د. محمد شندب

إن ظاهرة التطرف التي تجتاح قطاعاً واسعاً من الشباب المسلم كردّة فعل على ما تعانيه الأمة من ظلم واستبداد وتخلف وفقر، تحوّلت الى مأساة حقيقية تضرب في جسد الأمة شرقاً وغرباً، وتزيد من ويلاتها ومصائبها وتهدد أمنها واستقرارها.
هذه الظاهرة لم تقتصر على العالم الإسلامي، بل أخذت نيرانها تمتد الى مناطق عديدة حول العالم، ما أحدث موجة من الذعر والرعب دفعت القوى الدولية للتحالف من أجل ضرب الإرهاب كما يزعمون،  وتحت هذا الشعار تسعى هذه القوى لاحتلال بعض بلدان العالم الإسلامي ونهب خيراتها وثرواتها، ومنعها من السير في طريق  التقدم والحضارة.
إن عملية ضرب أبراج التجارة العالمية في نيويورك تمت بعلم المخابرات الأمريكية والصهيونية، وإلا فكيف  نفسر غياب ثلاثة الاف يهودي في يوم الهجوم المشؤوم؟ وعندما  تتبنى القاعدة هجوماً خطيراً على أكبر دولة في العالم فإن  هذا يعني إفساح المجال لأميركا ومن يناصرها كي تحتل أفغانستان وتضرب صحوتها الإسلامية.
وإن أحداث أيلول 2001 شجعت أميركا لتشكيل تحالف دولي من أجل ضرب «القاعدة» واحتلال أفغانستان  واستعمارها من جديد.
لذلك فإن المشاركين في هجمات الأبراج دفعهم الفهم الخاطئ والتعبئة الشاذة وكيد الأعداء، فسببوا لأمتهم المصيبة تلو المصيبة .
إن التطرف الذي أدى الى تدمير أفغانستان هو نفسه يعمل على تحويل الربيع العربي الى خريف قاتم، ومن خلاله ستحاول قوى الشر والفساد في الأرض تحطيم آمال الأمة وطموحاتها في العدالة والحرية والمساواة.
الثورة السورية في عام 2012 كادت تقترب من قطف ثمارها، أدخلوا اليها أتباع التطرف الذين في الظاهر يقاتلون النظام، وفي الواقع يعملون على كسر شوكة المعارضة الفعلية. وبهذه الطريقة تقدم النظام بعد أن دخلت إيران وروسيا إلى جانبه تحت شعار قتال الإرهاب و دحره، ثم تحولت سورية الى بلد منكوب يعيث فيه الروس وحلفاؤهم قتلاً وتشريداً ودماراً. ومن خلال المتطرفين الذين تحركهم قوى خفية يحاول أعداء الأمة إجهاض إنجازات الربيع العربي في ليبيا وتونس ومصر واليمن.
أمام هذه الكوارث المتلاحقة، التي باتت تشكل خطراً داهماً على منهج الإسلام القائم على الوسطية والإعتدال،لا بدّ لرجال العلم والدعوة أن يتصدّوا لحمل الأمانة وقيادة سفينة الأمة الى شاطئ الأمن والسلام. لا بدّ للعلماء  من إعمار المساجد بحلقات العلم الصحيح المبني على الكتاب والسنّة، والبعيد عن مفاهيم العنف والتطرف.
إن مستقبل أجيالنا مرتبط  بأعناق العلماء الربانيين الذين يبلّغون رسالات الله  ولا يخشون أحداً إلا الله.
إني أتوجه الى جميع العلماء المخلصين في لبنان أولاً والعالم الإسلامي ثانياً، أن يتحركوا من أجل صياغة مشروع إسلامي شامل يحمي الشباب من الضياع والميوعة والتطرف، ويحضرهم للمساهمة في نهضة الأمة بدراية وحكمة.
فهل يشمّر العلماء والدعاة عن سواعد الجدّ والعزيمة ويرابطوا في المساجد  ويعمروها بنور الله، فينالوا عزّ الدنيا والآخرة ؟