العدد 1424 / 12-8-2020
أيمن حجازي

الإنفجار الهائل والمروع الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من آب الحالي ، كان قويا أيضا في تداعياته السياسية التي دفعت حكومة الرئيس حسان دياب نحو الإستقالة قبل ان تطفىء شمعتها الأولى وبعد ستة أشهر من تشكيلها . وقد اتخذ هذا الإنفجار أبعادا إقليمية ودولية من جراء مسارعة معظم دول العالم الى الإدلاء بدلوها السياسي والإغاثي المتنوع الذي عكس إهتمام العديد من القوى الدولية بالساحة اللبنانية المرتبطة إرتباطا وثيقاً بالصراع المحتدم في المنطقة . وقد اتخذ هذا الإنفجار أهميته المميزة من خلال فرادته التي جعلته على مقربة ولو شكلية من القصف الأميركي الذي تعرضت له مدينة هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، وإن كان حجم خسائرنا جاء ولله الحمد متواضعا بالمقارنة مع خسائر سكان هيروشيما...

ولكن الحقيقة تقول بأن خسائرنا بالأرواح والأموال والمعنويات جاءت كبيرة بالمقارنة مع حجم وطننا المفعم بالكوارث والهموم والغموم ، ونحن نصطنع جزءاً كبيراً منها بأيدينا التي تملك تقنيات إنتاج الكثير من الأزمات المتنوعة . ونحن في هذا البلد المأزوم لم يكن ينقصنا إلا إنفجار شبه نووي قد يودي بما تبقى لدينا من وحدة كيان وهيكل دولة مهدد بالتداعي ، وهذا ما حصل تماما خلال الأسبوع الأخير حين شعر الرئيس حسان دياب بأن الإعصار الذي عصف إثر إنفجار مرفأ بيروت قوي الى حد جعله يخرج عن التنسيق مع الحلفاء الداعمين له في الحكومة ... فكان ان تفرد بطرح فكرة الإنتخابات النيابية المبكرة ، في محاولة لإرضاء الشارع الذي عاد الى الحركة على وقعِ مآسي الإنفجار البيروتي المروع . وهذا ما أدى الى إنفجار العلاقة مع الحلفاء خصوصا مع رئيس المجلس النيابي الذي تم المساس بمصير معقله الدستوري التاريخي الذي كان أمينا عليه منذ ثمان وعشرين عاماً ، حينها تم إستدعاء حكومة دياب الى المجلس النيابي وأعطيت لها(من الأحد الى الخميس) أربعة أيام كي تستقيل بشكل إرادي وذاتي قبل ان يتم خلعها داخل المجلس النيابي الذي " انتهكت حرماته" . ومع ان الرئيس دياب لم يستسلم مباشرة لخيار الإستقالة ، إلا أنه بدأ يشعر بقوة الإيعازات الموجهة الى وزراء أعلنوا إستقالاتهم المتوالية وكان في مقدمهم وزيرة الإعلام منال عبد الصمد التي أعطت مزيدا من الإشارات عن علاقة ما تربطها بالحزب التقدمي الإشتراكي ولو من باب الولاء العائلي.

لقد جاءت ردة الفعل الدولية سريعة ، من خلال زيارة الرئيس الفرنسي ماكرونالذي جاء مدعماً بتأييد أميركي أوكله أمر المعالجة السياسية التي وضعت على نار حامية إثر لقاء الضيف الفرنسي مع رؤساء الكتل النيابية في قصر الصنوبر الذين كان من بينهم رئيس كتلة نواب حزب الله الحاج محمد رعد . وقد تراوحت ردود الفعل المحلية على زيارة الرئيس الفرنسي بين الإرتياح والتحفظ . فمعسكر الرابع عشر من أذار أراد زيارة ماكرون أن تكون حاسمة في توجيه ضربة الى معسكر الثامن من اذار الممسك بزمام السلطة والحكومة في لبنان . في حين ان الرئيس الفرنسي كان معتدلا بعض الشيء عندما طلب من اللبنانيين أنفسهم أن يساعدوا أنفسهم وأن يلموا شعث بعضهم البعض وأن يقدروا ظروفهم الكارثية الصعبة وأن يغيروا أوضاعهم من خلال مؤسساتهم الدستورية . فكان التحفظ وشيء من خيبة الأمل بادية على وجوه معسكر الرابع عشر من أذار والإرتياح بادٍ على وجوه الثامن من أذار . وقد بدأ الحديث عن تسوية ما قد تنضج قبيل الأول من أيلول المقبل الموعد المفترض لعودة الرئيس الفرنسي كي يقوم بمحاسبة القادة اللبنانين على مواقفهم وكي يحتفل بمرور قرن من الزمن على إعلان الإستعمار الإفرنسي لقيام دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول عام 1920 .

إن أطماع الفئات اللبنانية بالكعكة اللبنانية لا بد ان تكون سخيفة إن هي قورنت بالأطماع الدولية الفرنسية أو الأميريكية أو البريطانية والتي هي أطماع حاضرة وبقوة في كل هذه المعمعة الصاخبة التي تشهدها الساحة اللبنانية تحت عناوين إنقاذية في السياسة او في الإقتصاد أو في الأمن الإقليمي ... وإن أحمق الشعوب هي التي تسلم رقبتها لسلاسل الأجنبي تحت ذريعة التوسط بين المتخاصمين الذين لا يجدون الى مصلحتهم الوطنية سبيلاً . تعساً للأجنبي وأطماعه ولكل من يستحضر الأجنبي ويعينه على تحقيق أطماعه .

عذراً مسيو ماكرون فأنا فظ بما فيه الكفاية ، وأنت إن لم تأخذ بيد القوم المبعثرين في لبنان فإننا قد نصبح في دولة الإمارات اللبنانية المتحدة أو غير المتحدة ... لا فرق في ذلك .

ايمن حجازي