العدد 1438 / 25-11-2020

يتولى الرؤساء الثلاثة العمل كل من موقعه ومستواه على إثارة حراك سياسي منفصل ، لا يمت بصلة الى مهمة تشكيل الحكومة العتيدة التي كان ينبغي أن تحل محل حكومة حسان دياب المستقيلة منذ تفجير مرفأ بيروت في مطلع آب الماضي . ويبدو رياض سلامة في غمرة هذه اﻹهتمامات السياسية العاصفة حصنا منيعا تتطلب مواجهته حشد قوى الرئاسة اﻷولى والمجلس النيابي كي يتم التغلب على معضلة إحباط التدقيق الجنائي المالي في مصرف لبنان . حيث يتسلح الحاكم بالسرية المصرفية التي مثلت منذ ما قبل اﻹستقلال قدس أقداس النظام اﻹقتصادي اللبناني . ويعتقد الكثيرون أن هذه السرية المصرفية دفنت تحتها الكثير الكثير من الحقائق السياسية في بلاد الأرز على إمتداد ثلاث أرباع القرن من الزمن اللبناني المتنوع القبح والجمال .

وهاهو المجلس النيابي الكريم ، الذي يفترض أن يكون سيد نفسه ، وقد تحول الى ميدان فسيح للمواجهة المبطنة بين خليط الحلفاء والخصوم الذين تداخلت صفوفهم وباتوا يمارسون عمليات خلط لذيذ لﻷوراق على طاولة الميسر اللبناني الشهير . وها هو التيار الوطني الحر وحزب " القوات اللبنانية " الذين كررا إعلان طلاقهما إثر سفك دماء تفاهم معراب ، يعودان للغزل العذري وغير العذري تحت وطأة الخطر اﻷكثري لقانون اﻹنتخابات القائم على إعتماد لبنان دائرة إنتخابية واحدة خشية الغلبة العددية اﻹسلامية التي يخشاها الحزبان المسيحيان اﻷكبران في مطلع العقد الثالث للقرن الحادي والعشرين . على أن يكون المتهم اﻷول في هذه الهجمة المسجلة تحت خانة القانون اﻹنتخابي ، هو الرئيس نبيه بري دون أن تتم تبرئة حزب الله الشريك الطائفي لحركة أمل الساطعة في ثنائية الحرمان المندثر للطائفة الشيعية الكريمة . وتأسيسا على كل ذلك تبدو الكرة السياسية متحركة في برلمان لبنا العظيم بين أنصار التدقيق الجنائي بقيادة الرئيس ميشال عون ، وأنصار القانون اﻹنتخابي الجديد بقيادة الرئيس نبيه بري ...

وقد شهد اﻷسبوع المنصرم ، هجوما كاسحا ولافتا لحزب القوات اللبنانية على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ، قاده رئيس لجنة اﻹدارة والعدل النيابية النائب جورج عدوان الذي حشد نواب حزب " القوات " ووصل في هجومه الى الشركاء السياسيين لرياض سلامة ما ترجم من قبل البعض على أنه إستهداف للرئيسين نبيه بري وسعد الحريري ( بما ورثه عن والده الراحل رفيق الحريري ) . وبفعل هذا الهجوم القواتي على رياض سلامة ، تقدم ثاني أكبر الأحزاب المسيحية في لبنان على حزب الله وعلى قوى اليسار اللبناني ، في النيل من حاكم المصرف المركزي... ووضع قدما ثابتة في مربع المعارضة السياسية اللبنانية المتناغمة مع رياح الثورة المنشودة التي انخرط فيها حزب القوات بقوة وإندفاع منذ السابع عشر من تشرين اﻷول 2019 . وذلك في محاولة للخروج من التاريخ اليميني للحزب المتصل بتاريخ حزب الكتائب اللبنانية اﻷكثر عراقة في تاريخ اليمينية اللبنانية الشهيرة .

على الرغم من تباعد موضوعي التحقيق الجنائي المالي والقانون اﻹنتخابي ، إلا أن القوم يتبادلون ركلات الجزاء وكل يدافع عن مرماه . التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية يدافعان عن قانون الصوت التفضيلي الذي يحتوي في داخله على القانون الأرثوذكسي الذي يذود عن حياض الطوائف المسيحية اللبنانية التي تعاني من ضعف عددي واضح . كما أنهما يدافعان عن قانون إنتخابي يضمن لحزبيهما التحكم بالساحة اﻹنتخابية المسيحية لا بل بالتفرد بها حيث يتم سحق القوى المسيحية الصغرى والشخصيات المسيحية المتناثرة في الدوائر اﻹنتخابية المنتشرة . أما الفرقاء اﻵخرين فإنهم يدافعون كل في مرماه و بقوة بغية عدم العودة الى دائرة الحرمان والغبن التاريخي الذين صبغا التاريخ اللبناني اﻹستقلالي اﻷليم.

أيمن حجازي