د. صالح النعامي

تكتسب الزيارة التي سيقوم بها رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيدف للكيان الصهيوني في العاشر من تشرين الثاني المقبل أهمية خاصة، وتحمل دلالات كبيرة تتصل بطابع التحديات التي تواجهها الأمة في هذا الزمن الحرج. فميدفيدف سيصل إلى تل أبيب للاحتفاء بمرور 25 عاماً على استئناف العلاقات بين بلاده والصهاينة، ولبحث سبل بناء المزيد من الشراكات بين تل أبيب وموسكو، على الصعد الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية.
ويشي الحرص الروسي على مغازلة الصهاينة على هذا النحو بطابع الاستراتيجية التي ينتهجها الرئيس فلادمير بوتين في تعاطيه مع المشرق العربي، حيث إن بخلاف ما تدّعي إيران وحزب الله، كل المؤشرات تدل على أن بوتين حوّل تدخله العسكري في سوريا إلى نافذة فرصة لبناء شراكة مع الكيان الصهيوني. ولا تتكرس هذه الشراكة فقط في التعاون والتنســــــيق الأمني في سوريا، الذي يتيح لجيش الاحتلال الصهيوني ممارسة أنشطته العسكرية والاستخبارية بشكل حرّ، بل إن بوتين منح تل أبيب علناً الحق باستهداف أهداف حزب الله في سوريا.
فبفضل روسيا، منحت إيران وحزب الله الكيان الصهيوني بشكل غير مباشر التزاماً بعدم الرد على الهجمات الصهيونية. ولا حاجة هنا للتذكير بالعدد الكبير من العمليات التي نفذها الصهاينة ضد أهداف لإيران وحزب الله داخل سوريا، دون أن يتجرأ هذان الطرفان على الرد. فنظراً إلى أن الحفاظ على نظام بشار الأسد على رأس سلم أولويات إيران، فإنها تغض الطرف عن السلوك الصهيوني.
المفارقة أن الصهاينة يجاهرون بمطالبة الروس بألا تؤثر الطبيعة التسليحية والتقنية للجيش الروسي في سوريا على قدرتهم في مواصلة تنفيذ عمليات داخل سوريا. فعلى سبيل المثال، مع إعلان روسيا نصب بطاريات دفاع جوية من طراز «S400»، فقد سارعت إسرائيل لمطالبة موسكو بتعديل قواعد التنسيق بينهما بحيث لا يؤثر وجود هذه المنظمات بقدرتها على مواصلة الضرب والقصف.
ليس هذا فحسب، بل إن الصهاينة يراهنون على أن تقوم روسيا بالتوسط بينهم وبين الإيرانيين وحزب اللــــــه لتوطيد حالة الهدوء القائمة على الحدود الشمالية لفلسطـــــــــين المحتلة.
ومن الواضح أنه نظراً إلى أن روسيا ترتبــــــط بعلاقات قــــــوية بكل من الكيان الصهيوني وإيران، فإن من غير المستبعد أن تلــــــعب موسكو دوراً في ترتيب تفاهمات بعيـــــدة المدى بين الإيرانيين والصهاينة، بحيث تضمن هذه التفاهمات ألا يهدد التوســــــع الإيراني في المنطقة المصالح الصهيونية. من الواضح أن تل أبيب، خاصة حكومة اليمين المتطرف، ما زالت معنية باستخدام الملف النووي الإيراني من أجل ابتزاز الرئيس الأمريكي الجديد وابتزاز المزيد من الدعم لتل أبيب، لكن الصهاينة في الوقت ذاته سيتلقفون أية صيغة لبناء تفاهمات غير مباشرة مع الإيرانيين، بشرط أن يطــــــول أمد المواجهة في سوريا بين نظام الأسد وقوى المعارضة السوريــــــة، حيث إن تل أبيب ترى أن حسم المواجهة الحالية في بلاد الشام يمثل تهديداً لمصالحها، بغض النظر عن هوية الطرف المنتصر.
ومن الواضح أن الرغبة المشتركة لكل من روسيا والكيان الصهيوني في توسيع الشراكات الاقتصادية بينهما تلعب دوراً رئيساً في إغراء بوتين ونتن ياهو بتعزيز العلاقات بين الجانبين، فسيطرة الصهاينة على حقول الغاز الفلسطينية والعربية في حوض البحر الأبيض المتوسط تؤسس لفــــــتح شراكة روســــــية صهيونية تقوم على التنــــــسيق الثنائي في كل ما يتعـــــــلق بالتعامل في سوق الطاقة. فموسكو وتل أبيب معنيتان بأن تسهم السياسة التسويقية للغاز في عدم المس بمصالح الطرفين.
ومن الواضح أن العلاقة الروسية الصهيونية تتطور بشكل لافت يتجاوز كل التوقعات، ويدل على أن بعض الدول العربية التي اعتقدت أن التوجه لروسيا للتعويض عن تراجع الدور الأمريكي في المنطقة يمكن أن يخدم مصالحها أخطأت في التقدير. إن الذي يدفع بوتين إلى احترام الكيان الصهيوني، كما كشف عن ذلك هو شخصياً في خطابه أمام «مؤتمر التاريخ الروسي» قبل خمسة أشهر، هو منعة هذا الكيان الاقتصادي وتفوقه التقني والعسكري. وقد دعا بوتين الروس للتعلم من الصهاينة ودراسة التاريخ واستنباط عبر العمل على أساسها. أي أن القوة الصهيونية الناعمة تلعب دوراً طاغياً على مواقف بوتين وسياساته الإقليمية.
أي إن بوتين يحترم فقط من لديه أسنان جاهزة للعض والنهش، في حين أنه لا يقيم وزناً للضعفاء الذين بإمكانه أن يلتقيهم، لكن دون أن يتعامل معهم بجدية وندّية.