العدد 1675 /6-8-2025
في مواجهة غير عنيفة بين المقاومة الإسلامية اللبنانية والدولة ، قررت الحكومة اللبنانية في اجتماعها الأخير الشروع في تنفيذ بند حصرية السلاح وكلفت الجيش اللبناني بتنفيذ هذه المهمة ضمن مهلة زمنية تنتهي في نهاية العام الحالي . وكان واضحا إندفاعة رئيس الحكومة نواف سلام وحماسته للقيام بهذه الخطوة بالتحالف والتضامن مع حزبي القوات اللبنانية والكتائب وقدامى الرابع عشر من أذار . وفي مقدمهم الحزب التقدمي الإشتراكي الذي يسعى الى تغطية موقفه المندفع بهذا الإتجاه من خلال موقف عروبي مميز من أحداث السويداء حيث أطلق وليد جنبلاط سلسلة مواقف تدعو دروز سورية الى عدم الإنجرار وراء مساعي التدخل الصهيوني في الشؤون السورية الداخلية .
أما رئيس الجمهورية جوزيف عون فإنه أطلق إشارة السعي في إتجاه طرح موضوع حصرية السلاح على مائدة مجلس الوزراء بعد أن كان طوال الفترة السابقة يدعو الى التأني في الموضوع إفساحا في المجال أمام فرص حوارية مع الرئيس نبيه بري ومع حزب الله . ولكن الملاحظة السياسية تسجل في هذا الإطار أن الرئيس نواف سلام هو الأكثر حماسة في هذا الخضم من غيره في بنيان السلطة اللبنانية . وهو الذي تولى الكلام الإعلامي في هذا الموضوع إثر إرفضاض الجلسة الحكومية الماراتونية يوم أمس الثلاثاء . وكأن الرئيس سلام يوحي بأنه قادر على تأمين إلتزامات سياسية سابقة أمام الساحتين العربية والدولية في مواجهة حزب الله والمقاومة اللبنانية .
كيف حصلت المواجهة ؟
لوحظ أولا أن وزراء الثنائي أمل - حزب الله لم يستنفروا كامل عناصرهم . فمن أصل أربعة وزراء حضر إثنان فقط هما وزير الصحة ركان ناصر الدين ووزيرة البيئة تمارا الزين الذين شاركا في كامل الجلسة الحكومية قبل أن ينسحبا حين وصل الأمر الى إتخاذ القرار بتكليف الجيش اللبناني تنفيذ مبدأ حصرية السلاح في مهلة تنتهي في نهاية العام الحالي . وهذا ما يفقد القرار الحكومي المشار اليه ميثاقيته خصوصا بعد تحفظ الوزير الشيعي الخامس فادي مكي على قرار حصرية السلاح ما يجعل هذا القرار خاليا من موافقة أي وزير شيعي ما يضعفه ويعرضه للطعن السياسي والشعبي والدستوري .
وفي مقابل قطع وزير الخارجية يوسف رجي المنتمي الى حزب القوات اللبنانية سفره وعودته للمشاركة في تلك الجلسة الحكومية أبقى حزب الله وزيره محمد حيدر في العراق ليتباحث مع المسؤولين العراقيين في شؤون يمكن تأجيلها . أما وزير المالية ياسين جابر المحسوب على الرئيس نبيه بري فقد ترك ليكمل سفرته ذي الطابع الخاص . وهذا ما يظهر حجم الإستنفار السياسي الذي مارسه حزب القوات اللبنانية ، في مقابل التراخي الواضح من ثنائي أمل - حزب الله في حشد وزرائه واستدعائهم من الخارج في جلسة تاريخية كتلك الجلسة . وقد واكب حزب الله الجلسة الحكومية بكلمة ألقاها الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في مناسبة تأبينية لمسؤول ملف فلسطين في الحرس الثوري الإيراني الحاج رمضان الذي استشهد في العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران . وتميزت مواقف الشيخ قاسم في تلك الكلمة بما أطلق عليه " السقف العالي " من موضوع التخلي عن سلاح المقاومة مع حرص ثابت على إظهار إيجابية في العلاقة مع الرؤساء الثلاثة .
لقد أمن تضامن أمل وحزب الله موقفا سياسيا يحسب طائفيا في خانة التماسك الشيعي اللبناني . وذلك من ضمن جدار أمتن انتصب حول ما سمي بسلاح حزب الله . وهذا ما بات واضحا وجليا في منطوق البيان الصادر عن نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب وفي البيان الصادر عن المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان . حيث تم التعبير عن موقف قوي حاسم وحازم الى جانب المقاومة والى جانب ثنائي أمل - حزب الله من قبل المؤسسة الدينية والطائفية الشيعية بلا تردد . وهو موقف مدعوم بشكل طبيعي من أبناء الراحل السيد محمد حسين فضل الله ومؤسساته المتنوعة .
... يبرز أيضا في هذه المواجهة مواقف متعددة أهمها :
مواقف شعبية إسلامية سنية تعتبر نفسها معنية بمشروع المقاومة أينما كان وهي تقدر عاليا التضحيات التي قدمها
أبناء جنوب لبنان في سبيل التضامن مع غزة وفلسطين وفي طليعتها إستشهاد السيد حسن الله وقيادات حزب الله الأخرى .
مواقف مسيحية متعاطفة مع المقاومة او متقاطعة معها وفي طليعتها مواقف التيار الوطني الحر وتيار المردة وشخصيات مسيحية مستقلة .
مواقف القوى الوطنية والقومية التي كانت قد شاركت بفعالية في إطلاق المقاومة الوطنية في صيف ١٩٨٢ . ويبرز هنا موقف المناضل جورج ابراهيم عبدالله الذي يعتبر نفسه معنيا بالمقاومة وشؤونها وشجونها وسلاحها ويستغرب ويستنكر استقبال الموفدين الأميريكين في قبل الساسة اللبنانيين .
هل يتمكن هذا الجدار الوطني الإسلامي الشيعي السني المسيحي من حماية المقاومة وصيانتها وإبعاد المخاطر عنها ؟
ثمة سؤال مركزي آخر يطرح في هذا الصدد : أي دور وطني توفيقي يمكن أن يؤديه رئيس الجمهورية جوزيف عون بين الفريقين المتقابلين والمتناقضين ... دور يتلاءم مع تاريخ الوطن وشهدائه ومقاوميه ودماء بنيه التي ما تزال تسفك على يد الجزار الصهيوني ؟ وهنا بيت القصيد .