العدد 1362 / 15-5-2019
أيمن حجازي

لا يمكن لأحد أن ينكر الدور المحوري التاريخي للبطريرك الكردينال نصر الله صفير لبنانيا ومسيحيا ومارونيا ، خصوصا في العقود الثلاثة الأخيرة التى تولى فيها سدة البطريركية المارونية(1986 - 2011) . وقد حفلت هذه الحقبة بعدد من التطورات والتحولات التى أدى فيها من موقعه دورا فاعلا ومؤثرا بكل أبعاده السلبية والإيجابية ووفق كل مصدر من مصادر التقييم والدراسة والبحث . ويمكننا في هذا الإطار أن نتحدث عن مستويات ثلاث من الأداء في المعارك السياسية التي خاضها من موقعه الديني المتقدم :

- الموقف من اتفاق الطائف .

- الموقف من سوريا ودورها في لبنان .

- الموقف من الكيان الصهيوني والمقاومة التي واجهت الإحتلال ...

* الموقف من اتفاق الطائف : على الرغم من حرص البطريريك صفير على حماية ما يسمى بحقوق المسيحيين أو إمتيازتهم التي حفظها لهم نظام 1943 وتجسدت بالصلاحيات الواسعة لرئاسة الجمهورية الممنوحة للطائفة المارونية ، فان البطريرك صفير أيد إتفاق الطائف تحت وطأة حربي التحرير والإلغاء اللتان استنزفت من جرائهما الساحة المسيحية اللبنانية وبات لزاما الخروج من دوامة الحرب الأهلية بأي ثمن من الأثمان . وذلك مع العلم أن اتفاق الطائف سيسلب المسيحيين بعضا منإمتيازاتهم المشار اليها . وكان تأييد البطريرك صفير لهذا الإتفاق موقفا جريئا لأنه يدرك أن الوضع المسيحي كان في تلك الآونة خاضعا لإنقسام حاد ومزايدات ثقيلة لا فرار من تبعاتها المرهقة , وهي التبعات التي دفع ثمنها الرجل بشكل باهظ ومؤلم ومهين آنذاك ... وقد منح موقف صفير الإيجابي من إتفاق الطائف الغطاء الديني الكنسي لكل القوى المسيحية التي تجرأت وقبلت بذلك الإتفاق .

* الموقف من سوريا ودورها في لبنان : في عام 1986 تاريخ تسلم البطريريك صفير لسدة بكركي ، كان البلد يعيش لحظات الاتفاق الثلاثي بين ايلي حبيقة ونبيه بري ووليد جنبلاط وهو الإتفاق الذي وضع برعاية دمشق ووقع في أرجائها . وما اعقب ذلك من انقلاب عسكري وسياسي على هذا الإتفاق ، ما أدى الى احتدام الخلاف بين الساحة المسيحية اللبنانية بما فيها بكركي وسيدها من جهة , ودمشق وحلفائها من جهة أخرى . ولم يؤدّ تأييد البطريريك صفير بعد ذلك بثلاث سنوات لإتفاق الطائف الى تحسن العلاقات بين بكركي ودمشق رغم التأييد الضمني لبكركي للعملية العسكرية السورية التي أخرجت العماد ميشال عون من قصر بعبدا في 13 تشرين الأول 1990 . وجاءت المقاطعة المسيحية لإنتخابات عام 1992 النيابية , التي قادتها بكركي لتزيد من توتر العلاقات بين المرجعية المارونية والعاصمة السورية , التي وجهت لها أصابع الإتهام من قبل معظم القوى المسيحية بافتعال تطبيق للطائف يزيد من بؤس المسيحيين وتضاؤل مواقعهم في السلطة اللبنانية . وهو اتهام استمر الى 26 نيسان 2005 تاريخ خروج الجيش السوري من لبنان إثر إغتيال الرئيس رفيق الحريري وقبل ذلك صدور القرار الدولي 1559

وقد كان صفير راعيا وداعما ومساندا للقوى المعارضة للسياسة السورية في لبنان طوال المرحلة اللاحقة التي استمرت حتى تاريخ استقالته مطلع عام 2011 .

* الموقف من الكيان الصهيوني والمقاومة التي واجهت الإحتلال : لم يكن البطريريك صفير واضحا من الكيان الصهيوني ، وكان له موقف سلبي من أساس فكرة المقاومة ضد الإحتلال الصهيوني , حيث اعتبر سلاحها ووجودها العسكري مظهر من مظاهر الخلل في معاملة القوى المسلحة الخارجة من الحرب الأهلية . وعلى الرغم من تقدم هذه المقاومة في تسعينات القرن الماضي وصولا الى التحرير في 25 أيار 2000 ، إلا أن تعاطفه الضمني مع الميليشيات المرتبطة بالإحتلال بقي قائما تحت عنوان أن الطابع العام لهذه الميليشيات مسيحي . وقد تجسد هذا التعاطف حتى بعد الإنسحاب الصهيوني حين اعتبر "غبطته" أن تفكيك جيش العميل لحد هو " نزع سلاح لآخر مجموعة مسيحية مسلحة" في لبنان ... وهذا ما أوجد بونا شاسعا اسلامي - مسيحي في موضوع المقاومة ضد الإحتلال الصهيوني . وقد ازدادت الهوة في المواقف مع حزب الله بعد التطورات اللاحقة واحتدام الخلاف الداخلي حول الدور السوري في لبنان وصولا الى ما بعد خروج الجيش السوري في لبنان والمواجهات التي حصلت بين معسكري الثامن والرابع عشر من آذار .

لا يختلف إثنان أن البطريرك كان على جانب كبير من الأهمية (السلبية او الإيجابية) , وقد احتل موقعه بجدارة وقام في ساحته الطائفية بسد الفراغ السياسي الكبير الناتج عن غياب القيادات المارونية الكبيرة عن الساحة , وهي ظاهرة جديرة بالدراسة والتقييم .