العدد 1664 /21-5-2025

في الجولة الأخيرة من الإنتخابات البلدية في بيروت والبقاع برز موضوع الديموغرافية الضاغط في موازين الخارطة الإنتخابية اللبنانية . حيث تم التعبير عنه من خلال الحرص على إعلان السعي للحفاظ على المناصفة الطائفية الإسلامية - المسيحية في المجلس البلدي للعاصمة بيروت . وهذا ما بات هدفا "ساميا " تتسابق العديد من القوى السياسية على خدمته . وقد تم خوض إنتخابات بلدية بيروت عبر تحالف " قوى " التناقضات السياسية بعد أن فشل المجلس النيابي في فرض المناصفة عبر نص قانوني ملزم .

وعلى الرغم من ولادة لائحة القوى الكبرى فقد تم المساس الطفيف بالمناصفة عبر تحقيق خرق واحد في تلك اللائحة وبات المجلس البلدي لبيروت تحت وطأة معادلة ١٣ - ١١ ... وقد لوحظ أن الخرق الذي حصل قد أطاح بأحد المرشحين الأرثوذكس المحسوب على المطران الياس عودة . لقد اهتز عرش المناصفة في بلدية بيروت رغم عدم اعتراف القوى السياسية الكبرى بهذه الحقيقة واستمروا في امتداح المناصفة التي تمت صيانتها صيانة حميدة كان للرئيس نبيه بري الدور الكبير فيها . فهو الذي شجع حزب الله وحثه حثا شديدا على الإنخراط في لائحة تضم في صفوفها حزب القوات اللبنانية الذي يرفع شعار نزع سلاح حزب الله .

وانطلاقا من أن ما جرى ويجري في الإنتخابات البلدية له بعد تمهيدي للإنتخابات النيابية القادمة في عام ٢٠٢٦ ، فقد طرق الرئيس بري باب تلك الإنتخابات من خلال الورشة التشريعية التي طرحت في اللجان النيابية حول القانون الإنتخابي النيابي وحول موضوع مجلس الشيوخ الذي ورد ذكره في اتفاق الطائف . لقد اكتشف الرئيس بري متأخرا وغيره من القوى السياسية نقاط الخلل الكبرى في قانون الصوت التفضيلي . وهو اليوم يخوض معركة يائسة لتعديل هذا القانون ولو تعديلا جزئيا من خلال إعتماد صوتين تفضيليين لكل ناخب . وتوصف هذه المعركة بأنها يائسة لان القوى النيابية المسيحية الكبرى مدعومة من الكنيسة ترفض المساس بهذا القانون الإنتخابي . حيث يكشف هذا الرفض عن حسبة طائفية ضيقة بعيدة عن اعتماد معايير حسن التمثيل وسلامته . وتقول تلك الحسبة بأن كل مشاريع القوانين الإنتخابية باستثناء القانون الأرثوذكسي تسلب المسيحيين حقهم في اختيار نوابهم وذلك تحت وطأة الغلبة العددية للناخبين المسلمين الذين تقارب نسبتهم المئوية السبعين بالمئة من عموم الجسم الإنتخابي اللبناني . وقد وصلت هذه الحسبة الى القول بأن قانون الصوت التفضيلي يمنح المسيحيين ٥٦ مقعدا تتحكم بهم الهيئة المسيحية الناخبة . ويبقى وفق تلك الحسبة ثمانية مقاعد نيابية مسيحية يجب تحريرها من ربقة الناخبين المسلمين ...

وهنا يثور التساؤل الكبير عن حقوق الناخبين المسلمين الموجودين في دوائر إنتخابية لها نواب مسيحيون ... الا يحق لهم ان يشاركوا في انتخاب نوابهم المسيحيين الأقل تطرفا أو الأكثر إعتدالا الذين يعتبرون نوابا مسيحيين ملحقين بزعامات إسلامية وخارجين عن طوق القوى المسيحية الكبرى وقد تنظر اليهم الكنيسة شذرا . لقد اعتمد قانون الصوت التفضيلي النسبية وهي مطلب ديموقراطي لحسن التمثيل ولكن بدعة الصوت التفضيلي شوهت هذه النسبية واختزلت كل إيجابياتها وبات قانون الصوت التفضيلي مسخا مشوها عن القانون الأرثوذكسي التقسيمي الذي يهدف الى انتخاب كل طائفة لنوابها دون أي مراعاة للخلل الكبير والفاضح والناتج عن التفاوت الكبير بين المناصفة الجائرة وبين الواقع الديموغرافي الذي ينطوي على تفاوت عددي هائل نتيجة اقتراب نسبة المسلمين الناخبة من السبعين بالمئة . حيث ترتسم خراطة عار ديموقراطي يحتكر فيها ما يقارب من ثلاثين بالمئة من الناخبين نصف مقاعد المجلس النيابي في حين يوزع النصف الآخر من المقاعد النيابية على ما يقارب السبعين بالمئة من الناخبين . إنها الديموقراطية الزائفة .

أعرف جيدا ما يقال في مواجهة هذا الطرح ، من أن معالجة الخوف المسيحي يتطلب تنازلا من المسلمين بهذا الحجم الكبير . ولكن الحقيقة غير ذلك تماما ، وهي أن الخوف القائم في الوطن اللبناني الحبيب وفي غيره من الأوطان المجاورة يأتي من العدوان الصهيوني الأمريكي المتصاعد الذي يسفك دماءنا صباحا ومساء في كل الأماكن والأرجاء . في الوقت التي تواجهنا فيه بعض قوى اليمين المسيحي وملحقاته الإسلامية بمواقف معادية ومتشنجة ضد المقاومة اللبنانية وفي ذلك تناغم رديء وسيء مع المخطاطات الصهيونية المعادية . سيقول البعض أن هذا جزء من الخطاب التخويني ... وهذا صحيح جدا لأن أكثر القوى المعادية للمقاومة تستحق تلك التهمة وأكثر لا أستثني منهم إلا القليل كفارس سعيد وحزب الكتلة الوطنية ...

أيمن حجازي