العدد 1449 /17-2-2021

كانت الحرب اللبنانية عنيفة في بعدها العسكري واﻷمني ، ولكن الحرب السياسية القائمة حاليا بين أفرقاء اﻹجتماع اللبناني تبدو أعنف بكثير . فالحرب العسكرية التي انطلقت في نيسان من عام 1975 قلما شهدت إجتياحات وإنزياحات ، وتغلب عليها طابع حرب المواقع الثابتة وخطوط التماس التي كان يقال أنها محروسة بخطوط حمراء إقليمية ودولية . أما الحرب السياسية الحالية فإنها باتت على شفير المساس بالدستور وطريقة تطبيقه ، وحدود تفسيره والجهات المخولة بذلك التفسير . فضلا عن إستيلاد أعراف دستورية حيث يستحيل التعديل الدستوري المطلوب .

وليس أدل على ما نقول ، إلا البيان الذي صدر عن قصر بعبدا في حمأة الملحمة القائمة حاليا بين الرئاستين اﻷولى والثالثة ، وأتهم فيه الرئيس سعد الحريري بخرق الدستور . وكانت سبقت هذه التهمة " المشينة " تهمة مماثلة تقول بإعتداء الرئيس المكلف على صلاحيات رئيس الجمهورية في موضوع تشكيل الحكومات اللبنانية . والذي يميز الحرب اللبنانية السياسية القائمة ، هو أن رحاها لا تدور حول فهم وتفسير الدستور اللبناني المجيد وحسب بل إنها تدور حول فهم وتفسير بنود المبادرة الفرنسية التي هبطت على رؤوس اللبنانيين بعد الرابع من آب الماضي .

فعلى مائدة قصر الصنوبر وبعد قرن كامل من إعلان دولة لبنان الكبير وفي المكان نفسه ، طرح الرئيس ماكرون تلك المبادرة التي تكاد تترنح يوما بعد يوم تحت وطأة الخلافات اللبنانية المزدحمة . وبات السجال الرئاسي بين بعبدا وبيت الوسط يرتكز الى الصلاحيات الرئاسية المصانة دستوريا والى المبادرة الفرنسية المصانة دوليا والمهدور دمها لبنانيا . وتعددت الروايات عن مضامين اللقاءات الخمسة عشرة أو اﻷربعة عشرة بين الرئيسين عون والحريري الذين تبادلا اللوائح الملونة وغير الملونة . وصارت النقطة على السطر سلاح استراتيجي يلجأ اليه كل منيريد أن يصلب موقفه ويبعد عن نفسه ذل التنازل والتراجع واﻹنكفاء الذي لا بد أن يكلفه كثيرا داخل فريقه السياسي والطائفي والمذهبي .

بين زيارة الحريري الى قصر بعبدا بعد عودته الى لبنان ، وبين كلمته في ذكرى 14 شباط جولة كبرى من الحرب السياسية القائمة التي تفوقت على الحرب العسكرية واﻷمنية الملتهبة التي سبق للبنان أن شهدها . وهي حرب سياسية أهلية بإمتياز كون الجماهير " الغفورة " تشارك فيها عبر وسائل التواصل اﻹجتماعي بقوة وحدة منقطعتي النظير . في هذه الحرب يحشد كل طرف حلفائه المحليين واﻹقليميين والدوليين ( الذي يبدو بعضهم غير مكترث بما هو حاصل في لبنان ) . وينكشف المشهد عن صعوبة في موقف الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر حيال موضوع الثلث المعطل او الثلث الضامن ، بعد أن أعلن الرئيس نبيه بري وحزب الله عن معارضتهم ﻹستحواذ التيار الوطني الحر منفردا على هذا الثلث . وبعد ان أعلن عن موقف روسي مشابه لموقف أمل وحزب الله . إلا أن ثمة حقائق لا يجاهر بها على هذا الصعيد ... حيث يلاحظ أن التيار الوطني الحر وحلفائه يحظون على ما يقارب الثلثين دون ان ينفرد التيار بالثلث . ما يجعل الثلث المعطل المنشود بحاجة دائمة الى موافقة الثنائي الشيعي في أي مواجهة سياسية قادمة او في أي فراغ رئاسي مفترض . كما يلاحظ أن الرئيس الحريري وحليفه وليد جنبلاط قد يفقدان الثلث المعطل في حكومة ال18 المفترضة ...

إنها حربنا السياسية المجيدة التي نرصع بها تاريخنا الحالي بعد أن رصعناه بحروبنا العسكرية الشاهقة .

أيمن حجازي