محمد أحمد حمود

خمس سنوات دموية، دفع فيها المدنيون والأبرياء ومدنهم وقراهم الثمن الأشد كلفة، لم نسمع شيئاً بعد عن الديمقراطية الموعودة وخطط إعادة بناء سورية الجديدة، وإشارة الانطلاق نحو المرحلة الانتقالية. كل ما وصلنا إليه بعد هذا النزيف هو تفاهم أميركي روسي، لم تعرف حدوده القانونية ومشروعيته الدولية ومصداقيته السياسية، يعلن خطة وقف للنار على جبهات القتال، وتحييد بعضها، وقد تم تزيينه بقصة المساعدات الإنسانية لتمريره أمام الرأي العام.
إذاً هي أكثر من مكافأة يجري تقديمها لنظام الأسد، ومن خلفه مليشيات القتل المذهبية، وداعميه الإقليميين، بل يمكن تصنيفها أنها معادلة جديدة في العلاقات بين الشعوب والكيانات الدولية، مفادها أنه كلّما قتلت المزيد من الأبرياء واستخدمت الأسلحة المحرّمة والميليشيات والمرتزقة في نهب وقتل الناس، حصلت على منافع استراتيجية وامتيازات جيوسياسية. المهم أن يكون لديك شعار صلب، وليس مهماً مدى صدقيته، مثل الحرب على المؤامرة  على الإرهاب، أو حتى تطبيق قواعد القانون الدولي، وأن تملك الآليات المناسبة لإنجاز هدفك، وإقناع العالم بأنك طرف موجود في المعادلة بحكم الأمر الواقع، من أسلحة فتاكة ومرتزقة وميليشيات. فيتم غضّ النظر عن جرائمك، والرضوخ لطلباتك في توسيع النفوذ والسيطرة على الشعوب وإخضاعها.
وبدا واضحاً أن النقطة المشتركة في الاتفاق بين الروس والأمريكان هو توافقهما في الحرب على الإرهاب، وخاصة على «داعش»، وجبهة فتح الشام التي يبدو أن لها حصة كبيرة في الاتفاق. وبالرغم من الإشكالات التي يثيرها الجمع بين داعش وجبهة فتح الشام (النصرة) في صفوف المعارضة السورية، فإن هذه النقطة تكشف توافقاً آخر بين الطرفين، هو السكوت عمّا تقوم به المليشيات المذهبية في سوريا من عمليات إرهابية، لا تقل بشاعة عن ممارسات داعش، الأمر الذي يعني أن ثمة ميلاً واضحاً لإخراج القضية السورية من سياقها الأساسي، باعتبارها ثورة شعب ضد نظام مستبد، وبناء مستقبل آخر، لجعلها قضية حرب على بعض الإرهاب، لا الإرهاب كله، خصوصاً أن بعضها مصنف في أكثر من قائمة باعتباره جماعة إرهابية، ينبغي محاربته.
السؤال الذي يطرح نفسه هو هل الاتفاق الروسي الأمريكي سيغير شيئاً على الأرض؟ وهل اعتبار من لا يرضى بالحل السياسي الذي ترسمه روسيا وأمريكا من المعارضة السورية سوف يصنف كفصيل إرهابي شيء جديد؟ وهل تهديدات المندوب الأمريكي مايكل راتني للمعارضة السورية بقوله: «من يعرقل الهدنة ستكون نهايته وخيمة»، هو تهديد سيؤدي إلى مزيد من قتل أبرياء الشعب السوري؟ هذا هو الواقع، ولن يساعد على حل سياسي في شيء.
والمناورة بين موسكو وواشنطن بحيث يرمي كل طرف الكرة في ملعب الآخر، هي مقدمة لتقسيم سوريا والقضاء على المعارضة ضمن الاتفاق بين الطرفين. ويُحكى عن ان هناك تفاصيل للاتفاق لا تريد وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أن تخرج إلى التداول، والغريب هو عدم وصول تفاصيل الاتفاق إلى هيئة المفاوضات المعنية بالحل السياسي في سوريا كما صرّح أطراف من الهيئة. فالاتفاق يستثني دور المعارضة بشكل أساسي، مع تهميشها في معظم الفقرات عند التطرّق إليها، بل هو يفتح الطريق أمام تعاون عسكري روسي أميركي للقضاء عليها بكل فصائلها، ويعطي روسيا المشروعية التي كانت تبحث عنها لاستهداف هذه القوى بمباركة أميركية، وتحت شعار محاربة مجموعات تم توصيفها إرهابية.
السياسة الأمريكية والتدخلات الدولية في خيارات شعوب المنطقة لعبت أدواراً حاسمة في ما يسود من انهيار. وخلاصة القول أن من غير المنتظر حصول تطورات جادة، سواء على الصعيد السياسي أو حتى الإغاثي، بحيث ينقلب الوضع إلى أفضل مما كان عليه قبل الاتفاق. غير أنه في كل الأحوال، ليس أمام السوريين إلا الانتظار، والأمل والعمل من أجل تغييرات تقودهم وبلادهم نحو سلام وحل للقضية.