حسام كنفاني

لم يكن ينقص الرئيس سعد الحريري، إلا إدراج تعبير «خير أجناد الأرض» لوصف الجيش المصري، وتعامله مع المواطنين في أرض الكنانة. فرئيس الحكومة الزائر للقاهرة أغدق في المديح على الأسلوب الذي تصرّف به الجيش مع الشعب المصري، في إشارة إلى ما بعد «30 يونيو»، أي ضمنياً الانقلاب العسكري على نتائج الانتخابات في مصر. 
رأى الحريري أن مصر «قدمت النموذج الصحيح لكيفية تعامل الجيوش الوطنية مع شعوبها»، وذلك في حواره مع صحيفة الأهرام الحكومية، وهي الصحيفة التي لم تتوان عن استخدام التعبير عنواناً رئيسياً للمقابلة التي تطرقت إلى أمور قد تكون أهم، ولا سيما الوساطة المصرية مع إسرائيل لوقف تهديدها للبنان. غير أن مثل هذا الأمر لا يبدو مهماً أمام شهادة البراءة التي قدمها رئيس الحكومة اللبناني للجيش المصري وقيادته، من المذابح السياسية والأمنية التي ارتكبها في الانقلاب وما بعده، ولا يزال يرتكبها بأشكال مختلفة. 
ألم يسبق للحريري أن سمع بمذبحة رابعة، التي تعدّ الأضخم في تاريخ مصر الحديث، وربما القديم. ألم يقرأ أن عدد الضحايا لا يزال غير نهائي، ووصل - في بعض التقديرات - إلى الآلاف، وذلك نتيجة دخول الجيش على مواطنين عزّل معتصمين في ساحة وسط القاهرة! ألم يبلغ أياً من مستشاريه الكثر أن لائحة المفقودين من الذين كانوا موجودين في ساحات الاعتصام لا تزال طويلة، وأن كثيرين منهم غير معلوم إذا ما إذا كانوا أحياء أم أمواتاً؟! 
وبعيداً عن «رابعة» ومجزرتها الكبرى، ماذا عن الاختفاء اليومي لمواطنين مصريين واعتقالهم وزجهم في السجون، لرفضهم الحكم العسكري للبلاد!! ألم يسمع الحريري عن هؤلاء الذين يُعتقلون لمجرد التعبير عن الرأي، أو الذين يوضعون على قوائم منع السفر لمجرد إبدائهم موقفاً مغايراً لما يريد السيسي ونظامه سماعه؟ 
وماذا عما يحصل اليوم في سيناء من تهجير للسكان على يد «خير أجناد الأرض»، كما يحلو للإعلام المصري تسمية الجيش، ألم ينقل أحد من مستشاري رئيس الحكومة إليه صورة الوضع في شبه الجزيرة، وأخبار القتل والهدم الحادثين يومياً بذرائع أمنية، على الرغم من أن أهدافاً استراتيجية أبعد قد تكون خلف كل ما يحدث؟! وما رأي الرئيس الحريري مثلاً في سيطرة الجيش على مفاصل الاقتصاد في البلاد، وتحكّمه بالغذاء والدواء وغيرهما من مقومات الاقتصاد على الساحة المصرية، وتقديمها للشعب على أنها «مكرمة» من الجيش المتنعم وحده بخيرات البلاد.. هل هذا هو النموذج الذي يريد الحريري تعميمه؟ 
لنفترض أن كل هذه الأمور لم تخطر في بال رئيس الحكومة، باعتباره كان بعيداً طوال الفترة الماضية، عن العمل السياسي، أو معتكفاً عنه بفعل المناكفات اللبنانية الداخلية المرتبطة عضوياً بالملف السوري، الذي يوليه الرئيس الحريري أهمية قصوى. غير أن المفارقة أن الملف السوري جرى التطرق إليه في الحوار مع الصحيفة المصرية، غير أن الحريري لم يرَ ضيراً في دعم نظام السيسي لنظام بشار الأسد، وهو الدعم الذي لم يعد خافياً على أحد، بل وضعه في خانة أن «مصر دولة عربية كبرى لها وزنها وسياستها وموقفها مما يجري في سورية يرتكز على مصالحها وتطلعاتها». 
وفق حسابات الحريري هذه، لا يمكن لوم إيران وروسيا على سبيل المثال في دعمهما وارتكابهما الجرائم في سورية، ما دامت «مصالحهما وتطلعاتهما» تحتم عليهما القيام بهذه الأمور، فما ينطبق على مصر، من وجهة النظر هذه، ينطبق على غيرها، إذ يضع هذا المنطق الديكتاتورية والإجرام في خانة «وجهة النظر».