العدد 1651 /12-2-2025

قبل نواف سلام وصل من آل سلام الى سدة الرئاسة الثالثة في خمسينات و ستينات و سبعينات القرن الماضي الرئيس صائب سلام ، ومن ثم وصل نجله تمام الى هذا الموقع في عام ٢٠١٤ . والعائلة سياسية بإمتياز انطلقت في قوتها الإبتدائية من الشارع البيروتي ، مع حضور اقتصادي - تجاري مميز . ووصل نفوذ العائلة الى الميدان الإعلامي عبر جريدة اللواء وعبد الغني سلام ومن ثم صلاح سلام . أما الرئيس الحالي للحكومة نواف سلام فإنه حط في موقعه الرسمي عبر رافعة دولية عكست رصيده القضائي والديبلوماسي والثقافي الذي حاول التعويض من خلاله عن رصيده السياسي المحلي المضمحل .

خلال ثلاثة أسابيع عمل سلام في أنفاق ودهاليز السياسة اللبنانية ونجح بمعونة المتحمسين له في الساحة الدولية في كانتتشكيل حكومة العهد الأولى التي كان للرئيس جوزيف عون فيها بصمته المميزة . كثيرون حاولوا تقمص دور المنتصر في هذه الحكومة من داخل الوطن ومن خارجه . كانت أولى تلك الجهات هي الموفدة الأميريكية مورغان اورتاغوس التي أعلنت الإنتصار على حزب الله ووجهت أسمى آيات الشكر الى دولة اسرائيل التي " هزمت حزب الله والذي لا ينبغي ان يكون موجودا في الحكومة الموعودة " . ثم صدرت المراسيم وقد حاز حزب الله على حقيبتي الصحة والعمل . وقد ظهر وزير الصحة ركان ناصر الدين في حلة حزب الله وهو جالس في روضة الشهيدين الى جانب الشهيد فؤاد شكر الذي اغتاله الصهاينة في بداية الحرب الأخيرة التي شنت على لبنان . ما شكل إحباطا عمليا للمسعى الأميركي المشار اليه .

أما حزب القوات اللبنانية الذي يعتبر نفسه منتصرا في كل ما جرى في لبنان وغزة وسورية ، فقد سقط تهديده ووعيده بضرورة عدم إعطاء ثنائي أمل - حزب الله وزارة المالية عبر تعيين ياسين جابر وزيرا للمالية . واكتفى بإعلان الشعور بالنشوة المترتبة على نيله أربع وزرات كان من بينها وزارتي الخارجية والطاقة ، وعبر عن ذلك بإحتفال شهدته معراب اتخذت فيه الصور التذكارية لرئيس حزب القوات سمير جعجع مع وزرائه الأربعة . وذلك تمهيدا لإلتقاط الصورة التذكارية للحكومة العتيدة في القصر الجمهوري لاحقا . علما أن جبران باسيل يؤكد أن قيادة حزب "القوات" قد اختارت إسما واحدا من بين الوزراء الأربعة الذين سمى الثلاثة الآخرين منهم تفاهم الرئيسين عون وسلام أو الرئيس عون منفردا . وقد اختار التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل أن يبقى خارج الحكومة ساعيا الى تنمية حضوره الشعبي المسيحي عبر المعارضة الباحثة عن صيانة حقوق المسيحيين أو بالأحرى إستعادة بعضها .

درزيا كانت وجبة وليد جنبلاط " هبرة " بالكامل عبر وزيرين يمثلان كامل الطائفة التي حرم جناحها الارسلاني من التمثيل النيابي في انتخابات عام ٢٠٢٢ . وقد اعتلى جنبلاط موقعا سياسيا فاعلا من خلال تقدمه على كافة القوى السياسية في ترشيح الجنرال جوزيف عون . ومن خلال انقلابه على شبه تفاهم مسبق مع الرئيس نبيه بري على اختيار الرئيس نجيب ميقاتي للإستمرار في رئاسة الحكومة اللبنانية ما شكل ضربة قاسية أطاحت بالميقاتي وفتحت الباب واسعا أمام نواف سلام للوصول الى الرئاسة الثالثة . وهذا ما مكن جنبلاط من أن يكون أبرز الرابحين في هذه الحكومة التي يفترض ان تحيا الى الإنتخابات النيابية القادمة في ربيع عام ٢٠٢٦ إذا شاء الله .

على المستوى السني استأثر الرئيس نواف سلام بالحصة السنية ، وعاد خائبا بعض ممن تحمسوا لسلام واندفعوا باتجاه تسميته رئيسا للحكومة . وقد صدم النواب السنة في بيروت وعكار أكثر من غيرهم ، بعد أن ظنوا أن سلام سيقدر لهم مواقفهم الإيجابية من ترشيحه للرئاسة الثالثة وأنهم سيحصلوا بالمقابل على ما يسد رمقهم السياسي بعد فقدانهم الزعامة السياسية السنية وبعد افتقداهم للغطاء الإقليمي السعودي الذي كان من المفترض أن يعزز وضعهم . وقد أثبتت هذه المحصلة السنية في الحكومة الجديدة أن إعادة الحياة الى التمثيل السياسي الوزاري السني يحتاج الى أحد أمرين :

أولهما : العودة العملية الكاملة للرئيس سعد الحريري في حال حصولها ، وخصوصا في استحقاقي الإنتخابات البلدية ومن ثم في الإنتخابات النيابية . وكلا الإستحقاقين ليسا ببعيدان .

ثانيهما : نجاح الرئيس نواف سلام في لملمة كتلة نيابية وازنة في الإنتخابات النيابية القادمة ما يخوله أن يؤدي دوره السياسي بفعالية أكبر وحضور أوسع .

شيعيا الأمر واضح حيث التضامن بين حركة أمل وحزب الله قد شكل حاجزا منيعا للحؤول دون إنعكاس الواقع الميداني والعسكري الشائك لحزب الله من جراء الحرب الأخيرة واستشهاد السيد حسن نصر الله وفقدان القيادات الأخرى ، على الواقع السياسي . وهذا ما سعى له العديد من الفرقاء المحليين والدوليين ولا يبدو أنهم قد وفقوا في ذلك . صحيح أن ثنائي أمل - حزب الله موجودون في هذه الحكومة بلا حلفاء ولا ثلث معطل . بالنسبة للحلفاء فإن التطورات اللاحقة قد تكون كفيلة بإنبات فرص تحالفية بديلة مفترضة ، أم بالنسبة الى فقدان الثلث المعطل لا يقلق أبدا فإن الميثاقية تبدو أكثر فاعلية من الثلث المعطل وهذا ما يمكن أن نتثبت منه في قابل الأيام والأسابيع والشهور .

أيمن حجازي