العدد 1557 /5-4-2023

منذ بداية الإستحقاق الرئاسي اللبناني وقبل نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون ، طرح الرئيس نبيه بري موضوع الحوار وتناغم معه حزب الله الشريك في الثنائية اللبنانية الشهيرة . وبما أن الحوار يعني في هذه الحالة الوصول الى تسوية في تحديد هوية رئيس الجمهورية المقبل ، فقد رفض حزب القوات اللبنانية (وهو النواة الصلبة في ما تبقى من معسكر الرابع عشر من أذار ) هذا الحوار أو التسوية وأصر مع شركائه على خوض المعركة الإنتخابية الرئاسية عبر النائب ميشال معوض كبديل مرحلي للمرشح الأصلي ممثلا برئيس ذلك الحزب سمير جعجع . أما رفض التيار الوطني الحر للإنخراط في عملية " الحوار " المشار اليها فله دوافع مختلفة . ولكنها تقع على خط التوتر العالي الواحد الذي يجمع العونيين بالقواتيين في هذه المعركة ألا وهو خط الرفض المطلق لترئيس سليمان فرنجية للجمهورية اللبنانية .

وقد مرت الأشهر والأسابيع الماضية من عمر الشغور الرئاسي ، وكانت حافلة بالخلافات السياسية بين الأطراف والقوى والمتحمورة ، حول طبيعة العمل الحكومي والعمل التشريعي النيابي في ظل الشغور الرئاسي . وكان للمرجعية الدينية المسيحية وفي طليعتها البطريرك الماروني بشارة الراعي والمطران الياس عودة مواقف حادة حيال ما هو مطروح من خلافات . حيث تمكنت هاتين المرجعيتين من التأثير تأثيرا بالغا في ما هو مطروح من قضايا والتي كان آخرها تأخير التوقيت الصيفي قرابة شهر من الزمن ما اضطر الرئيس نجيب ميقاتي الى عقد اجتماع للحكومة تراجع فيه عن ذلك القرار الذي حبذه وسعى له رئيس المجلس النيابي نبيه بري . وبعد تعطل الحركة الداخلية للإتصالات السياسية باتت الأنظار متجهة نحو الرعاة الإقليميين والدوليين للساحة اللبنانية ، الذين تجمهورا في العاصمة الفرنسية قبل أكثر من شهر . وقد ضم ذلك اللقاء موفدين أمريكيين وفرنسيين وسعوديين ومصريين وقطريين لم يتمكنوا من انتاج أي مادة سياسية تفضي الى حل أو تسوية للمعضلة الرئاسية اللبنانية حتى هذه اللحظة . وقد شهد الأسبوعين الأخيرين تطورين هامين كانا على الشكل التالي :

- دعوة رئيس تيار المردة الى باريس واجتماعه المطول الى أحد المسؤولين الأمنيين المقربين من الرئيس ماكرون والمكلفين بالعمل داخل المطبخ السياسي الفرنسي .

- توجه موفد أميري قطري الى لبنان ومباشرته جولة سياسية عامة وشاملة استقطبت اهتماما من مختلف الأطراف والجهات اللبنانية كافة بما فيه المرجعيات الدينية .

وكان القاسم المشترك بين لقاء باريس والوفد القطري الى لبنان ، بضعة أسئلة سياسية كبرى تتعلق بالمرحلة التي تلي إنتخابات الرئاسة والمتعلقة بالعلاقة مع حزب الله والعالم العربي والعلاقة مع المعسكرات الدولية وما الى ذلك من عناوين بحثية ودراسية تحتاج في بعض إجاباتها الى أكاديميين واستراتيجيين ينبغي أن تتم الإستعانة بهم للبت في تأمين الإجابات المطلوبة . وقد بدت العلاقة بين الحركتين الفرنسية والقطرية محيرة ؟ فهل هي علاقة تنسيقية بين فرنسا وقطر أم هو تسابق بين طرفين يسعيان للإستحواذ على جوهر الحل المطلوب بين الأطراف الدولية والعربية الخمسة " المنتدبة " على الكيان اللبناني المتحلل الذي تجاوز عمره المئة عام .

وخلاصة القول أن الحوار الذي كان مرفوضا لبنانيا صار مقبولا حصوله بأدوات دولية وإقليمية ، وهاهم الرافضون لذلك الحوار ينخرطون به من خلال إستقبال الموفدين والتحاور معهم ... ولعلها العبقرية اللبنانية التي أبدعت وأنتجت أوضاعا لبنانية تلزم جهات عربية ودولية شتى للقدوم الى لبنان والتحاور والتشاور مع هذا الفريق أو ذاك ممن قد يحتاجون الى طلة إقليمية أو دولية في أجنداتهم المكتومة .

ثمة ملاحظة أخيرة سجلت في الأيام الأخيرة ألا وهي إصدار الإدارة الأميريكية عقوبات بحق أشخاص من آل رحمة بتهم شتى ، وهؤلاء الأشخاص تربط بعضهم علاقات مالية مع حزب القوات اللبنانية وتربط بعضهم الآخر علاقات مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية .

فهل أراد الأمريكيون التشويش على انطلاقة سليمان فرنجية الباريسية ؟ وهل أراد الأميريكيون النيل من من مكانة حزب القوات ورئيسه في هذا الخضم السياسي المتلاطم . أم أن الأميريكيون يفضلون الفراغ الرئاسي ؟

أيمن حجازي