مهند عبد الله

انشغل مجلس الوزراء في جلسته الأولى في العام الجديد بالقضايا الاقتصادية والتعيينات الإدارية، وغاب قانون الانتخاب عن جدول أعمال المجلس، مع ان هذه القضية هي الشغل الشاغل لكل القوى السياسية، سواء تلك التي تطالب باعتماد النسبية الكاملة في قانون الانتخاب، أو التي تفضل القانون المختلط بين الأكثري والنسبي.
هذا الأمر أثار النائب وليد جنبلاط المتوجس أصلاً من كل القوانين الانتخابية المطروحة للنقاش، ولذلك علق على جلسة مجلس الوزراء بالقول: «أول بند للبحث في جلسة مجلس الوزراء وزع على عجل هو بند النفط والغاز، كأن كل الأمور محلولة للمصادقة على المراسيم. الأمر أشبه بوليمة جهزت مسبقاً في ما يبدو في الكواليس كي يجري أكلها غداً. جلسة -مجلس الوزراء- أشبه بفيلم العراب قوله الشهير بأنه عرض لا تستطيع رفضه». ويكشف موقف جنبلاط بعضاً من اللعبة السياسية الدائرة حالياً في لبنان، حيث تحضر المصالح والحصص وتغيب السياسة.
فالاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس سعد الحريري، ومن ثم التوافق السريع على مضمون البيان الوزاري كشفا بلا أدنى شك حجم المصالح السياسية والاقتصادية والإدارية التي يجري تقاسمها بين القوى الرئيسية في البلد على حساب المواقف والمبادئ التي كان يصرَّح بها طوال الفترة التي سبقت انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية.
واللافت في الأمر انه يجري تبرير كل ما يجري، سواء أكان -حلالاً أم حراماً- تحت عنوان البراغماتية أو الواقعية السياسية، وكأن التوافق السياسي القائم حالياً له هدف واحد، هو تحقيق مصالح السياسيين وبعض القوى السياسية، لا مصالح الشعب اللبناني ومطالبه.
فبالنسبة إلى قانون الانتخاب، يقول الرئيس سعد الحريري عن مشروع قانون النسبية: «لا يظن أحد أنني ضده، فأنا كتيار مستقبل عابر للطوائف، ولكن لن أرضى بقانون يلغي التيار، لا أحد يلغي نفسه».
والرئيس الحريري يرفض مشروع قانون النسبية لأنه يعتبره قانوناً يلغي «تيار المستقبل»، أي يرفض النسبية، ليس لأنها غير عادلة ولا تحقق التمثيل الصحيح، بل لأن تطبيق النسبية سيطيح تيار المستقبل، ويأتي بأشخاص آخرين.
ولا يعني موقف الرئيس الحريري الرافض لمبدأ النسبية الكاملة ان من يطرح النسبية الكاملة انما يطرحها لتأمين التمثيل الصحيح لكل اللبنانيين، فحزب الله الذي يدعو الى تطبيق النسبية الكاملة في قانون الانتخاب يرفض المسّ بسلاحه المتفلت في لبنان وسوريا، وصولاً إلى العراق واليمن وحتى البحرين.
ولذلك فإن كل دعوة الى تطبيق قانون النسبية الكاملة في ظل هيمنة سلاح «حزب الله»، وفي ظل رفضه للانسحاب من سوريا وغير سوريا، وتسليم سلاحه للسلطة الشرعية، هي بمثابة دعوة لتسليم لبنان لما يسمى «محور المقاومة والممانعة»، وللأسف فإن كثيراً من ذلك قد تحقق بفعل استجابة «تيار المستقبل» والرئيس سعد الحريري لطلبات «حزب الله» في السياسة والأمن تحت عنوان البراغماتية السياسية والمحافظة على حضور «تيار المستقبل» السياسي في البلد.
باختصار، ما يجري في الدولة حالياً حفلة تقاسم للجبنة الحكومية، سواء في ما يتعلق بالنفط والغاز، أو بالتعيينات الإدارية تحت عنوان «المصلحة الوطنية» التي يبدو انها غائبة بالكامل عن اهتمامات المسؤولين في الحكومة والأحزاب.