العدد 1336 / 7-11-2018

التنوّع أو الانقسام يعم الساحات أو الكيانات الطائفية اللبنانية ، ولا يعني هذا التناحر والصدام بل قد يعني التعاون الوثيق الذي يمكن أن يكون قائما استنادا الى تجربة قاسية من الخلاف والصراع تمت الاستفادة منها ومما ترتب عليها . واذا أردنا أن نجري جولة أفق سريعة في ساحاتنا الطائفية والمذهبية اللبنانية فاننا سنرى مشاهد عدة لا ضير من التوقف عندها وفق السياق التالي :

- في الساحة المسيحية , نرى تعددا سياسيا مكرسا ومعترفا به ، يخضع لرعاية وعناية المرجعيات الدينية وتحديدا مرجعية بكركي . وهذا يعني تجاذباﹰ دائماﹰ ومنافسة حامية الوطيس في أكثر من ميدان ومجال سياسي ونقابي وتربوي وطلابي . وتتخذ العناية والرعاية المشار اليهما شكل المسعى الدائم لتهذيب الصراعات وضبطها وايجاد الجوامع المشتركة بين المتناقضين الذين لا يتورّعون في كثير من الأحيان عن الامعان في جولات الصدام السياسي والاعلامي .

- في الساحة الدرزية , بقي التعدد الزعامي سمة رافقت كل المراحل ، وأوجد حالة تعايش وصلت الى حدّ التسامح مع تنصيب شيخي عقل للدروز لتلبية متطلبات الزعامتين الجنبلاطية والارسلانية مع ما في هذه الحالة من فرادة مميزة . وتبقى الضوابط المتوافرة في هذه الساحة كفيلة بعدم حصول اضطراب كبير يهز هذه الساحة أو يعرضها لمخاطر كبيرة على الرغم من الحدة التي تطبع السجالات السياسية الدرزية - الدرزية في بعض الأحيان .

-في الساحة الشيعية يبدو الانقسام مشرعن وقائم بعد مراحل صدامية سالفة موازية لمراحل صدامية سابقة في الساحة المسيحية ويبدو الرئيس نبيه بري منذ بدايات العمل النيابي الذي تلى انتهاء الحرب الأهلية في ١٩٩٢ مؤهلا لأن يعترف بالتعدد على الرغم من أنه كان في أوج قوته ... فجاءت لائحته النيابية في أول انتخابات نيابية شاملة لحزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي وللعائلات التقليدية الجنوبية من آل الأسعد والزين وعسيران والخليل بالاضافة الى وجه ماركسي قديم (حبيب صادق ) . و تمارس المرجعية الدينية الشيعية الرسمية دورا راعيا لهذا التنوع المضبوط تحت سقف الأولوية الزعامية للرئيس نبيه بري .

- في الساحة السنّية ( وهنا بيت القصيد ) تكرست في الساحة السياسية في مرحلة ما بعد عام ٢٠٠٥ مقولة أن الساحة السنية مملوكة لتيار المستقبل أو لتيار الحريري , دون مراعاة الاعتراف بوجود البيوتات السياسية السنية في طرابلس وبيروت وصيدا وباقي مناطق الانتشار السني على مساحة الوطن اللبناني ... والتي تمثل عائلات تاريخية أو شخصيات جديدة كالرئيس نجيب ميقاتي وغيره . وتم اقناع الرئيس سعد الحريري بضرورة تكريس هذه الوحدانية السياسية السنية التي يتوهم البعض انها تقوي الزعامة الحريرية في لبنان , وذلك خلافا لكافة الحالات الطائفية الأخرى التي باتت تحصن نفسها بالتنوع الذي يحفظ أولويتها الزعامية ويجعل شركاء الساحة الطائفية ملزمين بعدم خرق السفينة بعد أن يعترف بالحد الأدنى من حقوق هؤلاء الشركاء الذين ينتمون الى نفس الطائفة . وهذا ما ساهم في ولادة العقدة السنية الحالية وتعقيدها نتيجة عدم الاعتراف بوجود نواب مسلمين سنة من خارج تيار المستقبل ... ولو أن الآخرين حاولوا تضخيم هذا الوجود في بداية الأمر .

وعبّر الرئيس الحريري عن تعسف في العلاقة مع هؤلاء حتى نقل عنه أنه غير مستعد للجلوس معهم تحت ذريعة أنهم أدوات لحزب الله , وقد نسي الرئيس الحريري أنه مشارك لحزب الله في الحكومة ، وأنه متفاهم أمنيا وسياسيا وبشكل ضمني في الكثير من القضايا مع حزب الله . وأن التنسيق الأمني وبالتالي السياسي قائم على قدم وساق بين الوزير نهاد المشنوق والحاج وفيق صفا ... وأنه قد سلم ثلث مجلس الوزراء للتيار الوطني الحر والرئيس ميشال عون دون أن يرف له جفن ... ومن ثم يرفض رفضا قاطعاﹰ أن يمنح ابن شقيق الرئيس الشهيد رشيد كرامي مقعدا وزاريا كان من الحكمة أن يبادر شخصيا الى هذه الخطوة , على الرغم من أن الرجل حقق فوزا واضحا في الانتخابات النيابية الأخيرة , مما يحفظ موقعه السياسي المحصن بتحالفات شمالية منفصلة عن تحالفه مع حزب الله . وكم كان حريا بالمرجعية الدينية الرسمية لسنة لبنان أن تقوم بمسعى ايجابي على صعيد تجميع الصف السني بدلا من تشجيع الرئيس الحريري على الابتعاد عن شركائه في تمثيل الساحة السنية مهما صغر حجمهم وفق ادعاءات البعض .

ايمن حجازي