محمد أحمد حمود

قيل الكثير عن تمكن النظام السوري من تهجير أهالي بلدة داريا القسري بمباركة أمميّة وتواطؤ دولي في ريف دمشق الغربي، وأكثر المعاقل المعارضة القريبة من العاصمة التي تمّ خنقها، وإخراج المعارضين والثوار المسلحين منها، مع العلم أنهم من نوعية لا يستهان بها، لكنه كان كلاماً عاطفياً فقط ومؤثراً عن أيقونة الثورة السورية وأسطورتها السلمية ورمزيتها السياسية.
 وبات واضحاً سعي النظام إلى تأمين دمشق، فداريا والمعضمية اللصيقة بها، التي ستبدأ أيضاً عملية إجلاء الثوار وعائلاتهم عنها، اللتان تعتبران أبرز مناطق المعارضة المسلّحة في الريف الغربي لدمشق، بل هما تصنّفان من الريف اللصيق بالعاصمة، علاوة على أن أقرب نقطة محررة تبعد عنها ما لا يقل عن اثني عشر كم. وتأمينهما يعني تحصين أسوار دمشق، ومعاودة فتح مطار المزة أمام عمل مروحيات الجيش السوري الأسدي.
ولا تقتصر أهمية داريا والمعضمية العسكرية فقط على أنهما ترفعان من نسبة تأمين العاصمة، بل يفتح الطريق أمام النظام واسعاً لاستعادة خط التماس مع «إسرائيل» عند حدود الجولان، وأيضاً لبسط سيطرته على المنطقة المفتوحة على مثلث الحدود اللبنانية - السورية - الإسرائيلية المقابلة لمنطقة شبعا اللبنانية.
تعد معضمية الشام بوابة دمشق من الجهة الغربية، وتقع على الأوتوستراد الرئيسي الواصل بين العاصمة ومحافظة القنيطرة، ويقطنها قرابة 43 ألف مواطن، وكانت المعارضة السورية حررتها منذ عام 2012 وما زالت تسيطر عليها. ووقّعت أواخر العام ذاته اتفاق تهدئة مع النظام، وهو الاتفاق الذي ما زال سارياً حتى اليوم، وتخلله تشديد الحصار وقطع المواد الإغاثية عنها، فيما تمنع حواجز النظام خروج أي مدني منها ما عدا الموظفين والطلبة.
لكن ما لم يتم الحديث عنه حول تلك النكسة الجديدة للمعارضة السورية هو التغيير الديموغرافي، وكيف حوصرت داريا ثم دُمرت ثم أُفرغت من سكانها، وهل كان يمكن إنقاذها من هذا المصير الاسود؟ وماذا يعني أن النظام لم يستطع اقتحام البلدة بالقوة، ولم يجرؤ على الاشتباك مع الثوار فيها، أو ربما لم يستطع تحمّل كلفة ذلك الاشتباك، فاختار السماح لهم بالخروج الآمن، على غرار ما فعل في أنحاء أخرى من ريفي دمشق وحمص. 
لكن، هل تركيز النظام وحلفائه على جبهة تحصين أسوار دمشق هو في سياق الرد على هزائمه في ريف حلب، وسيطرة المعارضة المدعومة من تركيا على جرابلس قابلها إنهاء ملف داريا وخروج سكانها منها، والدخول العسكري التركي في الشمال السوري؟ 
الى ذلك سُجّل عودة الطيران الحربي بعد قرابة العامين إلى أجواء حي الوعر المحاصر غربي مدينة حمص، يصاحبه رسائل تهديد تطالب بخروج المقاتلين وذويهم من الحي، ما يدفع إلى إخراج جميع أهالي الحي هرباً من عمليات انتقامية من قبل مليشيات النظام، على غرار ما حصل في أحياء حمص الأخرى ما بين عامي 2013 و2014، وقرية قزحل في ريف حمص الشمالي في تموز بعد إعدام عدد من سكان القرية من الذين فضلوا البقاء على النزوح القسري، على يد عناصر مليشيات «الدفاع الوطني» و«لواء الرضا الشيعي»، بحسب بيان أصدرته «لجنة المفاوضات» و«إدارة حيّ الوعر» يوم الأحد الفائت.
كل هذا ضمن سياسة التطهير العرقي في المناطق الخارجة عن سلطة النظام وحلفائه، والتصعيد الحالي في حيّ الوعر الحمصي، هو مقدمة لتنفيذ مخطط التغيير الديموغرافي، وطرد المسلمين السنة من مناطق سيطرة النظام المعروفة بـ«سوريا المفيدة». وإذا ما تحقق للنظام ذلك، فالمخطط سيستكمل فصوله كذلك في ريف حمص الشمالي وغيره من المناطق الثائرة على النظام. عمليات التغيير الديمغرافي في محيط دمشق وحمص وريفها تسير على قدم وساق بمؤامرة دولية تساند النظام في ترك مناطق للمعارضة شمالي سورية، على أن يأخذ المناطق المحيطة بدمشق.