العدد 1445 /13-1-2021

بعدما اضمحلت المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من قصر الصنوبر في آب الماضي ، تصدت بكركي للوساطة بين رئيسي الجمهورية والحكومة ميشال عون وسعد الحريري وحاولت إيجاد صيغة تسوية تهدف الى تشكيل الحكومة العتيدة التي لم تبصر النور حتى هذه اللحظات . ولكن البطريركية المارونية بكل ثقلها المعنوي الراسخ لم تتمكن من حلحلة اﻷمور أو إزالة التعقيدات المتراكمة بين اﻷطراف المعنية بالخلاف الحكومي القائم . ووجد الكردينال بشارة الراعي نفسه غير قادر على تحريك رصيده المعنوي المفترض في معسكر التيار الوطني الحر فضلا عن الساحة المسيحية . والجدير ذكره أن التيار الوطني الحر متهم من قبل بيت الوسط باﻹلتفاف على مبادرة بكركي وإحباطها من خلال ما يطلق عليه تصلب وعناد النائب جبران باسيل .

وقد أضيف الى هذا الجفاف السياسي الناتج عن سقوط المبادرات الداخلية والخارجية ، توتير واضح في العلاقات الشخصية بين الرئيسين عون والحريري بفعل الهمهمات المسربة من لقاء الرئيسين ميشال عون وحسان دياب والتي تطال الرئيس الحريري شخصيا . ما جعل المشهد اللبناني سوداويا يزيد من حلاكته التفاقم الكبير في جائحة الكورونا الوبائية التي بلغت مستوى عال من اﻹتساع والخطورة ما يهدد اﻷمن الصحي للمجتمع اللبناني الذي يئن تحت وطأة أزمة إقتصادية ومالية خانقة .

وتثور في هذا الخضم تساؤلات سياسية محلية ، حول إنعدام الأدوات المحلية التي كانت في كل أزمة تتولى التوسط وإجتراح الحلول . ويبرز في مقدمة هذه التساؤلات ، التساؤل عن الدور المفقود للرئيس نبيه بري الذي كان يقال عنه أنه قادر على الدوام على ان يخرج أرنب الحلول من كمه السحري . ومن يتطوع لﻹجابة على هذا التساؤل الهام ، فإنه سيفاجأ بالقول ان هذا تساؤل ساذج بعد ان بات الرئيس بري طرفا بعيدا عن رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر ما أفقده دور الوساطة المفترضة . وأن الرئيس بري معني بشكل جدي بالتصدي لمحاولات الرئيس عون وفريقه للعودة الى نظام اﻹمتيازات الطائفية الذي كان يشهد تضخما هائلا في صلاحيات رئيس الجمهورية على حساب كل أطراف السلطة الآخرين . ومن لا يصدق هذا الكلام فما عليه إلا العودة الى تصدي الرئيس بري اﻷخير لمحاولة الرئيس عون " بالعبث " في موضوع تفسير الدستور الذي يشكل حقا حصريا للمجلس النيابي . وذلك حينما حاولت رئاسة الجمهورية ودون اﻹستناد الى أي نص دستوري ، جعل هذه الصلاحية في عهدة المجلس الدستوري الذي قد يسهل للرئيس عون ان يمتلك فيه قوة وسيطرة حاسمة . وبعد فقدان الرئيس بري لدوره التوسطي ، بات من المتعذر على أي شخصية سياسية أخرى أن تلعب شيئا من هذا الدور . ما يجعل الساحة السياسية اللبنانية فريسة للعقم والتجمد والبعد عن التوصل الى أي حلحلة مفترضة حيال موضوع التشكيل الحكومي وغيره من الموضوعات .

وما زاد في الطين بلة ان دوائر قصر بعبدا أوحت أن تسريب الهمهمات المشار اليها آنفا ، كان متعمدا بغية تصعيد الموقف مع الرئيس الحريري ودفعه الى اﻹعتذار . وأن هذا التسريب يشكل إعلان ضمني برسم البطريرك الماروني والثنائي الشيعي على حد سواء . حيث يطلب من البطريرك أن يزيل أي أثر لمبادرته المحرجة لقصر بعبدا مسيحيا ولبنانيا ودوليا ، ويطلب من الثنائي الشيعي أن يقلع عن تأييده لتولي الحريري الرئاسة الثالثة ... وهذا خلط عنيف لﻷوراق قد لا تقوى الساحة السياسية اللبنانية على تحمله .

أيمن حجازي