د. محمد شندب

يطل على الأمة يوم الثلاثاء 26 نيسان، وهو اليوم الذي تم فيه تحرير مدينة طرابلس الشام من براثن الاحتلال الصليبي سنة 1289م  بعدما رزحت ما يناهز 186 عاماً تحت نير هذا الاحتلال.
 في هذا اليوم الأغر حقق الله نصراً مؤزراً لعباده المؤمنين، فقد عاد الحق الى أهله، وتم دحر المستعمرين الغاصبين الذين عاثوا في بلاد المسلمين  دماراً وخراباً  ونهباً وسلباً.
ومن حق الأجيال الإسلامية أن تتعرف على هذه الصفحة المشرقة من الجهاد والنضال لتأخذ الزاد المطلوب، كي تتمكن من مواجهة مختلف أنواع الاحتلال وخاصة الاحتلال الصهيوني ومن يسانده من قوى الشر في العالم.
في نهاية القرن الخامس الهجري  كان العالم الإسلامي يعاني من مأساة التمزق والصراع الداخلي، في بغداد تقوم الخلافة العباسية ومن يساندها من السلاجقة، وفي القاهرة تتمركز الدولة الفاطمية، وقد بلغ العداء بينهما أوجه، ما سهل الطريق للحملات الصليبية التي اجتاحت الشرق الإسلامي من انطاكية إلى المنصورة في أرض الكنانة.
وهكذا سقطت مدينة القدس عام 492هـ  ثم تهاوت بقية المدن الإسلامية وكان آخرها طرابلس، التي بقيت تقاوم حتى سنة 503هـ. 
بقيت طرابلس فترة طويلة من الزمن تتألم من ظلم المستعمرين وهمجيتهم، حتى ظهر عماد الدين زنكي في الموصل حاملاً راية الجهاد  لتحرير البلاد  الإسلامية المحتلة،  ثم تبعه ابنه نور الدين زنكي الذي أسقط الحكومة الفاطمية وضم مصر من جديد إلى الخلافة العباسية، لكنه لم يتمكن من تحرير طرابلس.
تسلم صلاح الدين الأيوبي قيادة البلاد المصرية، ثم عمل على جمع كلمة المسلمين شرقاً وغرباً،  ثم وجه الضربة المناسبة للصليبيين في حطين وحرّر القدس سنة 583هـ.
تابع صلاح الدين الفتوحات حتى وصل إلى طرابلس، وحاصرها من ناحية الكورة  والقلمون،  لكنه لم يكمل مهمة فتح المدينة بسبب التطورات السياسية العامة.
في زمن الظاهر بيبرس تعرّض الشرق الإسلامي لهجمة جديدة من قبل المغول، الذين أسقطوا الخلافة العباسية ودمروا العاصمة بغداد وتابعوا زحفهم نحو مصر، فتصدى لهم السلطان قطز، وكان جيش المماليك يقوده الظاهر بيبرس الذي أنزل هزيمة منكرة بالمغول في معركة عين جالوت.
ولما تسلّم بيبرس القيادة السياسية قرر تخليص مدينة طرابلس من سيطرة الصليبيين، ثم دخل الى منطقة الظاهرية وشدد الحصار عليها من جهة الشرق والشمال لمدة عشرة أيام، لكنه عجز عن دخولها بسبب مقاومتها ومناعة أسوارها.
ولما تولى السلطان قلاوون القيادة في مصر والشام، صمّم على متابعة مسيرة الجهاد التي سار عليها السلف الصالح، ثم تحرك بجيشه من القاهرة الى دمشق،  حيث انضمت  إليه  مجموعات من المجاهدين من مختلف المدن السورية.
بعد ذلك توجه الى طرابلس على رأس جيش بلغ أربعين ألف فارس و مائة ألف من المشاة، ثم عبر سهل البقاع وجبال بشري حيث وقف وجوه الموارنة الى جانبه، ثم تمركز الجيش في تلة القبّة المطلة على طرابلس، ثم  نصب 19 منجنيقاً لدك الأسوار، في نفس الوقت كان 1500عامل يحفرون الممرات اللازمة لاختراق الاسوار.
عرض السلطان قلاوون على حكام  المدينة  الموافقة على دخولها بدون قتال، ولهم حرية المغادرة أو البقاء آمنين. ولما رفضوا استمر الحصار أكثر من شهر، ثم كان الهجوم الأخير.. وجرى قتال شديد داخل المدينة أسفر عن  مقتل سبعة آلاف من عسكر الصليبيين والباقون فروا بحراً إلى جزيرة قبرص.
وفي يوم الثلاثاء 26نيسان 1289م (الرابع من ربيع الثاني 688هـ) دخل السلطان قلاوون المدينة حانياً رأسه على ظهر فرسه شكراً لله على هذا النصر المبين.
لقد احتفل المسلمون في الشرق والغرب بتحرير طرابلس، ثم انطلق السلطان المنصور إلى الأرض القريبة من القلعة وأمر ببناء طرابلس الجديدة حول المسجد المنصوري الكبير.
 وطرابلس المملوكية اليوم  بكل أسواقها ومساجدها  ومدارسها ومؤسساتها تشهد على عظمة الحضارة الإسلامية التي تفوقت في كل ميادين العلم  والعمران. 
إن يوم النصر في طرابلس يثبت للأجيال الحاضرة أن الوحدة هي الطريق الى القوة والمجد  وفلسطين الرازحة تحت نير الاحتلال الصهيوني تنتظر أحفاد صلاح الدين والسلطان قلاوون.. وهم بإذن الله قادمون؟