العدد 1454 /24-3-2021

لم يعد بمقدور أحد من اللبنانيين أن يبحث في المدى المنظور عن تهدئة مفترضة بين القوى السياسية اللبنانية المتطاحنة .وذلك بعد أن وصلت اﻷمور الى ذروتها في التوتر بين رئيسي الجمهورية والحكومة في اﻹثنين الماضي التي تهاوت فيه كل التفاؤلات السياسية واﻹعلامية التي تم تداولها إثر زيارة الرئيس الحريري السابعة عشرة الى قصر بعبدا . ما جعل الزيارة الثامنة عشرة بمثابة إعلان مدوي عن إنفجار العلاقة بين الرئيسين عون والحريري وتمزقها شر ممزق .

الزيارة السابعة عشرة وضعت سلما للدولار الأميركي كي ينزل من حدود الخمسة عشر ألف الى ما دون الإحدى عشر الف ، ولكن الزيارة الثامنة عشر أعادت رفعه ثلاث آلاف ليرة في ساعات قليلة . والمواطن اللبناني معني أكثر من غيره في تلمس نتائج التوتر أو اﻹنفراج السياسي على سعر الصرف ﻷنه يطال لقمة عيشه المفقودة ويعزز عذاباته المتعددة والمتنوعة . وهذا ما يجعل في الواقع الحسابات السياسية غاية في التعقيد وهي حسابات باتت مثقلة بتسجيل الضربات والضربات المقابلة . فالرئاسة الأولى عمدت الى الحد اﻷقصى من اﻹستفزاز السياسي والدستوري (وفق حسابات الرئيس الحريري وحلفائه) عندما أرسل الى الرئيس الحريري إستمارة التشكيل الحكومي الموزع في إجتياح غير مسبوق لصلاحيات الرئاسة الثالثة . وزين تلك اﻹستمارة بتحديد المرجعيات السياسية لكل صاحب حقيبة من الحقائب ، ما اعتبر بمثابة خرق فاضح لحكومة المستقلين وغير الحزبيين التي تنشدها المبادرة الفرنسية الماكرونية التي دخلت في غيبوبة مقلقة منذ بضعة أشهر . ولكن الرئيس الحريري رد على محاولة اﻹجتياح العونية بخرق لجدار الصوت من على منصة القصر الجمهوري فجاهر بالوقائع الصاخبة لموقف الرئيس عون الذي يصر على إمتلاك الثلث الضامن والمعطل في الحكومة المطلوب تشكيلها . وأردف المجاهرة تلك بإعلان الرفض الحاسم ﻷي استجابة لمتطلبات الرئيس عون والتيار الوطني الحر ثم قفل عائدا الى بيت الوسط ، الذي توافد إليه في اليوم التالي نادي رؤساء الحكومات السابقين فأعلنوا تأييدهم له ورفضهم لكل ما يعتبرونه تجاوزات دستورية يقدم عليها الرئيس عون وفريقه الحاكم في قصر بعبدا .

وعلى أنغام هذا التصعيد السياسي الخطير بات اللبنانيون مهددون بكل واقعهم السياسي واﻹقتصادي واﻹجتماعي والمالي ، باﻹضافة الى بروز تهديدات جدية تطال وحدة الكيان اللبناني الذي دخل منذ بضعة أشهر قرنه الثاني بعد أن أمضى قرنه اﻷول (1920 - 2020) متأرجحا بين اﻷزمات والخيبات تارة و اﻹزدهار واﻹنتعاش تارة أخرى .

حزينة هذه البلاد ، بكل قلاعها اﻷثرية ومجموعاتها الطائفية التي كانت ترغب باﻹنصهار لولا اﻷنانيات ولولا التوق والشوق الى نظام اﻹمتيازات المندثر الذي يراد إحياؤه في غفلة من الزمن . وفي غفلة من بعض المتضررين من هذا " التوق والشوق " .

أيمن حجازي