العدد 1383 / 23-10-2019
أيمن حجازي

في غضون أيام قليلة اشتعلت في لبنان ما أطلق عليه تسمية الثورة ، وامتلأت الشوارع بالمنتفضين بعد أن ارتكب وزير الإتصالات محمد شقير تلك الهفوة القاتلة التي قضت بفرض أثمان على خدمة تخابر مجانية في كل أنحاء العالم . وكانت تلك الهفوة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وأدخلت البلد في أزمة كبيرة جمعت كل ما تراكم من أزمات تفصيلية حفلت بها الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية اللبنانية على امتداد العقود الماضية . وقد تميزت هذه الهبة الشعبية بزخم كبير دفع الى التساؤل عن طبيعة القوى السياسية الداعمة لهذا الحراك الذي شمل العديد من المناطق اللبنانية على اختلاف انتماءاتها السياسية والطائفية والمذهبية .

هذه الهبة الشعبية كانت نتيجة معاناة الناس وآلامهم من جهة ، ونتيجة تخبط السلطة السياسية من داخلها من جهة أخرى ، حيث تأججت الصراعات بين القوى الفاعلة في داخل الحكومة ووصلت في الآونة الأخيرة الى حدود تعطيل جلسات مجلس الوزراء لأكثر من شهر ونصف إثر حادثة قبر شمون . وقد تأججت هذه الخلافات اثر مواقف الوزير جبران باسيل في الجامعة العربية وفي ذكرى ١٣ تشرين الأول . وبات رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يميلان الى دفع الرئيس سعد الحريري الى الإستقالة على وقع الغضب الشعبي ولكن الرجل لم يتجاوب مع رغبتهما , ما أدى الى إستقالة وزراء حزب القوات اللبنانية وتريث وليد جنبلاط في إعلان استقالة وزيريه . ولكن جعجع بات عازما على تدعيم الحراك الشعبي وكذلك وليد جنبلاط مع تباين واضح في الحماسة لهذا الحراك ، وقد حذا حذوهما حزب الكتائب اللبنانية الى جانب الحزب الشيوعي اللبناني وحركة الشعب بزعامة النائب السابق نجاح واكيم والتنظيم الشعبي الناصري بزعامة النائب أسامة سعد وتيار الكرامة بزعامة النائب فيصل كرامي الذي انسحب من اللقاء التشاوري النيابي بعد أن رفض ممثل اللقاء في الحكومة الوزير حسن مراد الإستقالة . وكان للجماعة الإسلامية وبعض الهيئات الإسلامية الأخرى موقفا مؤيدا للمشاركة في الحراك القائم حيث انضم مناصورها في بيروت وطرابلس وصيدا الى جموع المحتجين .

وقد جاء موقف حزب الله معارضا لاستهداف عهد الرئيس ميشال عون ، و كذلك لإستقالة الحكومة تحت عنوان الصعوبة في تشكيل أي حكومة أخرى وعدم جدوائية هذه الخطوة . وخلف حزب الله التزم التيار الوطني الحر وحركة أمل الصمت في مواجهة الجماهير الغاضبة التي أصرت على رفض الورقة الإصلاحية التي قدمها الرئيس الحريري وأقرها مجلس الوزراء المنعقد في قصر بعبدا بغياب وزراء القوات اللبنانية المستقيلين . وبدت الجماهير في موقف متطرف بعيد عن الواقعية والعملانية الممكنة . وغابت الطروحات العملية ما خلا بعض الهمس القائل بتعديل وزاري ، أو بحكومة تكنوقراط تغيب عنها الرؤوس الحامية وفي مقدمها وزير الخارجية جبران باسيل . ودخلت البلاد في حال من التماس بين المحتجين وبين الجيش اللبناني الذي يعتبر أن من واجبه فتح الطرقات مع حفظ حق هذه الجماهير بالتعبير عن مواقفها السياسية.

وهذا ما أوجد معضلة وطنية كبرى ارتسمت في وجه الجميع ، وحلقت في فضاء القوى السياسية المتباينة . فهل يهدد هذا الواقع النظام القائم ويجعله آيلا الى السقوط والتداعي تحت وطأة التفسخات القائمة أم أن هذا النظام ما زال ثابتا وراسخا وعصيا على كل تهديد ؟ فلننتظر .

ايمن حجازي