العدد 1559 /19-4-2023
أيمن حجازي

 


وجد الساسة اللبنانيون ما يتلهون به عن الغوص في معضلة الشغور الرئاسي من خلال الخوض في موضوع الإنتخابات البلدية والإختيارية التي كان يفترض أن تجرى في العام الماضي . ولكن سيف التمديد مر على عنق تلك الإنتخابات فأحالها الى موعد آخر في أيار القادم قبل أن يعود سيف التمديد ويفعل فعله الثاني ويؤجل تلك الإنتخابات الى العام المقبل . وقد شهد المجلس النيابي مواجهة حامية الوطيس بين بعض النواب والحكومة التي لم تجد مالا كافيا يؤمن تغطية كافية لتكاليف تلك الإنتخابات المحلية . وقد حرصت القوى السياسية والكتل النيابية على تثمير موقفها من التمديد للبلديات بما يخدم مواقفها الأساسية . حيث يوجد فريق يصر على عدم جواز التشريع في ظل الشغور الرئاسي إستنادا الى كون المجلس النيابي يعتبر في ظل هذا الشغور هيئة ناخبة لا هيئة مخولة بإصدار تشريعات .

ويتقدم هذا الفريق حزبي القوات اللبنانية والكتائب ، في حين يلتحف التيار الوطني الحر بعباءة تشريع الضرورة التي دفعته الى عدم مقاطعة الجلسة التشريعة المخصصة لمناقشة موضوع البلديات تحت مسوغ رفض الخضوع للفراغ البلدي والإختياري . ويتسلح التيار الوطني الحر في مواجهة حزب "القوات" بموقف الأخير المشارك في جلسات التشريع إبان الشغور الرئاسي الواقع بين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٦ حين شاركت القوات في إصدار عدة تشريعات مشهودة .

وفي حمأة الخلاف حول موضوع البلديات باشر المرشح الرئاسي سليمان فرنجيةوإنطلاقا من بكركي والعائد حديثا من باريس حملته الإنتخابية غير المعلنة . وقد سلط الضوء بعد إجتماعه الى البطريرك بشارة الراعي ، على رؤية سياسية تمهيدية لصياغة برنامج إنتخابي رئاسي متسلح بالعديد من الأدوات السياسية والمعنوية والروحية والمصلحية الوطنية وغير الوطنية ، المخصصة لتحطيم الجدر والرادمة للثغرات التي قد تفضي الى جعل طريق بعبدا الوعرة سالكة أمام الزعيم الزغرتاوي الشهير . وكانت أبرز الأدوات المستخدمة في هذا الصدد هي أداة الطمأنة المحلية والإقليمية والدولية . فسليمان فرنجية الصديق لحزب الله هو الوحيد القادر على بناء جسور متينة مع البيئة المسيحية القلقة من "الهيجان الإسلامي الدافق" وفق رؤية البعض المسيحي المتوجس تحديدا من " النفوذ الإيراني الزاحف " نحو المنطقة . وتعتقد أوسط مقربة من فرنجية أن الرجل يمكن أن يقود تجربة متفوقةعلى التجربة العونية المتهمة بأنها كانت تجربة مغمسة بتبادل المصالح أكثر منها إلتزاما رؤيويا بين حزب الله وتيار المردة وفق مقاييس أيديولوجية واضحة المعالم . وتجزم أوسط مطلعة على العلاقة بين فرنجية وحزب الله أن عامل الصراحة الذي يحكم العلاقة بين الطرفين يضفي مزيدا من القوة والحصانة على العلاقة العامة بين حزب الله والمسيحيين اللبنانيين .

في المجال الإقليمي يعتبر سليمان فرنجية نفسه قادرا على صياغة سياسة خارجية لبنانية تراعي علاقات لبنان العربية المتوازنة بتحرر واضح من المسايرة والمداهنة التي يحاول البعض اللبناني عموما والمسيحي خصوصا إفتعالها مع السياسات الخليجية وخصوصا مع السياسة السعودية . وترى أوساط مقربة من فرنجية أن المرحلة السابقة التي شهدت توترا في العلاقات اللبنانية - السعودية كانت محكومة بالإستفزاز السعودي من بعض الخطاب السياسي المنطلق من لبنان أكثر منه شكوى جدية من تدخل عملاني لحزب الله في الحرب اليمنية كما كان يشاع خطأ . وتعتبر الأوساط المقربة من فرنجية ان التاريخ الذي يربط الرئيس سليمان فرنجية ( الجد ) كان مفعم بالإيجابية خصوصا خلال عهده الممتد بين عامي ١٩٧٠ و١٩٧٦ وحتى خلال احتدام الحرب الأهلية التي كان فيها الموقف السعودي أقرب الى موقف الرئيس فرنجية من باقي الفرقاء اللبنانيين والفلسطينيين . وهذا ما يمكن ان يشكل ركيزة تاريخية إيجابية بين المرشح سليمان فرنجية والسياسة السعودية في عام ٢٠٢٣ .

وقد يصح القول وبعيدا عن الثرثرة السياسية المزدحمة ، يبدو أن عمق الحوار والتفاوض بين الفرقاء الدوليين والإقليميين "المنتدبين على لبنان" وخصوصا في أروقة التفاوض السعودي - الفرنسي ، يدور حول تسوية رئاسية شاملة تضم رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية ضمن ثنائية محبذة فرنسيا تقول بأن محور سليمان فرنجية - نواف سلام قابل للحياة ... وقابل لإعادة إحياء تجربة سليمان فرنجية الجد - صائب سلام . أطال الله في عمر الرئيس تمام سلام الجدير أيضا بالولوج الى هذه الثنائية المفترضة .

أيمن حجازي