العدد 1363 / 22-5-2019
أيمن حجازي

على وقع الخلافات حول موازنة عام ٢٠١٩ ، برزت مزيد من مظاهر التفسخ داخل بنيان السلطة اللبنانية التي ما زالت تشهد عمليات مد وجزر بين مراكز القوى المنتشرة فيها . وتلك عملية تطال ميزان القوى الداخلي تحت وطأة النتائج التي أسفرت عنها إنتخابات أيار ٢٠١٨ التي عاكست نتائج إنتخابات عام ٢٠٠٩ وثبتت زمام الأمور في قبضة أطراف معسكر الثامن من أذار وإن كانوا متباعدين نسبيا بفعل الخلاف الذاتي والموضوعي بين التيار الوطني الحر من جهة وحركة أمل وتيار المردة من جهة أخرى . وقد بلغت الأمور ذروة في التفسخ لدى وصول العسكريين المتقاعدين قاب قوسين أو أدنى من قاعات السراي الحكومي التي كان مجلس الوزراء برئاسة الرئيس سعد الحريري منعقدا فيها لمناقشة الفصول الأخيرة من موازنة العام الحالي المتأخرة أصلا في ولادتها المفترضة .

وهذا ما أثار كتلة نواب المستقبل ودفعها الى التحذير من خطورة ما حصل في السراي الحكومي

، ولكن المسألة في جوهرها تنطوي على أبعاد أخرى تتصل بالجهات السياسية التي قيل أنها أعطت الضوء الأخضر للعسكريين المتقاعدين للمساس بأمن السراي الحكومي وهي جهات سياسية وأمنية ليست بعيدة عن التيار الوطني الحر وفق تقويم مقربين من الرئيس سعد الحريري . وتنضم جهات مقربة من حركة أمل لتظن بالتيار الوطني الحر وبوزير الخارجية جبران باسيل بتشجيع العسكر المتقاعد أو تحريضه على الرئيس الحريري ومن ثم على وزير المالية علي حسن خليل ... أو مع إعادة الترتيب ليصبح المستهدف من حراك أولئك العسكر الوزير علي حسن خليل ومن خلفه حركة أمل ورئيسها نبيه بري ومن ثم الرئيس الحريري . وهذا ما يجعل المحصلة السياسية لهذا المعطى الشعبي - الأمني - الميداني سلبية جدا على مستوى التضامن الحكومي ، ويعيد التذكير بما كان قد قاله وزير المالية من أن " البعض يفتعل بطولات وهمية لغايات شعبوية " . ومما لا شك فيه أن التسوية الرئاسية التي بلغت من العمر عامين ونيف ، والتي نسجت خيوطها بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل تواجه المزيد من التحديات المؤلمة التي تعرضها للخطر ونحن على أبواب الدخول في النصف الثاني من عمر العهد الذي ابتدأ في خريف عام ٢٠١٦ .

وفي موازاة كل ذلك جاءت حادثة التعرض الكلامي للبطريرك الماروني الراحل نصر الله صفير لتزيد في الطين بلة بين التيار الوطني الحر وحركة أمل . فرئيس الإتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر محسوب على الرئيس نبيه بري ، والوضع في ذلك الإتحاد يشير الى مشاركة العديد من القوى السياسية المشاركة في الحكومة الحالية بالتركيبة القيادية للإتحاد ولكن بإمساك مباشر من حركة أمل وهذا ما لا يرضي التيار الوطني الحر والوزير جبران باسيل . وقد وجد وزير الخارجية اللبنانية نفسه مدعوا الى إستغلال هفوة الدكتور بشارة الأسمر الكلامية وعدم الإكتفاء بالإطاحة بالرجل من رئاسة الإتحاد العمالي العام ، بل بالعمل على هز التركيبة الحالية للإتحاد وتثبيت تركيبة جديدة بميزان قوى جديد يكون للتيار الوطني الحر فيه حصة أكبر . أو إيجاد شرخ في بنية الاتحاد ريثما يتم الإتفاق على صيغة جديدة لذلك الإتحاد .

متثاقلا يمر الزمن في هذا العهد الرئاسي الذي بدأ في خريف عام ٢٠١٦ ومضى العام الأول منه تحت عجلة البحث عن قانون انتخابي جديد مشفوع بالتمديد عاماﹰ واحداﹰ للمجلس النيابي موديل ٢٠٠٩ . وعندما سنحت الفرصة وجرت الإنتخابات النيابية في ربيع عام ٢٠١٨ تعثرت الولادة الحكومية أكثر من سبعة أشهر انشغلت بعدها الحكومة التي قيل أنها حكومة العهد الأولى في صياغة البيان الوزاري ومن ثم في مناقشته وها نحن نخوض غمار موازنة العام ٢٠١٩ قبل أن تحال الى المجلس النيابي الذي يحق له لا بل من واجبه أن يدقق في تفاصيلها كافة . هذا إذا أردنا أن نشيح النظر عن الأوضاع الإقليمية والدولية المحتدمة التي تحيط بنا وتجعل وضعنا مشوبا بالحذر .

السؤال الذي ينبغي أن يطرح في هذه العجالة : هل التفسخ الزاحف داخل أروقة السلطة مشروع ؟ وهل الطموحات السطوية المتحركة والزاحفة مشروعة أيضا ؟

ايمن حجازي