجمعين .